اتصل بنا
 

عبد الحافظ الشخانبة... سياسي بوجه واحد

نيسان ـ نشر في 2022-07-17 الساعة 15:39

x
نيسان ـ محمد قبيلات
عاد الطبيب الشاب، عبد الحافظ كاسب الشخانبة، إلى وطنه في أواسط سبعينيات القرن الماضي، بعد أن أمضى في دراسة الطب البشري ست سنوات في العاصمة السوفييتية موسكو، ليفتح عيادة في مدينة مادبا في شارع الشهيد نورس اليعقوب، مقابل عيادة - نطاسي مادبا القديم - الراحل سميح الزوايدة.
وباشر الشخانبة علاج الفقراء من أبناء المنطقة، حيث كان منافسا للعيادات الحكومية من حيث التكلفة، فكانت كشفيته لا تزيد عن دينارين، للذين يستطيعون الدفع، أما من لا يملكون المال فكان يتكفل بالكشف عليهم وتأمينهم بالعلاج أيضا.
وكانت قاعة الانتظار تعج بالمراجعين، خصوصا أولئك القادمين من قرى مادبا الجنوبية وحيها الشرقي، ما عوّض الشخانبة عن دخل الوظيفة الحكومية التي حُرم منها لأسباب أمنية، تتعلق بانتمائه الحزبي في تلك الفترة، حيث كان عضوًا في الحزب الشيوعي الأردني، لكن برؤيته الخاصة، إذ كانت تبدو عليه مظاهر الكاريزما السياسية، التي تفوّق فيها على الحزبي العادي، فلقد كان وطنيا يمتلك جرأة سياسية نادرة، ويعد الشخانبة من السياسيين النادرين في هذا المجال، فهو سياسي بوجه واحد، يتحدث اللغة نفسها مع رجل الشارع وفي أوساط النخب، ومع رجال الدولة، ومراكز القرار، ولم يكن يعرف التقية السياسية، لم يستخدم السياسة لفائدة أو مغنم شخصي.
كان الشخانبة سياسيًا من طراز رفيع، دعّم مكانته هذه خلفيتُه الحزبية، وتنوُّره الفكري، ووعيُه العميق بجذور المشاكل التي تواجه البلاد، ما هداه إلى طريق الواقعية السياسية.
تلك الرؤية قادته إلى الخلاف مع الشيوعيين، حيث شكل موقفه في انتخابات بلدية مادبا في مطلع ثمانينيات القرن الماضي نقطة الفراق بينه وبينهم، بسبب رؤيته التحالفية المغايرة للتصورات التي كانت تحكم رؤية الحزب في تلك الفترة، فقد رُفض موقفه المتحالف مع الإخوان المسلمين حينها، وكان الرفض من قبل الحزب، حسب رأي بعض الحزبيين الذين عايشوا تلك الخلافات، لأسباب طائفية، لا فكرية أو سياسية، فحاول أن يجادل أو يقنع بعض القيادات الحزبية برأيه، فلم يفلح، فغادر من دون ضجيج، بل إنه ظلّ على علاقة طيبة مع أعضاء الحزب.
ومن الشخصيات المقربة، التي آزرت الحزب في نضالاته، وقد كان من بين الحاضرين، في الاجتماع الذي عقد في دارة نوري مسلم أبو قاعود، الذين طالبوا بإطلاق سراح أعضاء الحزب المعتقلين في هبة نيسان المجيدة، وكان على رأس المجتمعين يومها الشيخ الراحل فواز ابو بريز.
دخل الشخانبة عالم السياسة من خلال البرلمان، فقد خاض الكثير من المعارك الانتخابية، حيث تكللت جهوده تلك بدخوله البرلمان الثاني عشر، نائبا عن محافظة مادبا، ومن ثم حمل حقيبة وزارة العمل، في حكومة عبد الكريم الكباريتي، الذي ضم لأول مرة منذ خمسينيات القرن الماضي عددا من القوميين واليساريين وزراء في حكومته، وأخبر الدكتور الشخانبة كاتب هذه السطور أن الراحل الملك الحسين، ذات مرة، التقى مجلس الوزراء، وبعد أن رحب الكباريتي بالملك، قال له: إن حكومتي يا سيدي تضم وزيرين من الحزب الشيوعي، يقصد الشخانبة والشنيكات، فضحك الحسين مستحسنا الحديث وقال ما معناه : من منا لم يكن يوما حزبيا.
لكن هناك أطراف معينة، في الحكومة ومراكز القرار، لم تستوعب الراحل، بل إنها تحسَّست من شخصية الشخانبة الجسورة، خصوصا على تجاوز المراجع والتواصل مباشرة مع أصحاب القرار حين الضرورة، ومنها ذلك الجدال الذي جرى بينه وبين الكباريتي في مطار ماركا، حيث وقف الشخانبة مع الأمير الحسن بن طلال وتحاور معه في بعض الأمور، وهو ما أغضب الرئيس الكباريتي حينها، ومن القصص التي تعكس صورة شخصية الراحل عبد الحافظ الشخانبة وعزة نفسه، عندما سأله النائب سمير قعوار إن كان صحيحا أن الشخانبة قد حظي بمرافقة الملك الحسين لساعات حين طلبه الديوان الملكي ليرافق الملك الراحل في زيارته إلى محافظة مادبا، فأجابه الشخانبة رحمه الله بنعم، ليسأله قعوار وما الحديث الذي جرى في حضرة الملك، فأجابه الدكتور عبد الحافظ:
حدثته عن المنطقة وهمومها، وعن البطالة المتفشية بين صفوف الشباب، وكذلك تحدثت معه عن التعليم وأن من الخطأ دخول القطاع الخاص على التعليم الجامعي، فما كان من قعوار إلا أن لامه على هذا الحديث، قائلا له: في واحد صاحي يوجع راس الملك بهيك قصص، كان لازم تحكيله عن وضعك، وتطلب منه مساعدة، لكن هذا هو الموقف الطبيعي لمن يعرفون الدكتور حافظ الشخانبة ويعرفون عزة نفسه، فهو شخص كريم تعوَّد أن يعطي أكثر مما يأخذ.
في وزارة العمل كان له بصمات مميزة، فهو مِن أول الوزراء الذين سعوا لتثبيت الحد الأدنى للأجور، وأول من ناقش ضرورة ترتيب وضع ودائع الضمان الاجتماعي في البنوك، فليس من المعقول أن تسلم بنكا مئات الملايين من الدنانير ودائع بينما رأسمال البنك لا يتجاوز في حينها العشرين مليونا فقط .
التزم الشخانبة هذا الخط السياسي الوطني، في نيابته وفي الوزارة، وحتى حين أختير عضوا في مجلس الأعيان، ظلّ سياسيا واضحا لا يعرف التلوُّن أو التزلُّف، لا يبيع ولا يشتري مواقفه، ولا يسترزِق، يقول رأيه من دون مواربة، ومن يعرفون أبا مكسيم يعرفون ذلك النشاط السياسي والفكري الذي كان يُثيره أينما حل.

نيسان ـ نشر في 2022-07-17 الساعة 15:39

الكلمات الأكثر بحثاً