تغريد رشيد تكتب عن (كرسي الياسمين )
نيسان ـ نشر في 2015-04-18
نسجت عناكب الحزن خيوطها على نافذة بائسة تقاعدت عن الفتح منذ سنين.
العصافير هاجرت وأزهار نيسان ذبلت، وصارت عجوزا في ريعان الشباب،. أما ياسمين ففي الداخل مستلقية في زاوية من زوايا النسيان، تسمع نداء الشمس واستغاثة الأزهار، لكنها لا تستجيب متظاهرة ً بالصمم. كيف لها أن تسمح لأشعة الشمس بالدخول وللازهار ان تنثر عبيرها وللعصافير ان تغرد حولها، وهي لا تستطيع مغادرة فراشها. منذ ذلك الحادث المروع الذي افقدها القدرة على المشي وحول ساقيها الى عمودين من رخام لا حياة فيهما.
باتت تكره كل شيء يسير من حولها لدرجة أنها أتلفت قدمي دميتها المفضلة لتصبح عاجزة مثلها.
حتي ذلك الكرسي الجاثم بمحاذاة سريرها لم يسلم من نظرات ياسمين الكارهة له الناقمة عليه، فهي لم تتقبل فكرة أنها لا تستطيع المشي الا برفقته ،، كيف ذلك !! وهي لم تحبه يوماً ولم تجرأ حتى على الاستعانة به.
بدت الغرفة بائسة كئيبة يلفها الصمت المقيت وكأن الحياة حزمت أمتعتها وغادرت هذا المكان ،،،،
في فوضى الصمت، ظهر صوت غريب عم المكان .. تنبهت له واستفاقت من سباتها فتحت عينيها رويدا رويداً لتسترق النظر من فتحة الباب المطل على فناء المنزل لتتبين مصدر الصوت فاذا به يصدر من مكنة الحياكة التي تعمل عليها والدتها .. تأملت تلك العجلة المثبتة بمقدمة الآلة وتساءلت ، كيف لعجلة صغيرة ان تدور فتجعل ابرةً رقيقة عاجزة عن الحراك تتراقص كأمهر راقصات الباليه تنساب على الاقمشة برشاقة لتصنع أجمل التصاميم ،، لوهلة تراءى لها ذلك الكرسي الرابض بجانبها، تأملت عجلاته الكبيرة.
راودتها نفسها على تجربته لأول مرة، مدّت يدها لتجذبه نحوها ،، لملمت حطام روحها، وحاولت انتزاع جسنها عن السرير، وبعد محاولات مضنية تمكنت من امتطائه ،، أخذت نفساً عميقاً ومدت يديها المرتعشتين لتمسك بالعجلات، وما إن بدأت بتحريك الكرسي حتى شعرت بخفة لم تعهدها من قبل .. جعلت تدور في انحاء الغرفة مغتبط لتبدأ بحياكة أحلامها على دروب الحياة بخيوط من حرير.