فضلُ القولِ على العمل
نيسان ـ نشر في 2022-08-24 الساعة 10:42
نيسان ـ من الغريب أن ينتشر في الأديان السماوية قوالب لفظية يؤديها المتدين، فيحصل على هدفه من التدين وهو الفوز بالجنة، وينسى مراد الله من وجود الانسان في الأرض لإعمارها بالعدل؟! وهذه القوالب ركزت على الأوراد التي يؤديها المؤمن بنمط معين وعدد معين وبشكل فردي، دون العمل؟ لأن العمل هو الذي يغيّر المجتمعات وليس القوالب اللفظية.. حتى لو كانت خطباً أو محاضرات وندوات، فالتغيير يريد عملاً، والنهوض بالمجتمعات يريد عملاً لا ألفاظاً.
إذا كانت القوالب اللفظية في أصلها مزجت بين القول والعمل، وكانت تقال تمهيداً للقيام بالعمل، ولا تعطل العمل؟!! وتنسجم مع الآية:
(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)..
فهذه محمودة، وتعبئ الفرد للقيام بدوره في العمل للتغيير..
قد يكون من فصلوا القول عن العمل الذي يريده الله، والموصل الى حرية الإنسان، وركزوا على الأقوال التي ينسبونها الى الرسول، عندما أساؤوا العمل وخالفوا الرسول في التمسك بالاسلام، ويريدون أن يتدين الناس بالألفاظ وليس بالعمل، فذهبوا الى القول دون العمل ليكون معادلاً نفسياً، فهم لا يستطيعون العمل لنصرة الحق والدفاع العملي عن النهج النبوي فيلجؤون الى التعبُّد، فبقدر اساءتهم عملياً الى الرسول صاروا يذكرونه بالقول فيكثرون الصلاة عليه ثم يذكرون الله بألسنتهم ويكثرون! بنفس القدر الذي خالفوا به هديه وتمردوا على قرآنه.
لذلك جاءت أحاديث تدعم هذا النهج مثل مايرويه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ في يومٍ مِئَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ».
وكذلك مَن قالَ: حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، مِئَةَ مَرَّةٍ، لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَومَ القِيَامَةِ، بأَفْضَلَ ممَّا جَاءَ به، إِلَّا أَحَدٌ قالَ مِثْلَ ما قالَ، أَوْ زَادَ عليه)..
فمدار الأمر كله حول القول، أما الأفعال التي تبدأ من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بكل درجاته، للفرد وللمجتمع وللحاكم، مُغفَلة!.
وهذا دليل على أن هذا النهج مدروس ويؤدي هدفاً ومصلحة لجهة معينة وهي مؤسسة الحكم في وقت انتشار هذه الأقوال.
وهناك حديث يجهر، بتثبيط الناس عن مكافحة الظلم، ويوجه الى القول دون العمل:
عنْ أَبي الدِّرداءِ، قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ ﷺ: أَلا أُنَبِّئُكُم بِخَيْرِ أَعْمَالِكُم، وأَزْكَاهَا عِند مليكِكم، وأَرْفعِها في دَرجاتِكم، وخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاق الذَّهَبِ والفضَّةِ، وخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقوْا عدُوَّكم، فَتَضربُوا أَعْنَاقَهُم، ويضرِبوا أَعْنَاقكُم؟ قَالَوا: بلَى، قَالَ: ذِكُر اللَّهِ تَعالى.
طبعا لا اعتراض على ذكر الله إذا شُفع بالعمل، ولكن الاعتراض على التوجيه الى التلفظ والقول الفردي، والانحراف بالانسان المسلم من مكافح للظلم الى شخص تَعبُدي تهمه نفسه فقط، و يستبعد الحديث الأعمال العظيمة التي تحدث التغيير الذي يريده الله، كجهاد الظلمة والمتعدين على حدود الله سياسياً..
تصوروا الانفاق والجهاد، يتضاءل أما التلفظ بكلمة الله، وهذا توجيه لترك العمل والتمسك بالقول.. وهو توجيه لم يقل به الاسلام، فالجهاد والإنفاق في سبيل الله أمر عظيم لأنه هو الوسيلة الوحيدة للتغيير والنهوض بالأمة وانتشالها من البؤس والحضيض الى الحرية، والغريب أن الذين يتمسكون بهذه الأقوال، يعيبون على فئة، فهمت المراد الذي حملته النصوص، فقعدت وتدروشت، وراحت تهز رؤوسها وتقول: ألله، ألله ألله، ألله..
العمل مقدم على القول، فإذا قدمت العمل، فاذكر الله، وادعُ بما شئت فإنك في هذه الحالة تكون قد حققت مراد الله من وجودك وجاء ذكرك ودعاؤك في مكانه..
عندما تختطف الأديان التي جاءت أصلاً لتحرير الشعوب من تسلط بعضهم على بعض، ومن السير في كل الطرق الى طريق واحد هو طريق الله الذي يعود إليه الجميع الحاكم والمحكوم.. لذلك هذا النهج الذي يأخذ على يد الظالم لا يريده البشر المسيطرون فجنحوا بالأديان عن سبيل الله الى سبيل شهواتهم وفرض سيطرتهم، وما من دين إلا ناله من هذه الفئة ما ناله بقدر سيطرة الفئة الباغية..
قد يعترض معترض، ويقول: إن هناك توجيهات نبوية تحث على العمل، هذا صحيح، لكن تأثير هذه التوجيهات اللفظية، أقوى لأنها أسهل وأسلم، وتبتعد عن مقارعة السلطة وهي فردية تنجذب لها النفس المتشوقة الى الجنة بشكل فردي، وتشبع الجانب الديني الغريزي عند الأفراد.. ويستخدمها المتدين في حياته ولا تضره شيئاً، لكن العمل أمر آخر قد يكلفه كثيراً، أو يخرّب حياته كما يعبّر البعض عن ذلك.. كل ذلك سبب فصاماً في الشخصية المتدينة.. تجده يستغرق في العبادة اللفظية، ويحجم عن العمل ويؤول نصوصه لتوافق اللفظ ويريح نفسه، بل يستغرق بالعبادة الفردية وإذا صادفه موقف للحق، انهارت عبادته ويصبح على النقيض من إيمانه..
إذا كانت القوالب اللفظية في أصلها مزجت بين القول والعمل، وكانت تقال تمهيداً للقيام بالعمل، ولا تعطل العمل؟!! وتنسجم مع الآية:
(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)..
فهذه محمودة، وتعبئ الفرد للقيام بدوره في العمل للتغيير..
قد يكون من فصلوا القول عن العمل الذي يريده الله، والموصل الى حرية الإنسان، وركزوا على الأقوال التي ينسبونها الى الرسول، عندما أساؤوا العمل وخالفوا الرسول في التمسك بالاسلام، ويريدون أن يتدين الناس بالألفاظ وليس بالعمل، فذهبوا الى القول دون العمل ليكون معادلاً نفسياً، فهم لا يستطيعون العمل لنصرة الحق والدفاع العملي عن النهج النبوي فيلجؤون الى التعبُّد، فبقدر اساءتهم عملياً الى الرسول صاروا يذكرونه بالقول فيكثرون الصلاة عليه ثم يذكرون الله بألسنتهم ويكثرون! بنفس القدر الذي خالفوا به هديه وتمردوا على قرآنه.
لذلك جاءت أحاديث تدعم هذا النهج مثل مايرويه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ في يومٍ مِئَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ».
وكذلك مَن قالَ: حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، مِئَةَ مَرَّةٍ، لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَومَ القِيَامَةِ، بأَفْضَلَ ممَّا جَاءَ به، إِلَّا أَحَدٌ قالَ مِثْلَ ما قالَ، أَوْ زَادَ عليه)..
فمدار الأمر كله حول القول، أما الأفعال التي تبدأ من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بكل درجاته، للفرد وللمجتمع وللحاكم، مُغفَلة!.
وهذا دليل على أن هذا النهج مدروس ويؤدي هدفاً ومصلحة لجهة معينة وهي مؤسسة الحكم في وقت انتشار هذه الأقوال.
وهناك حديث يجهر، بتثبيط الناس عن مكافحة الظلم، ويوجه الى القول دون العمل:
عنْ أَبي الدِّرداءِ، قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ ﷺ: أَلا أُنَبِّئُكُم بِخَيْرِ أَعْمَالِكُم، وأَزْكَاهَا عِند مليكِكم، وأَرْفعِها في دَرجاتِكم، وخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاق الذَّهَبِ والفضَّةِ، وخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقوْا عدُوَّكم، فَتَضربُوا أَعْنَاقَهُم، ويضرِبوا أَعْنَاقكُم؟ قَالَوا: بلَى، قَالَ: ذِكُر اللَّهِ تَعالى.
طبعا لا اعتراض على ذكر الله إذا شُفع بالعمل، ولكن الاعتراض على التوجيه الى التلفظ والقول الفردي، والانحراف بالانسان المسلم من مكافح للظلم الى شخص تَعبُدي تهمه نفسه فقط، و يستبعد الحديث الأعمال العظيمة التي تحدث التغيير الذي يريده الله، كجهاد الظلمة والمتعدين على حدود الله سياسياً..
تصوروا الانفاق والجهاد، يتضاءل أما التلفظ بكلمة الله، وهذا توجيه لترك العمل والتمسك بالقول.. وهو توجيه لم يقل به الاسلام، فالجهاد والإنفاق في سبيل الله أمر عظيم لأنه هو الوسيلة الوحيدة للتغيير والنهوض بالأمة وانتشالها من البؤس والحضيض الى الحرية، والغريب أن الذين يتمسكون بهذه الأقوال، يعيبون على فئة، فهمت المراد الذي حملته النصوص، فقعدت وتدروشت، وراحت تهز رؤوسها وتقول: ألله، ألله ألله، ألله..
العمل مقدم على القول، فإذا قدمت العمل، فاذكر الله، وادعُ بما شئت فإنك في هذه الحالة تكون قد حققت مراد الله من وجودك وجاء ذكرك ودعاؤك في مكانه..
عندما تختطف الأديان التي جاءت أصلاً لتحرير الشعوب من تسلط بعضهم على بعض، ومن السير في كل الطرق الى طريق واحد هو طريق الله الذي يعود إليه الجميع الحاكم والمحكوم.. لذلك هذا النهج الذي يأخذ على يد الظالم لا يريده البشر المسيطرون فجنحوا بالأديان عن سبيل الله الى سبيل شهواتهم وفرض سيطرتهم، وما من دين إلا ناله من هذه الفئة ما ناله بقدر سيطرة الفئة الباغية..
قد يعترض معترض، ويقول: إن هناك توجيهات نبوية تحث على العمل، هذا صحيح، لكن تأثير هذه التوجيهات اللفظية، أقوى لأنها أسهل وأسلم، وتبتعد عن مقارعة السلطة وهي فردية تنجذب لها النفس المتشوقة الى الجنة بشكل فردي، وتشبع الجانب الديني الغريزي عند الأفراد.. ويستخدمها المتدين في حياته ولا تضره شيئاً، لكن العمل أمر آخر قد يكلفه كثيراً، أو يخرّب حياته كما يعبّر البعض عن ذلك.. كل ذلك سبب فصاماً في الشخصية المتدينة.. تجده يستغرق في العبادة اللفظية، ويحجم عن العمل ويؤول نصوصه لتوافق اللفظ ويريح نفسه، بل يستغرق بالعبادة الفردية وإذا صادفه موقف للحق، انهارت عبادته ويصبح على النقيض من إيمانه..
نيسان ـ نشر في 2022-08-24 الساعة 10:42
رأي: صابر العبادي