لأسباب مبهمة.. استبدال النقابة العامة للعاملين في البناء بالمناجم والتعدين

نيسان ـ بعد ظهر الأربعاء الموافق العاشر من شهر آب (أغسطس) 2022 عقدت الهيئة العامة للدائنين اجتماعاً لها، وافقت فيه على خطة إعادة تنظيم شركة الإسمنت لافارج، وذلك في إطار عملية الإعسار الخاصة بالشركة التي كانت قد تقدمت بطلب الإعسار في تموز 2020، ولكن لم يوافق عليه من قبل القضاء بصورة قطعية إلّا في آيار (مايو) 2022.
بعد انتهاء الإجتماع وزعت شركة لافارج خبراً عن نتائجه، جاء فيه : «.. ووافقت الهيئة على إجراء هيكلة إدارية خلال اجتماع لها برئاسة قاضي الإعسار نهاد الحسبان، وحضور رئيس مجلس إدارة الشركة جواد العناني والغدارة التنفيذية ووكيل الإعسار والدائنون (....) وممثل عن عمال الشركة رئيس النقابة العامة للعاملين في المناجم والتعدين والإسمنت خالد الفناطسة». (راجع وكالة بترا، وموقع قناة «المملكة» بتاريخ 10/8/2022)
قلائل هم من توقفوا عند ذكر «ممثل عن عمال الشركة، رئيس النقابة العامة للعاملين في المناجم والتعدين والإسمنت، خالد الفناطسة» ! فمنذ تأسيس شركة مصانع الإسمنت الأردنية، وحتى بعد خصخصتها عام 1998 ودخول لافارج ﻛ «شريك استراتيجي»، ولاحقاً سيطرتها على الشركة، فإن ممثل العمال والموظفين العاملين في الشركة كانت النقابة العامة للعاملين في البناء. فماذا استجد حتى تستبدل هذه فجأة بنقابة المناجم والتعدين التي ليس لها علاقة بالإسمنت، ومع ذلك أضيف إلى اسمها كلمة «الإسمنت» ؟
هذا ما حاولنا الكشف عنه بعد بحث وتقص مضنيين على مدى اسبوعين ؛ وكانت النتيجة وضع اليد على حقائق مذهلة برسم الرد /النفي من جهة المعنيين !
لقد طلب رفيق الدويك، وكيل الإعسار، بتاريخ 28/6/2022 من نقابة عمال البناء تسمية ممثل العمال لغاية حضور اجتماع الدائنين في 10/8/2022؛ وردّت النقابة على كتاب الدويك برسالة مؤرخة في 4/7/2022 تبلغه فيها بان رئيس نقابة عمال البناء، محمود سالم الحياري، هو الذي سيمثل العمال في الإجتماع المشار إليه. فكيف حضر إذن خالد الفناطسة الإجتماع، وليس محمود الحياري ؟ ألا يبدو الأمر غريباً ؟ أو أن ثمة سر في الموضوع ؟
هنا لا بد أن نعود إلى موقف نقابة عمال البناء من خطة إعادة تنظيم الشركة والتي تتعرض في بنودها إلى اتفاقات عقدت مع 78 موظفاً (وليس مع نقابة عمال البناء) ، وتشترط على العمال بان يتعهدوا بعدم القيام باي إضراب أو اعتصام أوحتى توزيع مطبوعات في حال موافقتهم على «الصفقة» !! (حتى وزارة العمل لم تجرؤ على ذلك !)
كان موقف نقابة عمال البناء رفض خطة إعادة التنظيم الجديدة الصادرة عن وكيل الإعسار ، وذلك لمخالفتها قرارات المحاكم والإتفاقيات العمالية، ولإعتدائها على الحقوق المكتسبة للموظفين. وكانت النقابة قد ابلغت رئيسة محكمة بداية السلط ووكيل الإعسار بملاحظاتها على ما ورد في الخطة بخصوص الموظفين وحقوق العمال.. وهذا كله موثّق.
أما «الضربة التي كسرت ظهر البعير» ـ كما يقولون ـ فهي الرسالة المؤرخة في 13/7/2022 الموجهة إلى وزير العمل من رئيس نقابة عمال البناء، محمود سالم الحياري، وينهيها ـ بعد تأكيده مجدداً على إيمان النقابة بالحوار ـ بالعبارات التالية : «وبناءاً على قرار اللجان النقابية في كل من مصنعي الرشادية والفحيص، فإننا نمهل إدارة الشركة (لافارج) ثلاثة أسابيع ، إعتباراً من تاريخ 13/7/2022 للرد، وفي حال عدم الرد (على مطالب النقابة) فإنه من حقنا إعلان إضراب وإعتصام عن العمل لنيل حقوقنا». وأبلغت الشركة بهذا القرار أيضاً .
هنا، جن جنون إدارة شركة لافارج ، خصوصاً وأن ذاكرتها لم تنسى بعد دور عمال الشركة في إفشال عقد اجتماعين للهيئة العامة للدائنين ، كانت مواعيدها قد حددت سابقاً (في ايلول / سبتمبر و تشرين الأول / اكتوبر 2021) ؛ إذ حاصر العمال مكان انعقاد الإجتماع، وكان فشلاً ذريعاً لإدارة شركة لافارج. وتقول مصادر عمالية بان الإعتصام الذي كان مقرراً في 10/8/2022 كان متوقعاً أن يشارك فيه أعداد أكبر من العمال مقارنة بما جرى في السابق.
بتاريخ 18/7/2022 ، وجّه وزير العمل، نايف استيتيه، كتاباً إلى رئيس الإتحاد العام لنقابات العمال في الأردن، مازن المعايطة، يبلغه فيه بالقرار رقم 45/2022 تاريخ 18/7/2022 الخاص بتصنيف الصناعات والأنشطة الإقتصادية التي يجوز للعاملين فيها من تأسيس نقابات تمثلهم. وفي هذا التصنيف الجديد سحب نشاط صناعة الإسمنت من نقابة عمال البناء، وأضيف إلى «المناجم والتعدين»، وذلك للحيلولة دون حضور ممثل نقابة عمال البناء للإجتماع المنتظر !
يستطيع الوزير ان ينفي ذلك بالقول أن إجراءاته «قانونية» وهي «لخدمة العمال» والإقتصاد الوطني إلخ...ولكن، هل يستطيع معاليه ان يفسر لنا لماذا جاء قراره بعد 5 أيام فقط من الكتاب المؤرخ 13/7/2022 المرسل من رئيس نقابة عمال البناء الذي يبلغ فيه عن قرار تنظيم إضراب واعتصام «خلال ثلاثة اسابيع»، اي قبل ايام من اجتماع هيئة الدائنين ؟ هل جاء ذلك كله «بمحض الصدفة» !!
السؤال الآخر الذي يوجه إلى الوزير : كيف تقول في تبرير التصنيفات التي اعتمدتها بانها تستجيب للمعايير العربية والدولية، في الوقت الذي تعتبر فيه هذه المعايير تبعية عمال صناعة الإسمنت إلى نقابة عمال البناء، كما هو الحال في جميع الدول العربية والاغلبية الساحقة من دول العالم ؟! والكثير من الناس يتساءلون بإستهجان : ما علاقة الإسمنت بالمناجم والتعدين ؟
عندما يتوضح السبب يبطل العجب ! وحتى تعرف ماذا يجري في روما، عليك ان تعرف ماذا يجري في غواتيمالا !! ...«السر» في استبدال نقابة عمال البناء بنقابة المناجم والتعدين اصبح واضحاً، ويُشكّل سوء استخدام للسلطة يجب ان يُعاقب عليه؛ إذ استجاب وزير العمل للضغوط التي مارستها عليه شركة لافارج أو جهات أخرى نافذة او متنفذة بصورة مباشرة أو غير مباشرة، من اجل استبعاد نقابة عمال البناء والإتيان بممثل ترضى عنه الشركة، حتى لو لم يكن له علاقة بالعمال العاملين فيها (الوثائق منشورة مع هذا التقرير)
ما هو موقف رئيسة محكمة الإعسار ما هذا الذي جرى ؟ ما هو موقف وكيل الإعسار ؟ الا يستدعي ذلك مباشرة هيئة مكافحة الفساد في التحقيق بكل الوقائع المذكورة أعلاه وربما غيرها ؟ هل يرضى عمال الأردن بأن تستخدم القوانين والأنظمة لكي تتكيف مع مصالح شركة أجنبية لم يستفد منها الأردن ، اللهم إلا العوائد الضريبية المتواضعة في حين تستأثر بالقسم الأكبر من الأرباح وتورده إلى الشركة الأم خارج الأردن، وبعد ذلك تدعي الإعسار لكي تبيع أراضي مصنع الفحيص الذي لم تدفع فيه ديناراً واحداً ؟ الا يعني ما جرى بأن اجتماع هيئة الدائنين في 10/8 باطل ونتائجه باطلة ؟ وإذا كانت شركة لافارج تتعامل بهذه السطوة تجاه نقابة للعمال ... فكم بالحري تتعامل مع مطالب أهالي الفحيص التي تريد التصرف بأراضيهم، بعد أن ابتليوا بالخصخصة والفساد الذي رافقها ولا يزال المسؤولون يخفونه ولا يريدون فتح ملفاته التي فاحت روائح الفساد منها بقوة ؟ هل سنشهد تحركاً من قبل القضاء ؟