اتصل بنا
 

من زاوية أخرى حرب الأردن المعقدة 

كاتب وصحافي اردني

نيسان ـ نشر في 2022-09-02 الساعة 10:07

نيسان ـ في فبراير-شباط الماضي كان الملك الأردني بكامل لباسه العسكري "الميداني" على خط الحدود الشمالي لبلاده يخاطب جيشه مستخدما لغة تهديد قاسية وغير مسبوقة أعلن فيها "العين الحمراء" ضد كارتيل تجارة وتصنيع المخدرات.
غالبا ما تكون قضايا المخدرات وضبطها والحد من تهريبها ملفا أمنيا تتولاه الأجهزة "البوليسية" ووحدات مكافحة تابعة لها متخصصة في مواجهتها، لكن الحالة التي أعلن عنها الملك في فبراير وما سبق ذلك مطلع العام الحالي حين أعلن الجيش الأردني ببيان "لافت جدا" قراره بتغيير قواعد الاشتباك أشارت بوضوح أن ملف المخدرات الذي أصبح قضية "أمن وطني وإقليمي" لم يعد ملفا تدير المواجهات فيه قوات أمنية شرطية بل هو ملف "استراتيجي" على مستوى الإقليم، ويبدو أن المعلومات الواردة إلى الأجهزة الاستخبارية العسكرية في الأردن تفيد بحضور "استراتيجية عدائية" ممنهجة تشير أصابع الاتهام فيها على طهران التي تحاول استخدام "الإرهاب الأبيض" ويستهدف في غاياته النهائية الوصول إلى إغراق الشارع المستهدف بالمخدرات وتقويض البنى الاجتماعية عبر تدمير الشباب "المعطل والمقهور واليائس" أصلا.
عمق الجنوب السوري حالة فوضى أمنية، ومنطقة خصبة لحضور إيراني مباشر أو عبر قوات عسكرية سورية نظامية "منفلتة عن سيطرة النظام في دمشق"، ولم يعد خافيا سيطرة طهران "المطلقة" على غالبية الجغرافيا السورية واختطافها القسري لقرارات دمشق السياسية، خصوصا بعد انشغال "الشريك الروسي في احتلال سوريا" بحربه الطويلة على ما يبدو في أوكرانيا، وحضور إيران في سوريا لا يخرج عن سياقها التاريخي منذ ثورة الملالي فيها بتصدير "نموذجها الثوري في الدولة الإسلامية" وقد وجدت في الخواصر الأكثر ضعفا في المشرق العربي جغرافيا مناسبة لتصدير أزماتها مع بسط السيطرة الإقليمية تحت شعارات المقاومة والصمود وتوظيف "القضية الفلسطينية" كمظلومية كاملة الأهلية تقودها طهران.
منذ سنوات، صار الدمشقيون يشعرون بخطة منهجية هدفها إعادة التركيب الديمغرافي في أحياء دمشق بما يشبه إعادة إنتاج "ضاحية جنوبية" فيها، وحسب المعلومات التي تداولها كثير من التقارير وشهود العيان فإن إيران وجدت في "الحرب السورية" حلا لأحد أزماتها والتي أنتجتها نهايات الحرب الأفغانية وهروب كتلة سكانية ضخمة من "الشيعة الأفغان" إلى إيران من الاقتتال السني – السني.
إيران، ومع بدء "المقتلة السورية" وحسب مصادر عدة شكلت كتائب عسكرية مقاتلة من تلك الكتلة وباتفاق – غير معلن ومبهم- مع النظام السوري تمت عمليات توطين الناجين من تلك الكتائب في أحياء دمشقية واسعة قرب مزارات شيعية معروفة بعد أن خلت من سكانها الأصليين، وهو ما يعني وجود استراتيجية إيرانية ممنهجة ومتعددة المستويات في تغيير التركيب الديمغرافي في سوريا، ويبدو ان الاستراتيجية تتوسع باستخدام خطط ممنهجة ومدروسة لضرب البنى الاجتماعية وتفكيكها عبر تصنيع هائل للمخدرات "الرخيصة والقوية" وتهريبها ونشرها في المجتمعات المستهدفة.
الخاصرة الرخوة بل الأكثر رخاوة في هذه الحالة كان الجنوب السوري المتاخم بخط حدود طويل مع الأردن، خط حدودي مفتوح شماله منطقة معتمة مؤهلة لعمليات التصنيع الممولة والمجهزة والمحمية بمليشيات كاملة التجهيز العسكري، وجنوب الخط الحدودي مساحات مفتوحة لتمرير البضائع "والبشر" بحماية ذات المليشيات وبإغراءات العوائد الخرافية الضخمة.
الملف لم يعد أمنيا، فالاستهداف هنا يتجاوز كامل الدولة الأردنية إلى الدول المجاورة بدءا من السعودية وباقي منظومة مجلس التعاون الخليجي.
تغيير قواعد الاشتباك، هي لهجة تخفف حدة الوصف الحقيقي للحالة: الحرب.
وهي حرب التقطها الجيش الأردني بمعلومات استخبارية لا التباسات فيها، واستخبارات الجيش الأردني معروفة بانضباطيتها وتميزها عن باقي الأجهزة "الأمنية" في الأردن أنها لا تنشغل بالسياسة ومهتمة بعقيدتها العسكرية الواضحة والمحددة بحماية الحدود واستقرار مؤسسات الدولة، انتهى تراكم المعلومات المتسارع والدقيق بالجيش إلى تغيير قواعد اشتباكه نحو حرب معلنة على عدو غير معلن، حرب باسم الإقليم وبتفويض "الضرورة" الواضح لا بمزاجية القرار السياسي الملتبس.
العمق العربي المستهدف بالمخدرات – وحسب مصادر أردنية- لا يزال يتعامل مع تلك الحرب بمنطق السياسة ومزاجيتها الملتبسة، وهي حرب "وجود" لا يمكن إخضاعها لمنطق المناكفات وهي أيضا حرب مكلفة تحتاج تمويلا مستداما لا تغطية "رفع العتب" المعتادة.
الطرف الآخر، العدو المجهول الذي يواجهه الجيش الأردني مسلح بتقنيات عالية المستوى قادرة "بتمويل مرتفع" على تطوير برمجيات التقنيات الحديثة مما يجعل تقنيات المواجهة بلا فائدة في كثير من الأحيان، وهو ما يستنزف القوة البشرية التي لا تزال قادرة حسب معطيات تم إطلاعي عليها على صد هجوم عمليات التهريب ذات التغطية العسكرية والتقنية العالية.
وحسب ذات المصادر، فإن الجهات الأمنية الأردنية بدأت فعلا وبقرار سياسي من رأس الدولة بحمل الملف الأمني الداخلي بحملات مداهمة وتحديد "تجار الداخل" في الأردن، وهو ما بدأت الأخبار "الشحيحة بالتسريب" تداوله عبر المواقع الأردنية مع بهارات التضخيم التي تحاول تسييس العملية الأمنية.
هي الحرب إذن..حرب إقليمية نوعية معلنة بغموض سياسي، مع عدو واضح الملامح مجهول الهوية ومسلح جيدا بقوة جيش نظامي، وتلك من أسرار هذا الشرق الأوسط في تحولاته العميقة نحو شرق متوسط محاصر بثروة الغاز والوارث تاريخيا لأزمات ثقيلة واليائس رغم كل المحاولات ان يصل إلى نقطة "صفر أزمات الحرة

نيسان ـ نشر في 2022-09-02 الساعة 10:07


رأي: مالك عثامنة كاتب وصحافي اردني

الكلمات الأكثر بحثاً