'معلومة إماراتية' أثارت جدلاً: المقيم الأردني بعد الهندي الأكثر التزاماً بالقانون
بسام بدارين
كاتب اردني
نيسان ـ نشر في 2022-09-19 الساعة 06:38
نيسان ـ لماذا يغرق الأردني بالامتثال للقانون خارج بلاده ولا يفعل داخلها؟
شعر مسؤولان عن لجنة الشؤون الخارجية في مجلسي الأعيان والنواب بأفضلية وأهمية طرح مثل هذا السؤال وهما يستمعان إلى ملاحظة على هامش غداء رسمي وبوجود وزير الخارجية أيمن الصفدي، قرر ضيف الأردن وزير خارجية الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد طرحها على مضيفيه.
رغم تواطؤ الجميع في السلطة والمجتمع على تجاوز القواعد والتعليمات
الوزير الإماراتي وضع مضيفيه الأردنيين بصورة ملحوظة: المقيم الهندي ثم الأردني هما الأكثر حرصاً على الالتزام بالقانون، بموجب الدراسات في أبو ظبي.
تلك معلومة طالما رددها مسؤولون أردنيون وهم يتحدثون عن التفريط بقيمة الامتثال لتوجيهات وإرشادات القانون بشكل مثالي في الخارج، وسقوط المعيار القانوني في الداخل في الممارسة والسلوك، مع أن الجبهة الوطنية الداخلية هي الأحق بالإعلاء من قيمة وشأن تعليمات القوانين.
قصد الضيف الإماراتي هنا التقدم بملحوظة فيها مجاملة تمتدح سلوك الأردنيين العاملين في بلده. لكن المعني بلجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأردني النائب ميرزا بولاد، وقف أمام الملحوظة بتأمل واندفع نحو محاولة البحث عن السؤال، وتحدث مع زملاء له عن المفارقة، معتقداً بأن عملية التغيير والإصلاح تبدأ من الإجابة عن هذا السؤال، حيث لا يبدو بأن الالتزام بحرفية القانون – في رأي ميرزا كما سمعته «القدس العربي» على هامش نشاط اجتماعي – سلوك جماعي متوافق عليه ويحظى بإجماع وطني تماماً بين الجميع خلافاً لما يحصل في الواقع.
أحد الوزراء تلقى اتصالاً هاتفياً يؤشر على الإشكالية من صديق له كان عند الاتصال يقف على طابور الدور في أحد البنوك الإنكليزية، فقال رجل الأعمال الصديق بأنه شعر بالمفارقة واستخدم عبارة «من طين بلادك لط خدادك».
وهي أكثر العبارات في الدارج الشعبي تبريراً للإخفاق والفشل، مع أن رجل الأعمال المشار إليه شعر بالمفارقة لأنه وجد طريقة في عمان دوماً لتجاوز طابور العملاء والزبائن في البنك بحكم الدلال الذي يحظى به.
معنى ذلك أكثر حساسية، وهو أن الواسطة والمحسوبية وثقافة الالتزام بالإنصاف القانوني يعاكسها أيضاً القطاع الخاص الأردني في الداخل وليس القطاع العام فقط. بمعنى، حسب ميرزا، أن المسألة سلوكية وثقافية بامتياز. والواقع يشير إلى أن إجادة المواطن الأردني حتى وإن كان في صفوف النخبة للالتزام بالقانون خارج بلاده، ظاهرة لافتة للنظر وتشمل جميع المكونات، فيما التفريط بالقانون مسألة يتواطأ عليها الجميع في السلطة والمجتمع داخل البلاد.
مفارقة تحتاج لعلماء اجتماع ونفس لتفكيكها، ولا شأن لها في المسألة السياسية. وأحد كبار المسؤولين لاحظ مبكراً أمام «القدس العربي» أن واحدة من أبرز إشكالات إصلاح الإدارة العامة في الأردن تبدأ من عند التوثق من أن تجليات الربيع العربي عام 2011 دفعت مؤسسات الدولة أحياناً للتفريط بالقانون وهيبته مقابل الإفلات بكمائن ومنجزات محدودة تحت عنوان الأمن والاستقرار.
قال المسؤول الكبير بوضوح أن نظرية التفريط في القانون آنذاك لصالح أمن المجتمع بولغ فيها بوضوح، والإدارة الأردنية تدفع ثمن ذلك اليوم، وبعد نحو 11 عاماً، وبشكل ملموس؛ حيث صعوبات بالجملة في إقناع الموظفين العموميين بمفهوم الخدمة العامة والواجب، وعملية استرسال بالأطنان سياسياً وبيروقراطياً في تمرير تسويات مطلبية على حساب الالتزام المهني والقانوني وفي سياق تسوية يكتشف الجميع اليوم بأنها ألحقت ضرراً بالغاً بعلاقة الأردنيين بدولتهم، وأضرت بمفهوم الثواب والعقاب الإداري، وبالغت في تسوية الأمور أمنياً فقط مع محتقنين أو غاضبين أو حراكيين، وبالتالي نتج عن كل هذا المشهد حصول تراجع في الأداء العام تقر به المؤسسات العميقة، وظهور ميل عند بعض الشرائح لتأسيس ابتزاز ناجح للسلطة والحكومة، كما نتج عنه نظرية الحقوق والمكاسب ويقابلها طبعاً نظرية الحق المنقوص.
المسألة أعقد من أن تقف عند حدود ملاحظة وزير خارجية عربي ضيف؛ لأنها مطروحة حتى في الاجتماعات السيادية وأحيانا بعنوان التلاوم، بمعنى البحث عمن أسس لعملية التفريط بهيبة الدولة ومعها هيبة القانون لتحقيق أغراض تكتيكية سريعة تدفع مؤسسات القطاع العام الآن ثمنها بتراجع مرصود لا يمكن إنكاره.
الإدارة التكتيكية هنا حصراً نتج عنها مشكلات أعقد، في رأي الخبراء العميقين، فقد تحولت مثلاً ظاهرة تهريب المخدرات بعد التواطؤ لأسباب تكتيكية في الماضي إلى قوة مستحكمة ومتصلبة في عمق بنية المجتمع، وسقطت تماماً إدارياً كل هتافات وشعارات ونظريات محاربة الواسطة والمحسوبية.
في الوقت نفسه، أصبحت الكلفة المطلوبة للإصلاح اليوم أعلى بكثير من تلك التي كانت تعبر عن احتياج محدد في الماضي خلافاً لأن عمليات الهندسة المتتالية للانتخابات العامة تفريطاً بفرص العدالة القانونية انتهت دوماً بمراكز قوى انتخابية وبرلمانية في العمق، تفرض على الدولة ســـطوتها وليس الـــعكس.
ملاحظة الضيف الإماراتي كانت جارحة، لأنها تقول بحقيقة يرددها أصلاً همساً جميع المسؤولين الأردنيين.
شعر مسؤولان عن لجنة الشؤون الخارجية في مجلسي الأعيان والنواب بأفضلية وأهمية طرح مثل هذا السؤال وهما يستمعان إلى ملاحظة على هامش غداء رسمي وبوجود وزير الخارجية أيمن الصفدي، قرر ضيف الأردن وزير خارجية الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد طرحها على مضيفيه.
رغم تواطؤ الجميع في السلطة والمجتمع على تجاوز القواعد والتعليمات
الوزير الإماراتي وضع مضيفيه الأردنيين بصورة ملحوظة: المقيم الهندي ثم الأردني هما الأكثر حرصاً على الالتزام بالقانون، بموجب الدراسات في أبو ظبي.
تلك معلومة طالما رددها مسؤولون أردنيون وهم يتحدثون عن التفريط بقيمة الامتثال لتوجيهات وإرشادات القانون بشكل مثالي في الخارج، وسقوط المعيار القانوني في الداخل في الممارسة والسلوك، مع أن الجبهة الوطنية الداخلية هي الأحق بالإعلاء من قيمة وشأن تعليمات القوانين.
قصد الضيف الإماراتي هنا التقدم بملحوظة فيها مجاملة تمتدح سلوك الأردنيين العاملين في بلده. لكن المعني بلجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأردني النائب ميرزا بولاد، وقف أمام الملحوظة بتأمل واندفع نحو محاولة البحث عن السؤال، وتحدث مع زملاء له عن المفارقة، معتقداً بأن عملية التغيير والإصلاح تبدأ من الإجابة عن هذا السؤال، حيث لا يبدو بأن الالتزام بحرفية القانون – في رأي ميرزا كما سمعته «القدس العربي» على هامش نشاط اجتماعي – سلوك جماعي متوافق عليه ويحظى بإجماع وطني تماماً بين الجميع خلافاً لما يحصل في الواقع.
أحد الوزراء تلقى اتصالاً هاتفياً يؤشر على الإشكالية من صديق له كان عند الاتصال يقف على طابور الدور في أحد البنوك الإنكليزية، فقال رجل الأعمال الصديق بأنه شعر بالمفارقة واستخدم عبارة «من طين بلادك لط خدادك».
وهي أكثر العبارات في الدارج الشعبي تبريراً للإخفاق والفشل، مع أن رجل الأعمال المشار إليه شعر بالمفارقة لأنه وجد طريقة في عمان دوماً لتجاوز طابور العملاء والزبائن في البنك بحكم الدلال الذي يحظى به.
معنى ذلك أكثر حساسية، وهو أن الواسطة والمحسوبية وثقافة الالتزام بالإنصاف القانوني يعاكسها أيضاً القطاع الخاص الأردني في الداخل وليس القطاع العام فقط. بمعنى، حسب ميرزا، أن المسألة سلوكية وثقافية بامتياز. والواقع يشير إلى أن إجادة المواطن الأردني حتى وإن كان في صفوف النخبة للالتزام بالقانون خارج بلاده، ظاهرة لافتة للنظر وتشمل جميع المكونات، فيما التفريط بالقانون مسألة يتواطأ عليها الجميع في السلطة والمجتمع داخل البلاد.
مفارقة تحتاج لعلماء اجتماع ونفس لتفكيكها، ولا شأن لها في المسألة السياسية. وأحد كبار المسؤولين لاحظ مبكراً أمام «القدس العربي» أن واحدة من أبرز إشكالات إصلاح الإدارة العامة في الأردن تبدأ من عند التوثق من أن تجليات الربيع العربي عام 2011 دفعت مؤسسات الدولة أحياناً للتفريط بالقانون وهيبته مقابل الإفلات بكمائن ومنجزات محدودة تحت عنوان الأمن والاستقرار.
قال المسؤول الكبير بوضوح أن نظرية التفريط في القانون آنذاك لصالح أمن المجتمع بولغ فيها بوضوح، والإدارة الأردنية تدفع ثمن ذلك اليوم، وبعد نحو 11 عاماً، وبشكل ملموس؛ حيث صعوبات بالجملة في إقناع الموظفين العموميين بمفهوم الخدمة العامة والواجب، وعملية استرسال بالأطنان سياسياً وبيروقراطياً في تمرير تسويات مطلبية على حساب الالتزام المهني والقانوني وفي سياق تسوية يكتشف الجميع اليوم بأنها ألحقت ضرراً بالغاً بعلاقة الأردنيين بدولتهم، وأضرت بمفهوم الثواب والعقاب الإداري، وبالغت في تسوية الأمور أمنياً فقط مع محتقنين أو غاضبين أو حراكيين، وبالتالي نتج عن كل هذا المشهد حصول تراجع في الأداء العام تقر به المؤسسات العميقة، وظهور ميل عند بعض الشرائح لتأسيس ابتزاز ناجح للسلطة والحكومة، كما نتج عنه نظرية الحقوق والمكاسب ويقابلها طبعاً نظرية الحق المنقوص.
المسألة أعقد من أن تقف عند حدود ملاحظة وزير خارجية عربي ضيف؛ لأنها مطروحة حتى في الاجتماعات السيادية وأحيانا بعنوان التلاوم، بمعنى البحث عمن أسس لعملية التفريط بهيبة الدولة ومعها هيبة القانون لتحقيق أغراض تكتيكية سريعة تدفع مؤسسات القطاع العام الآن ثمنها بتراجع مرصود لا يمكن إنكاره.
الإدارة التكتيكية هنا حصراً نتج عنها مشكلات أعقد، في رأي الخبراء العميقين، فقد تحولت مثلاً ظاهرة تهريب المخدرات بعد التواطؤ لأسباب تكتيكية في الماضي إلى قوة مستحكمة ومتصلبة في عمق بنية المجتمع، وسقطت تماماً إدارياً كل هتافات وشعارات ونظريات محاربة الواسطة والمحسوبية.
في الوقت نفسه، أصبحت الكلفة المطلوبة للإصلاح اليوم أعلى بكثير من تلك التي كانت تعبر عن احتياج محدد في الماضي خلافاً لأن عمليات الهندسة المتتالية للانتخابات العامة تفريطاً بفرص العدالة القانونية انتهت دوماً بمراكز قوى انتخابية وبرلمانية في العمق، تفرض على الدولة ســـطوتها وليس الـــعكس.
ملاحظة الضيف الإماراتي كانت جارحة، لأنها تقول بحقيقة يرددها أصلاً همساً جميع المسؤولين الأردنيين.
نيسان ـ نشر في 2022-09-19 الساعة 06:38
رأي: بسام بدارين كاتب اردني