اتصل بنا
 

النواصب قادمون

كاتبة أردنية

نيسان ـ نشر في 2022-09-21 الساعة 16:08

نيسان ـ البعض يظن ان مقولة " ما الاسد الا بضعة خراف مهضومة"، هي حقيقة قابلة للتطبيق على
ارض الواقع ، فيقوم مثلا بقراءة عدد من الكتب في مسألة معينه ويشاهد بعضا من المواد
المرئية والمسموعة ، ينتشي ويتولد لديه شعور بأنه امتلك ناصية الحقيقة، وانه بات اسد
المعرفة فيخرج على الناس معلنا انه اتى بما لم يستطعه الاوائل ، ينبري للحديث في مسائل
لم تتحقق فيها شروط البحث العلمي، ليحدث البلبلة والفرقة والانقسام ، أدواته في تحقيق
ذلك.. كاميرا وميكروفون وزاوية في صالون منزله ،وحساب على اليوتيوب او غيرها من
المنصات ، وهنا تكمن الخطورة خاصة اذا تناول هذا الشخص مسائل خلافية حساسه يطل بها
على الجمهور، من دون ان تكون له قدم راسخة في المادة العلمية التي يطرحها .
ذلك النقاش الازلي حول وقائع حدثت في القرن الاول الهجري من قتل للخليفة الراشد عثمان
بن عفان وما تلاه من خلافات واقتتال بين الصحابة ، وتحول شكل الحكم من الخلافة المنتخبة
الى ملك متوارث وانقسام المسلمين بين شيعة وسنة . هذا النقاش يتجدد على نطاق واسع
الآن بسبب قيام صحفي ويوتيوبر مصري يدعى صابر مشهور باثارة الشبهات حول تلك
الوقائع المذكورة آنفا ، كنت استمع اليه وهو يتكلم في شتى المواضيع، التاريخيه منها
والمعاصرة وفي اغلب الفيديوهات كان يقحم بلا سبب سيرة الدولة الاموية وخاصة ابو
سفيان وزوجته هند والخليفة معاوية مكيلا لهم المديح ، حتى لو كان موضوع الفيديو يتناول
مثلا مستجدات السياسة الروسية في منطقتنا او تصريحات للرئيس بايدن . ومؤخرا خرج
على متابعيه قائلا ان احد كتب الحديث وهو المستدرك على الصحيحين للنيسابوري، كتاب
باطل متعفن بل هو العفن بذاته وينبغي التخلص منه لانه يروي احاديث موضوعة تدعم نهج
التيار الصفوي، ولم تنفع جميع محاولات المشايخ والعلماء بمناصحته او مناظرته، فالرجل
مصر على آراءه، وتطور الامر فقرر ان ينتزع من الامام علي بن ابي طالب لقب الخليفة
الراشد الرابع ويعطيه لمعاوية بن ابي سفيان بدلا منه، ثم اعلن رفضه لحديث صحيح روته
أم المؤمنين عائشه مفاده ان هند بنت عتبه دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو
له ان زوجها ابا سفيان رجل شحيح، علق صابر مشهور موجها كلامه لهند ( لأ يا ست انت
غلطانه) مقررا تنصيب نفسه حكما في مشكلة اسريه حدثت بين امرأة وزوجها توفيا قبل اكثر
من الف وثلاثمائة عام، ثم ليعلن في موضع آخر رفضه وصف ابي سفيان بالبخل لانه صحابي
جليل والطعن فيه طعن في معاويه نفسه . يعني الرجل خلع على العائلة السفيانية كل صفات
الكمال والجمال بحيث لا يقبل ان يوصف فرد منهم باي عيب .
ذات الآراء الغريبة صدرت من قبل وما زالت تصدر عن الدكتور طه الدليمي، وهو طبيب
عراقي يظهر في بعض القنوات الفضائية ويقدم نفسه على انه مؤسس التيار السني في
العراق وصاحب مشروع ، الدليمي سبق وان نشر قبل سنوات على قناته على اليوتيوب
حلقات يشرح فيها زيف ما جاء في كتاب المستدرك وانه مليء باباطيل الشيعة حسب زعمه .
وهنا لست بصدد مناقشة صحة الكتاب من عدمه فانا ليس لدي علم شرعي يمكنني من
الخوض في هذا الامر، انما انا هنا فقط احاول رصد تيار قديم عاد ليظهر من جديد على
الساحة الاسلامية م وهو ما اصطلح على تسميته بالفكر الناصبي او الخارجي الذي يظهر
البغض للامام علي خاصة، وكل من يحمل هذا التوجه لديه اسبابه الخاصة والتي ليست من
ضمنها غالبا تحري الحقيقة ، رواية من هنا ورواية من هناك ، تضعيف لحديث ورد في
الصحاح ، النبش في اسرار الحياة الخاصة للشخص المراد اسقاط عدالته، هذه هي آلية
عملهم .
يتحدث الدليمي دائما عن ضرورة تطهير كتب الحديث والسير مما علق بها من الفكر الشيعي
الفارسي ، يركز على ما وقع من احداث في القرن الاول الهجري، يقول ما الضير اذا اعترفنا
ان في كتب الحديث "البخاري ومسلم وغيرها" بعض الاحاديث الضعيفه وغير الصحيحه ،
ايضا يقول ان البخاري لم يكن يطبق شروطه العلمية المعروفة عندما كان يورد الاحاديث التي
تتحدث عن مناقب علي وآل البيت ، وان القول بان كل ما ورد في البخاري صحيح امر
خطير.
كل من يتابع منشوراته بدقة يدرك ان الدليمي لديه حقد كبير على العرق الفارسي
ويعتبرالفرس مسؤولين عن كل المصائب التي حلت ببلاده العراق على وجه الخصوص ،
لدرجة انه يتحسس من الاحاديث الواردة في الكتب الصحاح حول فضائل علي وفاطمه
والحسن والحسين لمكانة هذه العائلة عند الشيعة والفرس ، وهنا تكمن عقدة الرجل فقد
اكتوى كفرد عراقي بنار النزاع المستمر بين العراق وايران ويعز عليه ان يرى بلده
مستباحا من كل القوى تصول وتجول به ميليشيات ايرانية او محلية تتبع لها ، فهو بالتالي
يريد دحض أية احاديث قد يستخدمها الشيعة ليعلو مذهبهم باعتبار ايران راعية هذا المذهب ،
ولكن هل يجوز له الغوص في تاريخ الاسلام ورجاله العظام بتلك العقد النفسية ومحاولة
اعادة تشكيل التاريخ واستخدام قصص السيرة حسب رؤيته وعاطفته؟ هل يحق له الطعن في
اهلية الامام علي وتصويره وكانه قفز الى السلطة بضغط واجبار من قتلة عثمان وانه كان
مسلوب الارادة من قبلهم، يعين ولاة ويعزل آخرين بناءا على اوامرهم . وانه لم يقم الحد على
قتلة عثمان ورفض مشورة كبار الصحابة ، ناسيا او متناسيا ( أي الدليمي ) ان عدم ثبات
اهل العراق معه على الحق وترددهم وسؤالهم المستمر له عن كل صغيرة وكبيرة، كانت من
اهم العوامل التي اعاقت مسيرة حكمه وهو ما اختصره بنفسه عندما خاطب اهل العراق قائلا
( لقد ملئتم قلبي قيحا ) ومقولته الاخرى ( لا رأي لمن لا يطاع) .بل ان الدليمي شكك صراحة
بشرعية خلافة علي مدعيا ان كبار الصحابة لم ينصبوه بل بايعه بعضهم مكرها من قبل قتلة
عثمان، وبالطبع يتوجب على الدليمي تقديم تفسير مقنع لمتابعيه حول حديث النبي لعمار بن
ياسر( تقتله الفئة الباغية) فيخرج علينا ببعض الآراء الشاذة التي التقطها من كتب السير
فيقول ان الفئة الباغية التي قتلت عمار هم قتلة عثمان المتواجدون في جيش علي وبالتالي
فان عمار قتل على يد من خرج معهم ، بمعنى نال جزاءه . في ذات الوقت ينفي الدليمي الخبر
الذي ورد بأن مقتل عمار احدث بلبلة في معسكر معاوية اكثر مما احدثه في معسكر علي نافيا
ان تكون تلك الحيرة قد وقعت في نفس معاوية عندما سأله عمرو بن العاص عن حديث الفئة
الباغية التي تقتل عمارا، فقد اجابه معاوية بكل ثقة ( بل قتله من اخرجوه)، وهكذا يصور لنا
معاويه في كل الاحداث والوقائع ، هادئا مطمئن البال مستقر الرأي لا يخالطه الشك في أي
من افعاله وتحركاته وكأنه ينظر في مرآة صافية، بينما بدا علي بعد وقعة صفين باكيا شاكيا
امام ابنه الحسن والاخير يعاتبه بكلمات من مثل ( الم اقل لك يا ابتي، ألم انصحك؟ )
ثم يمضي في اعادة تشكيل ميزان شخصية علي الذي في مخيلته ،فينقص من كفة مزاياه ، ثم
يزيد او يختلق في كفة عيوبه ، مع دوام الترضي عليه والاستغفار" لاخطائه" ، وهنا يقود
المتابع غير الواعي الى النتيجة التي يريدها هو تماما فتتشكل امامه صورة علي الضعيف
الذي لم يكن اهلا للسياسة والحكم وانما اقتصرت مواهبه على الشجاعة في الحروب . ولكي
يقطع على المتابع أي تدخل بتوجيه الاتهام الى اهل العراق بسبب تخاذلهم عن طاعته
والوقوف دون رسوخه في الحكم يسارع ليروي قصة ( حمراء الكوفة) وهم جماعة من
الفرس سكنوا في الكوفة وادعوا الاسلام وهم من اساءوا لسمعة العراق والعراقيين ( حسب
زعمه) ، فتش عن الفرس دائما .
في سبيل تحقيق هدف اسقاط الاحاديث النبوية التي تذكر مناقب آل البيت ومنها ان فاطمة
سيدة نساء الجنة والحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة، وحديث من كنت مولاه فعلي
مولاه ، يقول الدليمي ان البخاري لم يكن يضع احاديث المناقب على شروطه في التصحيح أي
انه كان يتساهل في التدقيق ، وايضا يقول ان متن الحديث مهم كاهمية السند بل ان السند هو
اضعف المعايير في تدقيق الحديث . طيب اذا كان يقلل من شأن السند ويرفع من شأن المتن
فكيف سيفسر لمتابعيه قول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي ( اما ترضى بأن تكون مني
بمنزلة هارون من موسى) يقول الدليمي هنا ان النبي في بعض الاحاديث شبه عمر بن
الخطاب بموسى وعليه فان عمر كان قويا مثل موسى وعلي كان ضعيفا مثل هارون . يضيف
ان عليا كان من ذلك النوع من القادة الذين لا يألفهم الناس، شخصية طارده يسوي مشاكل (
حسب تعبيره) .
* مهرجان انتخابي لمرشحين متوفيين .
اخطر ما يفعله الدليمي هي تلك المقارنات التي يجريها بين علي ومعاويه ليقنع القارىء بأن
معاوية افضل من علي ، فهو بذلك يعزز ، من حيث يشعر او لا يشعر ، الاصطفافات المذهبية
والطائفية بين صفوف المسلمين . ولست ادري ما الفائدة التي ستعود عليه وعلى من يتبعون
هذا النهج من عقد تلك المقارنات، فالرجلان ذهبا الى ربهما منذ زمن طويل وليسا مرشحين
محتملين لاي منصب رئاسي في زماننا الحاضر فلماذا يقام هذا المهرجان الانتخابي لمرشحين
لم يعودا من اهل الدنيا وبالتالي فهما ليسا بحاجة الى مدراء لحملاتهم الانتخابية ، لكن
الدليمي يمضي في مهمته المتخيلة فيحاول النيل من سمعة المرشح المضاد لمعاوية بطريقة
ناعمة لا تجلب له الملامة فيعقد مقارنة لبيان من كان ازهد في متع الدنيا ، علي ام معاوية ،
هنا توجب عليه الحديث عن قيمة ثروة علي واعلانها على الجماهير فيقول ان عليا لم يكن
زاهدا في متع الحياة الحلال لانه عانى كثيرا مرارة الفقر في اول حياته، والصبر على الفقر
هو صبر اضطراري، اما لاحقا فقد امتلك بساتين النخيل في ينبع التي تدر عليه آلاف الاطنان
من التمر سنويا، وايضا البيوت والمزارع ، ومات وعنده اربع زوجات وتسع عشرة جارية
والعبيد والاموال ، اما معاوية فقد نشأ في بيت القيادة والسيادة والملك والمال ومع ذلك كان
زاهدا في متع الحياة وكان يمشي في اسواق دمشق بثوب مرقع .
بعد ان صورعلي بن ابي طالب في هذه المرتبة من الضعف ووهن الارادة وانعدام المواهب،
الآن يأتي دور الحسين بن علي شهيد كربلاء، فبعد تفكيك مكانة علي - رئيس العائلة المقدسة
لدى الشيعة - ينبغي اعادة تشكيل رواية مقتل ابنه في معركة كربلاء ومعه العديد من افراد
اسرته وانصاره بطريقة تخلي مسؤولية يزيد بن معاويه الاموي من هذه المقتلة، الدليمي يعلم
جيدا حساسية هذا الامر فيعمد كالعادة الى التشكيك فــــي الروايات التاريخية التي تظهر
الحسين معتدا برأيه رافضا نصائح كل من بذلوا له النصيحة بعدم الخروج الى العراق موردا
نفسه واهله الى المهالك. يقول ان الروايات لو صحت لكان الحسين مجنونا اذ كيف يقاتل
امبراطورية لم يستطع الروم هزيمتها بهذا العدد البسيط من اهله وانصاره الذين خرجوا معه،
بل يعتقد الدليمي ان نية الحسين حين خرج من مكه لم تكن قتال يزيد ، انما نيته كانت التوجه
الى الثغور ولكنه استدرج وقتل بمكيدة " فارسيه" ، هنا استذكر قبل سنوات عديدة عندما
كنت اشاهد مناظرة بين شيخ سني وآخر شيعي، كان السني يحاول جاهدا اثبات عدم مسؤولية
الجيش الاموي عن مقتل الحسين فيقول ان الجيش الذي قتله لم يكن فيه عربي واحد ، هنا
يحق لنا ان نتساءل عن قومية عبيد الله بن زياد الذي كان يدير العملية من مقر قيادته وعن
قومية عمر بن سعد بن ابي وقاص قائد الجيش في الميدان وايضا عن قومية الحر بن يزيد
الرياحي الذي لكز حصانه في آخر لحظه وخرج من صفوف جيش يزيد لينضم لصفوف
الحسين وانصاره .
يرى الدليمي ان الروايات لو صحت وكان الحسين قد خرج فعلا لقتال جيش يزيد خارجا عن
طاعته فهنا يجري عليه ما يجري على غيره من الذين يخرجون على الدولة بالسلاح ، ارجو
ان تنتبهوا يا ساده لهذه النقطه لاننا سنعود لها لاحقا .
الدليمي يسخر من الروايات التي تحكي وقائع تفصيلية لما حدث للحسين وانصاره في تلك
الموقعة مثل منعهم من الوصول الى الماء والطريقة التي حوصروا وقتلوا بها والكلام المؤثر
الذي نطق به الحسين قاصدا المعسكر المقابل، ويقول انه اسلوب لاستدرار تعاطف الناس
واستثارة مشاعرهم ، فيزيد بن معاويه لم يكن ظالما او مستبدا في هذه الحادثة .
طه الدليمي ذاته الذي ينتقد ذكر تفاصيل مؤلمة في مقتلة الحسين واهله لجلب التعاطف معه
يفعل ذات الشيء في مسألة قتل المختار الثقفي وزوجته من قبل مصعب بن الزبير نائب اخيه
الخليفة عبد الله بن الزبير على العراق ، فهنا يورد تفاصيل درامية عن تلك الواقعة للنيل من
سمعة الخليفة الذي حاول كسر احتكار البيت الاموي للخلافة . جاء في التاريخ انه بعد موت
يزيد وتنازل ابنه معاوية الشاب عن الخلافه ووفاته اصيب بنو امية بهزة مخافة ان يضيع
الملك منهم وتم ترشيح مروان بن الحكم من قبل رؤساء البيت الاموي ، في تلك الاثناء قام
عبد الله بن الزبير ( الذي لم يبايع يزيد بن معاوية اصلا) بطلب منصب الخلافة الذي اصبح
شاغرا واتته البيعة من كل الاقطار الاسلامية بينما امتنعت بعض الاجزاء من الشام ، وكانت
غلطة عبد الله بن الزبير الكبرى ( كما يقول البعض) انه اخرج مروان بن الحكم وابنه عبد
الملك من الحجاز مما مكنهما من التوجه الى الشام واستكمال خطة استعادة الخلافة لبني امية
بقي عبد الله ابن الزبير خليفة شرعيا مدة تسع سنين ، ولم يفلح عبد الملك بن مروان في
مواجهته عسكريا ، وخلال تلك المدة خرج المختار الثقفي على ابن الزبير في العراق مطالبا
بثأر الحسين والتف الناس من حوله ،وبقي عبد الملك بن مروان في دمشق يترقب افناء
عدويه بعضهما البعض، وكان والي عبد الله على العراق اخوه مصعب الذي نجح في قتل
المختار الثقفي وقطع كفه ودقها بمسمار على جدار قصر الكوفة ، ويقال ان مصعب احضر
زوجتي المختار وسألهما عن حقيقة المختار فأجابت الاولى انه كما قال مصعب فيه ، بينما
زوجته الاخرى دافعت عنه مادحة اياه نافية ان يكون قد ادعى النبوة فأمر مصعب بقتلها ،
وهنا يأتي دور الدليمي في سرد تلك التفاصيل المؤلمة لقتل زوجة المختار التي اخذت من قبل
العساكر في الليل الى منطقة خارج المدينة وقام العسكري بضربها بالسيف ضربات غير مميتة
وهي تصرخ وتتألم (وا أبتاه ) ثم تشحطت بدمائها وماتت ، ثم يسترسل الدليمي في قراءة
ابيات شعر تصف حال تلك المرأة البائسة المسكينة في محاولة لحمل المستمع والمتابع لبغض
عبد الله بن الزبير واخيه مصعب الذي ارتكب جرائم عديدة بعلم او بموافقة اخيه كل ذلك من
اجل دعم موقف عبد الملك بن مروان ( الاموي) الذي هو اصلا خارج عن طاعة ابن الزبير.
اذن حرام البكاء والوجد على الحسين واهل بيته حلال للمختار وزوجته ، ومن السخف ذكر
تفاصيل منع الماء عن الحسين واهله وتعطيشهم ، وجيد ذكر منع الماء عن المختار واعوانه
المحاصرين في قصر الكوفة لاظهار ظلم وتجاوز مصعب بن الزبير، مع العلم ان الدليمي تعمد
عدم ذكر سبب خروج المختار على طاعة ولي الامر ومطالبته بدم الحسين وقتله لمن شاركوا
في قتل الحسين وعلى رأسهم عمر بن سعد بن ابي وقاص وعبيد الله بن زياد ، فهو بذلك
سيضطر للاعتراف بأن قضية الحسين كانت حاضرة في وجدان المسلمين حتى بعد مرور
سنوات على استشهاده ، وأيضا بسبب رغبته في اخراج المختار الثقفي من حديث الرسول
صلى الله عليه وسلم الذي واجهت اسماء بنت ابي بكر به الحجاج بن يوسف بعد ان قتل
ابنها الخليفة عبد الله بن الزبير ، جاء في كتب السير ان الحجاج بعد هزيمته لابن الزبير قطع
رأسه وصلبه ثم دخل على امه اسماء وتحدث بكلام معناه ان ابنها قد نال جزاءه العادل فقالت
له : كذبت ، لقد اخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم انه سيخرج من ثقيف كذابان الآخر
منهما شر من الاول وهو مبير . هذا الحديث اخرجه مسلم في صحيحه ونصه ( ان رسول الله
صلى الله عليه وسلم حدثنا ان في ثقيف كذابا ومبيرا ، فأما الكذاب فرأيناه واما المبير فلا
أخالك الا اياه) . وعن الترمذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( في ثقيف كذاب ومبير)
وجاء في تفسير الكذاب انه هو المختار بن ابي عبيد الثقفي وكان يظهر موالاة اهل البيت
والانتصار لهم ، الدليمي يرد الحديث لان في سنده " موالي" اولا ، وثانيا لان النبي صلى الله
عليه وسلم لا يمكن ان يطعن في قبيلة ثقيف او أي من القبائل العربيه .
ان طلبه اعادة النظر فيما نسب الى المختار من ادعاء للنبوة انما هدفه في الواقع هدم الحديث
النبوي الآنف الذكر من اساسه ليس انقاذا للمختار فحسب وانما انقاذا لسمعة طاغيته المفضل
الحجاج بن يوسف الثقفي الذي قال فيه من المآثر والفضائل والفتوحات العظيمة ما لم تتسع
له اكثر من ستة عشر حلقة على قناته على اليويتيوب ، واجب طه الدليمي المقدس هو العمل
على براءة الحجاج من كل ما نسب اليه من مجازر قتل وسفك للدماء ، لأنه خادم الامويين
المطيع وسيفهم المسلط على اعدائه ، وفي سبيل تحقيق هذا الواجب يجب تقليم اظافر أي
نص تاريخي يدينه فعلى سبيل المثال كان الحجاج قد اعد جيشا ضخما لقتال رتبيل ملك
سجستان وجعل على رأس الجيش عبد الرحمن بن الاشعث الذي تذكر الروايات ان جفاءا
كبيرا كان بينه وبين الحجاج ، فكان الاشعث يفتخر بنسبه العائد الى ملوك كنده ويقال ان
الحجاج ارسله على رأس الحملة ليتخلص منه وكان ضمن صفوف الجيش التابعي سعيد بن
جبير ، الدليمي اخفى في سرده للقصة، الجهد الذي قام به الاشعث في هذه الحملة ورفضه
لعروض الملك رتبيل والحاقه الهزائم بجيشه وتوسعه في بلاده . تقول الروايات ان الاشعث
بعث برسالة الى الحجاج يستأذنه في ايقاف الحملة مؤقتا بسبب حلول الشتاء ولكي يتمكنوا
من ادارة المناطق التي فتحوها لكن الحجاج بعث له برسالة ردا على رسالته سبه فيها وشتمه
وهدده اذا لم يواصل مسيرة الجيش ،عندئذ جمع الاشعث قادة الجند وفيهم سعيد بن جبير
وعرض عليهم الامر وقرر عصيان اوامر الحجاج وأيدته اعداد كبيرة من الجند وبضمنهم
سعيد واعلن الاشعث نفسه خليفة ،ولكن الحجاج تمكن من قمع هذا التمرد وعقد اتفاقا مع
رتبيل الذي التجأ اليه الاشعث ، يقتضي بموجبه تسليم الاشعث للحجاج ، وقيل ان الاشعث
غافل الحرس والقى بنفسه من نافذة قصر رتبيل ، وبعد الهزيمة تفرق اتباع الاشعث فمنهم
من انتظم مجددا في جيش الفتوحات ومنهم من بقي مطاردا لسنوات مثل سعيد بن جبير الذي
كان آخر من قتله الحجاج في حياته ، طه الدليمي لا يورد كل هذه التفاصيل ويتهم الاشعث
بخيانة الدولة واتفاقه الفوري مع رتبيل على اسقاط خلافة عبد الملك وتشتيت هذا الجيش
الضخم وتعطيل الفتوحات ، وذلك منعا لتحميل الحجاج اية مسؤولية عن تغير مسار الاشعث
في تلك الحملة وصولا الى تجريم سعيد بن جبير على ما قام به في ذلك التمرد تمهيدا لخلق
شعور لدى المتابع بأن سعيد خائن ونال جزاء خيانته بالقتل بينما الحجاج اظهر له ولغيره
من الرحمة والرفق الشيء الكثير ، لا يريد الدليمي ان يدع مجالا للمتابع للتفكيرفي ان سعيد
كان تابعيا مؤمنا معصوم الدماء ، فيلجأ الى اسلوب قتل الشخصية كما فعل مع الامام علي
ويورد قصصا تقول ان سعيد كان به شيء من التشيع ، وايضا كان يتردد على منزل امرأة
حسناء في العراق وعندما سئل عن صلته بها اجاب انه تزوجها زواج متعه ، ويختم حديثه
بالطبع بالترضي على سعيد والاستغفار لاخطائه كما يفعل مع الامام علي . بالمختصر الدليمي
يقول حرفيا لقبيلة ثقيف الحاليه هنيئا لكم يا ثقيف واطمأنوا فان حجاجكم من اولياء الله
الصالحين ويدعو القبيلة لاقامة المهرجانات وكتابة المسرحيات للتعريف بانجازات الحجاج
والتذكير بفضله.
... يتبع

نيسان ـ نشر في 2022-09-21 الساعة 16:08


رأي: عالية الشيشاني كاتبة أردنية

الكلمات الأكثر بحثاً