اتصل بنا
 

ردا على مقالة الدرعاوي بعنوان ' ربيع عمالي في الشركات '

نيسان ـ نشر في 2022-09-30 الساعة 13:36

نيسان ـ سأتناول بالرد هنا على ما أتى عليه الكاتب سلامة الدرعاوي من حالة تنمر واستقواء ، قام بها عمال عدة شركات تمت خصخصتها ، وسأركز فقط على ما ورد بخصوص عمال شركة مناجم الفوسفات .
فعندما يعمم الكاتب ويقول " الملاحظ في المطالبات العمالية في الشركات وتحديداً الكبرى منها مثل الفوسفات والبوتاس والإسمنت وقبلها المصفاة والكهرباء وغيرها من الشركات التي اجتاحتها احتجاجات عمالية كبيرة خلال السنوات الماضية كانت كلها تتم خارج إطار القانون والقضاء، فجميعها بلا استثناء كانت تتم التسويات في إطار ضغوطات الشارع وتنامي الاعتصامات والاحتجاجات أمام مقار هذه الشركات" .
نقول للكاتب هنا ، إن ما يقوم به العمال من اعتصامات واحتجاجات، لم تكن أبداً خارج إطار القانون والقضاء ، فالاحتجاج والتظاهر حق كفله الدستور والقانون ، أما بخصوص عدم توجههم للقضاء ، فلقد قمت برد سابق على الكاتب بتوضيح الأسباب ، فالتوجه للقضاء مكلف مادياً ويحتاج لفترات طويلة كي تصدر عنه أحكام قاطعة ، كما أن الشركات الكبرى تستطيع تجنيد جيش من المحامين للترافع عنها أمام المحاكم ، أما العمال فليس لديهم الملاءة المالية لتغطية أتعاب محام واحد ، ولن يستطيع هذا المحامي بمفرده أن يقف بوجه مكاتب محاماة متخصصة ولها القدرة على المناورة لسنوات وسنوات ، وهذا ما سوف يعقد الوضع كثيراً على العمال ، وبالغالب سيخسرون قضيتهم . ولهذا نجد الشركات الكبرى وخاصة الفوسفات تحاول جرّ المحتجين لساحات القضاء ليضمنوا شراء الوقت وتبريد عزيمتهم .
وكلنا يعلم أنه في حال تم تحويل أي قضية للقضاء ، فأنه يمنع الحديث عنها لحين صدور قرارات قاطعة من المحاكم . وقضية متعلقة بصحة وحياة الناس لا تحتمل على الأطلاق أي تأخير لحسمها .
تم يعود الكاتب ويعمم " فمعظم المطالبات العمالية في الشركات الكبرى تستند في شعاراتها أو مضمونها إلى أن هذه الشركات تحقق أرباحاً عالية تذهب إلى أجانب ونحن أولى بهذه الأموال "
وهنا نقول بأن هذا الكلام صدر عن بعض العمال بعد أن لاحظوا ولمسوا على ارض الواقع ،الانسحاب الممنهج الذي تقوم به إدارة الشركة من كثير من الالتزامات والحقوق المكتسبة والتي كانت موجودة ومعمول بها قبل دخول المستثمر الهندي كشريك بالفوسفات ، فلسان حال العمال يقول أنه، عندما كانت الشركة تحقق خسائر في بعض السنوات، لم تحاول الاقتراب أو تخفيض نفقات العلاج ، فكيف تقوم الآن بهذا الفعل وهي تحقق مرابح طائلة ، فنحن كعمال أولى بالأموال التي ستوفرها الشركة على حساب صندوق التأمين الصحي ،لتذهب بالنهاية إلى المستثمر الأجنبي ، وهذا الكلام لا يمكن تفسيره كحسد أو كراهية أو طمع من طرف العمال تجاه المستثمر الأجنبي كما أشار لذلك الكاتب سلامة الدرعاوي ، وإنما فقط لحفظ حقهم باستمرار برنامج التأمين الصحي دون تقتير أو تنغيص ، وبعدها فليهنأ المستثمر الأجنبي بملايين لا بل بمليارات الدولارات من المرابح .
ثم يقول الكاتب " من يصدق أن شركات مثل الفوسفات والبوتاس دفعوا مئات الملايين من الدولارات كتعويضات سخية لعامليها الذين ما يزال بعضهم ينقم على هذه الشركات بأنها لم تعطهم حقهم،"
وهنا نقول بأن التعويضات ، والأصح أن نقول الحوافز السخية ، لم تكن مطلبا عماليا ، وإنما هذه كانت خطة الشركة للتخلص من أكبر عدد ممكن من الموظفين كشرط أساس لأتمام عملية الخصخصة أو دخول أي شريك أجنبي للشركة ، فالشركة دفعت هذه الحوافز عن دراية وطيب خاطر ، وإمعانا من الشركة على زيادة تحفيز الموظفين للتقاعد ، قامت باستحداث برنامج تأمين صحي لما بعد التقاعد ، وبالمناسبة ،ما زالت شركة الفوسفات لليوم تقدم الحوافز للتخلص من المزيد من عمالها .
وهنا لا بد من التنويه بأن عملية التخلص من الموظفين جاءت على حساب مؤسسة الضمان الاجتماعي ، حيث تلقت المؤسسة دفعات كبيرة من العمال والموظفين الذين تم تحفيزهم للخروج على نظام التقاعد المبكر ، حتى أنه في برنامج التحفيز الأول الذي طبقته شركة الفوسات في عام 2000 ، كانت هناك مخالفة قانونية لقانون التقاعد المبكر ، فالقانون في حينه لم يكن يسمح للمتقاعد مبكراً أن يتلقى أجرا من أي شركة أو مؤسسة أو حتى من العمل بالقطاع الخاص ، والمخالفة تجسدت عندما قامت إدارة الفوسفات بالطلب من كل موظف أكمل شروط التقاعد المبكر ، أن يذهب ويحصل على راتب تقاعدي من الضمان ، على أن تقوم الشركة بدفع الفرق ما بين قيمة الراتب التقاعدي والراتب الذي كان يتقاضاه الموظف أثناء عمله بالشركة إلى حين بلوغ المتقاعد سن الستين من عمره ، وهذ أجراء مخالف للقانون كما اسلفنا ، ولكن مؤسسة الضمان والحكومة في حينه سكتوا عن هذه المخالفة بغرض تمرير برنامج الخصصة ، وكنتيجة لبرنامج التحفيز هذا ، وفرت الشركة على نفسها ما يقارب الستين مليون دينار كانت ستدفعها كرواتب في حال بقي الموظفون على رأس عملهم لغاية بلوغهم سن الستين عاماً ، وهذا الوفر تكبدته مؤسسة الضمان الاجتماعي التي تلقفت المتقاعدين وأخذت تدفع لهم رواتب على نظام التقاعد المبكر .
ولنا أن نلاحظ ما تسببت به هذه الإحالات للتقاعد المبكر من ارباك لمؤسسة الضمان ، بحيث تمّ للآن تعديل قانون الضمان أربع مرات ، والتعديل الخامس على الطريق بغرض رتق ما تسببت به الإحالات الجماعية على التقاعد المبكر .
ثم يقول الكاتب " الشركات الكبرى لها مالكون ومساهمون دفعوا أموالهم ومدخراتهم في هذه الشركات، ولا يجوز للعاملين العبث بأمن ونشاط هذه الشركات لأنه ستؤثر سلباً على ملكياتهم وقيمة أسهمهم واستثماراتهم،"
ونحن نقول هنا ، بأن المتقاعدون لهم حقوق مثبتة قبل دخول المالكون والمساهمون الجدد ، ولا يجوز تحت أي ذريعة للمستثمر أو من يتبنون الدفاع عنه ، أن يتغولوا على حقوق العمال الثابتة . وما كلام الدرعاوي هنا سوى فزاعة رفعها بوجه الحكومات للنيل من المعتصمين ، مستثمراً بذلك سعي هذه الحكومة وحكومات سابقة لجلب استثمارات جديدة للبلد ، وإن ما يقوم به العمال من اعتصامات للمطالبة بحقوقهم ، سوف يشوه سمعة الاستثمار في الأردن ويمنع المستثمرين من القدوم للأردن ، وما هذه الحجة سوى شماعة جاءت بمقالة الدرعاوي لتأليب كبار مسؤولي الدولة على معتصمي الفوسفات وتحميلهم مسؤولية تنفير المستثمرين من القدوم للأردن .
وأخير ، نضم صوتنا لصوت الكاتب سلامة الدرعاوي ونقول ، أين الحكومة من كل ما يجري ، فهل يعقل أن تبقى الحكومة صامتة على اعتصام جاوز العشرة أشهر دون تدخل منها ، وهل يعقل أن يبقى موقف رئيس مجلس إدارة الفوسفات رفض التفاوض مع المتقاعدين بحجة عدم إعطاء شرعية لاعتصامهم ، وهل يعقل أن تبقى كتيبة من قوات الأمن العام والدرك مشغولة بتنظيم أعتصام الفوسفات دون أن يرف جفن لرئيس مجلس إدارة الفوسفات وهو يمنع أي مسؤول من الشركة من التفاوض مع المعتصمين بغرض السعي لإنهاء هذا الاعتصام الذي أتعب الجميع .

نيسان ـ نشر في 2022-09-30 الساعة 13:36


رأي: م. سميح جبرين

الكلمات الأكثر بحثاً