اتصل بنا
 

عقدة الولاء وإفلاس النخب السياسية

نيسان ـ نشر في 2022-10-01 الساعة 11:24

x
نيسان ـ محمد قبيلات
لا مجال للشك بأن أكثر مَن يتحسس عمق هذه الأزمة، التي تعيشها الإدارة السياسية اليوم، هي مراكز ومطابخ صناعة القرار، إذ أنها تقف عاجزة أمام مسألة شح الخيارات والبدائل المناسبة لإنجاز عملية التغيير، وتعزّي هذه المراكز النفس بالعبارة الاستنتاجية الأثيرة؛ لا توجد كفاءات سياسية في البلد، وما هذا إلّا التعبير الصريح عن إفلاس الطبقة السياسة، والتعبير عن عمق أزمتها، وانتهاء فترة صلاحية آلياتها في التغيير.
لكن؛ بموضوعية كاملة، لو أعدنا السؤال نفسه على أنفسنا، نحن معسكر القراءة النقدية للمشهد، هل فعلا نضبت الكفاءات السياسية من طول البلاد وعرضها؟، لوجدنا أننا مضطرون للإجابة بنعم، لكن؛ كيف ولِمَ!؟
لا بد، بداية، من الاعتراف بأن جائحة القضاء على الصف الثاني في الإدارة قد سيطرت على مختلف الإدارات في مختلف المؤسسات، فدائما ما كان هَمُّ الرجل الأول في المؤسسة، فور جلوسه على مقعد القيادة، أن يطيح ملاكات المؤسسة وكوادرها من الصف الثاني والثالث، بدل أن يعمل على تأهيلهم للموقع الإداري الأول، خوفا من أن يكون بدائله جاهزين، فيُستغنى عنه عند أول مطب.
إلى ذلك يمكن القول أيضا، أن صفوف البيرُقراط كانت تزخر بالكفاءات في العقود السابقة، كون الخبرات المطلوبة للإدارة أقل تعقيداً من تلك المطلوبة الآن، حيث كان التعليم ثابتا، على سبيل المثال، منهاج الرياضيات القديم بمباحثه الثلاثة، الجبر الهندسة والحساب، ظل هو هو لعشرات السنين، بمعنى أن الخبرات المطلوبة ثابتة نسبيا، ولا تتغير المعلومات والخبرات المطلوبة بالسرعة التي نشهدها اليوم، وعلى سبيل المثال، كان تعريف الأمّيِّ بأنه الشخص الذي لا يجيد الكتابة والقراءة، وقبل عقدين طرح بعض المختصين تعريفاً جديداً فحواه أن الأمّيّ هو الذي لا يجيد العمل على الكومبيوتر، فمن الأمّيُّ اليوم!؟
أما العقبة الكأداء الراهنة، أمام صناع القرار، فهي عقدة الولاء، إذ أن الإدارة الأردنية الحديثة لم تجرِّب، إلّا ما ندر، تسليم زمام الأمور إلى تيارات معارضة، وتمّ احتكار خيارات التغيير ضمن مروحة صفوف الموالاة، التي بدأت تضيق وتشح منذ فترة طويلة، وذلك مع تراجع القدرات الموضوعية للإدارة بنمط الدولة الريعية، حيث أن هذه المراكز أجهضت فكرة تداول المناصب منذ فترة طويلة، وأخضعتها لفكرة الريعية، بمعنى توزيعها تنفيعات ومحاصصات للتقسيمات الاجتماعية، بحيث تضمن عوامل الاستقرار، بالتقاسم الغنائمي للسلطة.
أما التعبير الأعمق عن الأزمة، فيتمثل اليوم جليًا واضحًا؛ بانتهاء صلاحية البنى الإدارية القديمة بالاهتراء، في الوقت الذي لم تتجهز البدائل الموضوعية لتحل محلها، وهنا يطول الشرح ويصعب، إذ أن الأزمة أعقد وأعمق من أن يقرأها الفكر السياسي الكسيح لجيل الساسة الحديث؛ في المعارضة والموالاة على حد سواء.

نيسان ـ نشر في 2022-10-01 الساعة 11:24

الكلمات الأكثر بحثاً