اتصل بنا
 

النواصب قادمون

كاتبة أردنية

نيسان ـ نشر في 2022-10-02 الساعة 11:40

نيسان ـ الجزء الثاني

رأينا في الجزء الاول من المقال كيف ان طه الدليمي يحاول جاهدا تبييض صفحة الحجاج بن يوسف الثقفي متجاهلا آراء السابقين واللاحقين من العلماء والمؤرخين فيه والسبب كما ذكرنا ان الحجاج كان سيف الامويين المسلط على خصومهم فإدانته تعني إدانة من كانوا يستعملونه ، ولو نظرنا الى آرائه بشأن الخلافة لوجدنا انه لا يفرق بين الخلافة والملك ويعتبرهما شيئا واحدا فالخليفه او الحاكم يجب ان يعين من يخلفه حتى تنتقل السلطة من الحاكم السابق الى اللاحق بسلاسة ، او ( وركزوا على هذه) هناك خلافة الحاكم المتغلب . على أساس هذه النظرية تكون العبرة بالنتائج ، فالحسين بن علي قتل لانه خرج على طاعة الامام الحاكم ولو قدر لحركته ان تنجح وهزم يزيد لأصبح هو نفسه حاكما متغلبا موفور الشرعية تجب طاعته ، وقس على ذلك ، فبنو العباس الذين حاكوا المؤامرات في الخفاء لإسقاط دولة بني امية لو لم يكتب لمشروعهم النجاح لكان واجبا قتلهم واعتبارهم خارجين عن طاعة ولي الامر ، اما وقد نجحوا في حركتهم فهم بذلك حكام متغلبون ، ومن هذا المنطلق لا يذكر الدليمي الخليفة العباسي هارون الرشيد الا ويقول رضي الله عنه والسبب معروف .
ايها السادة ، نحن بصدد محاولات جادة لخلق عائلة مقدسة اموية مقابل عائلة مقدسة علوية ، والمراقب تصيبه الحيرة وهو يتتبع كل هذا الجهد والانفاس المبذولة من متشددين من كلا الطرفين (شيعة وسنة) لتلميع صورة هذا وطمس سيرة ذاك ، وبيان مثالب هذا واخفاء حسنات ذاك ، امر وقع فيه مؤرخون قدامى لاغراض متباينه ، وتحضرني هنا كلمات للكاتب عباس العقاد في كتابه معاوية بن ابي سفيان في الميزان حيث يقول " وبعض المؤرخين بعد العصر الاموي الى زماننا هذا يفعلون ذلك حين ينظرون الى هذه الفترة فلا تخطئهم من اسلوبهم ولا من حرصهم على مطاوعة اهوائهم ، كانهم صنائع الدولة في ابان سلطانها وبين عطاياها المغدقة ونكاياتها المرهوبة ورجالها الذين تنعقد بينهم وبين معاصريهم اواصر المودة والنسب واواصر المشايعة في المطالب والمعاذير "
سأتناول مثالا آخر ليس من باب تصنيفه كناصبي ( فهو لم ينتقص ابدا من علي او اهله) وانما كجزء من تيار يحاول خلق رمز اموي مقدس ، واقصد هنا الكاتب الفلسطيني جهاد الترباني ، الذي الف كتابا اسماه مائة من عظماء الاسلام ، خص فيه العائلة الاموية بكل انواع التبجيل ويقول ان ما من عائلة لها الفضل على البشرية مثل العائلة الاموية ، الترباني وضع يزيد بن معاوية ضمن قائمة عظماء الاسلام المئة ، نكاية بالشيعة فهو بذلك يحاول التكفير عن ذنبه لانه كان سابقا اميل الى التشيع منه الى التسنن ( كما ذكر في مقدمة كتابه) ، الترباني وضع حوارا متخيلا يلقي فيه يوم القيامة حجته امام الله في حب يزيد ، مقدما الاسباب التي دعته الى حب يزيد فيقول : يا رب الم يقل نبيك الكريم أن اول جيش يغزو مدينة قيصر مغفور له ، وقد غزا يزيد بجيشه القسطنطينية . ويستطرد الترباني بان دفاعه عن يزيد ليس بدافع شخصي وانما هو بذلك يدافع عن الاسلام ، وذات المنطق يستخدمه الدليمي عندما يقول ان معاوية هو الباب الذي اذا فتح تم النيل من باقي الصحابة ، وهذه العبارة طالما سمعناها من المشايخ في محاولة للوقوف على الحياد فيما شجر بين الصحابه ، لكن الدليمي يرى انه لا باب من دون مفتاح ، فيقول معاوية الباب ويزيد هو المفتاح أي ان انتقاد يزيد والطعن فيه هو انتقاد وطعن في معاويه نفسه كيف لا وقد اختاره على علم ليكون خليفته وهكذا فمعاوية منزه عن النقد فهو معصوم من جهة ابيه الصحابي ابي سفيان كما يقول صابر مشهور ومعصوم من جهة ابنه يزيد الخليفة التقي العادل فاتح جبال الهملايا وتخوم المحيط الاطلسي كما يقول طه الدليمي ، هذا في الوقت الذي يعلن فيه الدليمي ان من الواجب الحديث عن سبب الخلاف بين علي والصحابه ، واتساءل كيف يكون واجبا الحديث عن سبب الخلاف بين علي وبقية الصحابة وكيف سيتم النقاش بينما احد اطراف الخلاف معصوم من الخطأ محمي من جهة ابيه وابنه .
سئل الامام احمد بن حنبل من قبل ابنه عبد الله : ايؤخذ الحديث عن يزيد ؟ فقال لا ،ولا كرامة وقيل له ان اقواما يقولون : اننا نحب يزيد ، فقال : وهل يحب يزيد من يؤمن بالله واليوم الاخر . وكان الامام يذكر مقتلة يزيد لاهل المدينة في وقعة الحره ، هنا الدليمي يقول بكل ثقة ان على الامام احمد ان يأتي بالدليل على صحة ادعائه بحق يزيد .
* من انجازات يزيد ، وقعة الحره .
وتعالوا لنرى كيف سينقذ الدليمي سمعة يزيد مما فعله من مقتلة باهل المدينة في وقعة الحرة ولكن قبل ذلك اسمحوا لي ان اسرد لقطة قد تعتبر دخيلة على الموضوع ولكنها نموذج لأسلوب تفكير الدليمي وامثاله واستهانتهم بوعي الجماهير ، فلعل العديد منكم شاهد المسرحية الكوميدية ضيعة تشرين التي تتحدث عن هزائم العرب امام اسرائيل باسلوب رمزي ، الحاكم الذي يرمز له بمختار الضيعة يدافع عن هزيمة حزيران امام الجماهير الثائرة فيقول ( هاي مو هزيمه وله ،هاي نكسة ،فكشة هيك شي ) . بهذه البساطة يتحدث الدليمي بأسلوب مشابه عن مقتلة اهل المدينة في وقعة الحره حيث ارسل يزيد جيشه لقتال من خلعوا بيعته ، يقول الدليمي بالحرف ( موقعة الحره الحديث عنها في التاريخ شيء تافه، موقعة حصلت مدة ساعتين من الزمن في المدينة المنورة ) . هكذا تختصر هذه المخازي في تاريخ الاسلام وقتل حفظة القران والتابعين ونهب المدينة لمدة ثلاثة ايام من قبل جيش يزيد بكلمات بسيطة، ولا ينسى الدليمي ايضا التشكيك في رواة تلك الاخبار بوصفهم بالكذابين والشيعة الغلاة .
هو يعيب على المؤرخين السابقين عرضهم لأكثر من رواية عن حادثة واحدة ، هو يكره هذه الحيادية من قبل رواة التاريخ، ولا يستوعب عقله كيف ان من جمعوا الاحاديث والسير والاخبار لا مشكلة لديهم في يرووا فضائل علي وآل البيت، وكأنه يعتقد بان عليا وآل البيت هم ملك خالص للطرف الآخر .
المقصود من هذا المقال ليس انتقاد الدليمي او صابر مشهور او نواصب اخرين مرشحين للظهورالى العلن قريبا ، لكن المقصود نقد انماط التفكير التي تقلب الحقائق وتؤطر المفاهيم بشكل لا يلقي بالا لقواعد البحث العلمي وتسير خلف عواطفها ، لتحدث المزيد من الانقسامات والاصطفافات المذهبية والفكرية ، خاصة في هذا الزمان الذي تزايدت فيه الهجمة على اصول الاسلام ومصادر التشريع المعتمدة والتشكيك في امانة علماء الحديث ،وهنا يأتي دور العامة لإثبات مدى وعيهم وقدرتهم على تمحيص الامور ، ولهؤلاء النواصب او أي فرقة ثانية تتبع نفس المنهج اقول لتعلم انك في عصر ثورة المعلومات فلا يجدي نفعا ان تستشهد بحديث او رواية تعزز موقفك ورأيك بعد ان تخفي اجزاء منه وتظهر اجزاءا اخرى، فالكتب والانترنت مثلما هي بين يديك هي ايضا بين يدي العامة والدارسين والمثقفين فكفى استخفافا بنا .
ان محاولات تقديس العائلة الاموية والحط من مكانة العائلة العلوية ادى بصابر مشهور وامثاله الى الطعن في صحيح البخاري ومسلم وتشجيع آخرين على التطاول على مكانة علماء الحديث .
نحن المسلمين لسنا بحاجة الى عائلة مقدسة لنعبدها كما كان يفعل المجوس واصحاب الديانات السابقة ، لا علوية ولا اموية ، ولا كهنوت في ديننا ، ولن ينفعنا التحجر والجمود في ذات النقطة قرنا بعد قرن ، لا احد ينكر ان من الامويين رجالا عظاما فتحوا البلدان واسسوا النظم الادارية والعسكرية وقد اخطأوا واصابوا مثلما اخطأ واصاب الآخرون فلا احد معصوم ونحن ليست لدينا مشكلة مع الامويين ولا مع غيرهم ، في المقابل نرفض الانتقاص من علي وفاطمه والحسن والحسين رضوان الله عليهم وانكار الاحاديث الصحيحة الواردة في فضلهم.
ان الطريق لمقاومة ايران واذرعها المخربة لبلداننا ليس بالضرورة ان يتم من خلال التجاوز في حق الامام علي واهل بيته . مضى من عمر رسالة الاسلام اكثر من 1400 عام والبعض لا زال ينبش التاريخ ويخترع الاكاذيب بين شيعي يفتري على عمر بن الخطاب ويتهمه بكسر ضلع فاطمة الزهراء وبين سني يترضى على يزيد بن معاوية الذي حفلت فترة حكمه القصيرة بالعديد من الكوارث والمخازي . فمتى سنلتفت الى اصلاح حاضرنا والنهوض باوطاننا الاسلامية وندع الخلق للخالق .

نيسان ـ نشر في 2022-10-02 الساعة 11:40


رأي: عالية الشيشاني كاتبة أردنية

الكلمات الأكثر بحثاً