اتصل بنا
 

الحكومة وإنكار الواقع

كاتب أردني وخبير مياه

نيسان ـ نشر في 2015-10-15 الساعة 16:08

نيسان ـ

التحذيرات التي تكتب ليل نهار عن خطورة الواقع الاجتماعي والوضع الاقتصادي وأرقام البطالة في الأردن لا تجد أبدا آذانا صاغية من الحكومة والمسؤولين مع أن الكثير منها يأتي من أصدقاء ومحبين لهذا البلد.
لا يدري أحد على ماذا تراهن الحكومة ولا سيما أن كثيرا مما يكتب, صاغه خبراء متخصصون أو ساسة محنكون ولعل آخر ما نشر عن مدير مؤسسة فريدريش نويمان الألمانية في عماناولريش فاكر Ulrich Wackerيثير حفيظة كل حريص على مصالح الأردن والأردنيين. يقول الرجل في هذا السياق وهنا أقتبس (القطاع الحكومي في الأردن يعاني التضخم في حجمه، ويعيش من الضرائب العالية التي تضر بالشركات ويتنافس مع القطاع الخاص بشكل يعرقل تطوّره”. ومن تبعات ذلك توجه الاستثمارات الخاصة المحلية والأجنبية إلى بلدان أخرى كمصر ودول الخليج حيث الإعفاءات الضريبية أو الضرائب المنخفضة والإجراءات البيروقراطية المبسطة. ويزيد من صعوبة الوضع، بحسب فاكر، “ضعف قدرة الشركات الأردنية الصغيرة والمتوسطة الحجم في غالبيتها على التصدير بسبب ضعف جودة منتجاتها وقلة خبرتها في التواصل اللغوي والترويجي مع الأسواق الخارجية).
ليس كل ما قاله الرجل صحيحا وخصوصا فيما يتعلق بقلة الخبرة في التواصل اللغوي والترويجي مع الأسواق الخارجية ولكن ذلك لا يقلل من أهمية كل كلمة قالها.
فاكر قال بلغة دبلوماسية أن الحكومة تشن حربا اقتصادية على مواطنيها وخاصة المستثمرين منهم ولا تشكل أبدا بيئة جاذبة للاستثمار كما أن ضخامة الجهاز الحكومي وترهله يعيق الحركة والإنتاج وليست هتاك معايير أداء ولا محاسبة للكسالى وغير المنتجين.
أما أخطر ما باح به الرجل فهو تنافس الحكومة مع القطاع الخاص بلغة أخرى الحكومة تحتكر بعض القطاعات الاقتصادية وتحظر على القطاع الخاص الاستثمار فيها.
الحكومة تحتكر قطاعات اقتصادية وتجعلها متخلفة عن ركب التقدم العالمي وتحرم الأردنيين من مئات آلاف فرص العمل وذلك لمصلحة فئة منتفعة من تخلف هذه القطاعات وأكبر مثال على ذلك احتكار قطاع الطاقة وكل الوعود بإطلاق يد المستثمرين في هذا القطاع لم تنفذ لغاية الآن وتضع الحكومة في وجه الراغبين في الاستثمار في هذا القطاع كل العقد ولديها كل إمكانيات التسويف والتأجيل ولألف سبب وسبب وهذا فقط مثال من أمثلة عديدة في مختلف القطاعات الحيوية التي لو أطلقت يد الأردنيين فيها لما كان هناك عاطل واحد عن العمل في الأردن.
إن السياسة التي يبدو أن كل الحكومات الأردنية المتعاقبة لا تريد ولا تستطيع أن تحيد عنها هي عدم المساس بمصالح قدامى المنتفعين سياسيا واقتصاديا فالسياسي ابنه سياسي وكذلك حفيده وأصحاب المزايا والاحتكارات الاقتصدية كذلك ولسنا هنا بحاجة لأدلة فكل الأردنيين شهود.
لماذا يحصل ذلك يلخصه السياسي المحنك طاهر المصري, يقول الرجل وهنا أقتبس: (الوضع الداخلي في الاردن يتدهور وبشكل كبير وسط حالة انكار يعيشها المسوؤلون وشيوع تحالفات بين السلطة والمال مما ادى لتغييرات خطيرة في بنية المجتمع والدولة معا).
أما ما يقصده طاهر المصري بحالة إنكار يعيشها المسؤولون فليس أدل على حالة الإنكار هذه من ما قاله دولة رئيس الوزراء في مقابلته مع جريدة الحياة اللندنية وهنا أقتبس: (الحكومة عملت منذ كلّفها جلالة الملك عبدالله الثاني، على إنجاز إصلاحات سياسية واقتصادية حقيقية على رغم الظروف الإقليمية المحيطة. وقد جهدت بكل نزاهة وإخلاص لترسيخ نهج الإصلاح السياسي ضمن ثوابت العمل الحكومي، لتحقيق مزيد من المكتسبات والإنجازات المعزّزة للنهج الديموقراطي في الأردن، والمستجيبة لطموحات الشعب الأردني وتعظيم المشاركة الشعبية في عملية صنع القرار، وصون الجبهة الداخلية، وتحقيق المصلحة العامة).
لا نقول هنا أن رئيس الوزراء لم يحاول أن يفعل ما قاله ولكنه كان عليه أن يعترف أن التغيير وتحقيق الإصلاحات السياسية والاقتصادية يحتاج الى أدوات جديدة وبرامج مختلفة والتخلي عن ورثة المناصب والمصالح ومسؤولون آخرونغير الجاثمين على صدورنا منذ عقود من الزمان يتوارثون المناصب من الأب الى الإبن الى الحفيد.
إن الإصلاحات السياسية والاقتصادية الحقيقية هي ما يلمسه الناس واقعا في حياتهم وليست أمنيات يتحدث عنها دولة رئيس الوزراء ويقرؤها الناس على صفحات الجرائد ثم يهزون رؤوسهم ويتنهدون حسرة وألما.
وأخيرا نقول أننا الآن وبسبب كل ما سبق من تراكم الفشل وإعاقة التغيير أمام غول البطالة الذي يهدد بنية المجتمع الأردني اقتصاديا واجتماعيا ولكن لحسن الحظ فلا يزال رب العالمين يعطينا المزيد من الوقت لتدارك ما فات ولكن ذلك يجب أبدا أن لا يغري صاحب القرار بمزيد من الانتظار.

نيسان ـ نشر في 2015-10-15 الساعة 16:08

الكلمات الأكثر بحثاً