اتصل بنا
 

السخرية في مواجهة الخيبات

نيسان ـ نشر في 2022-10-03 الساعة 07:10

نيسان ـ ينطوي أسلوب السخرية في الكتابة، وفي الفن عموما، على تحدّيات كبيرة، لعل من أهمها سهولة الانزلاق إلى فخ التهريج والتظارف والتسطيح والتذاكي، ما يقلّل ويسفّه، بالضرورة، من أهمية الأفكار والرسائل المحمولة في المحتوى الساخر، سيما إذا تضمن النص مفرداتٍ فجّة نابية وشخصنة وافتراءات واتهامات وشتائم بحق أفرادٍ في موقع السلطة أو شخصيات عامة لها حضورها في الحياة من فنانين وسياسيين وكتّاب ورياضيين تجعلهم طبيعة اختصاصهم تحت الأضواء بصورة دائمة، وتضعهم بسهولة في مرمى السخرية اللاذع عند أي هفوةٍ قد لا تتجاوز تلعثما لفظيا يقع فيه أيٌّ منا، أو الالتباس في قول معلومة، أو تعثّر في المشي قد يتسبّب في سقوطهم على الأرض أمام الكاميرات، فيتحوّلون إلى مادّة دسمةٍ للتندّر في مختلف وسائل الإعلام، كما جرى مع الممثلة الأميركية جنيفر لورانس التي سقطت على الأرض، متعثرة بثوبها أمام كاميرات العالم، وهي تتقدّم نحو المنصّة لتسلّم جائزة أوسكار التي حصلت عليها عن دورها في فيلم "المعالجة بالسعادة"، فنسي الجميع أمر الجائزة، وظلت الكاميرات تكرّر لقطة سقوطها المدوية، حتى أن الجمهور لم يعد يتذكّر اسمها، بل يشير إليها بالممثلة الشابّة التي سقطت أرضا في حفل الأوسكار.
تختلف في العادة ردود أفعال الأفراد المتعرّضين للسخرية، بحسب بيئتهم ومدى قوة شخصيتهم وسرعة بديهتهم. في الغرب مثلا، يتصرّف الواحد في معظم الحالات بذكاء وعفوية، فيسيطر على الموقف، ويواجه الكاميرات ضاحكا، بل ويشارك الجمهور السخرية، وهكذا يتخلّص، ببراعة، من مشاعر الحرج.
الوضع في عالمنا العربي مختلف جدا، إذ تنقصنا، على الأغلب، روح الدعابة والقدرة على تدارك المواقف المحرجة، ما يزيد الطين بلة، فتتضخم اللقطة المحرجة مهما كانت بسيطة وعابرة. وتعتبر مواقع التواصل الاجتماعي فضاء مفتوحا على السخرية بدون ضوابط. يتجلى ذلك في سياق نقد الواقع السياسي والظواهر الاجتماعية السلبية والشخصيات العامة، ويصل الأمر إلى التشهير والإهانة والتجريح والتشفّي. ينعكس ذلك بطابع العدائية والكراهية والتربّص والتجنّي الذي بات يميز مختلف مواقع التواصل الاجتماعي من دون تدقيق أو تدبّر أو تمهل قبل إطلاق الأحكام القاسية جزافا. ورغم كل ما سلف، يظل أسلوب السخرية الأقرب إلى قلب المتلقي، والأكثر سرعة في إحداث التأثير المطلوب، خصوصا فيما يتعلق بالشأن السياسي، كما يتّضح في برامج كوميدية سياسية تلاقي إقبالا كبيرا بين صفوف الجماهير المتعطّشة لمن يعبّر عن مواقفها ومخاوفها وأحزانها، وهو يضحكها في الوقت نفسه.
ويجد الكاتب المتمكّن من أدواته نفسه أكثر قدرة على التعبير عن أفكاره إذا انتهج أسلوب السخرية الذي يتيح له المراوغة والمناورة والتحايل على الألفاظ بأسلوب خفيف الظل، لا يخلو من مكر لإحداث اللحظة المضحكة من دون افتعال. ويعتبر أسلوب السخرية فن السهل الممتنع القائم على المفارقة في الدرجة الأولى، يتطلّب من الكاتب اطلاعا عميقا وواسعا على قضايا الساعة، واقترابا من نبض الشارع ووجدان المواطن، إضافة إلى خفة الظل ورشاقة التعبير والكاريزما والحضور العفوي غير المفتعل والقبول من المجموع. والحقّ أن هذه المواصفات قلما تتوفر في كثيرين من كتّاب السخرية لوقوع معظمهم في النمط ذاته، وانفراط عقد الدهشة الذي رافق بداياتهم من بين أيديهم، وأحيانا تضخم ذواتهم وركونهم واطمئنانهم إلى منجزهم السابق، وعدم قدرتهم على التجديد وتفادي الرتابة والتكرار. وهنا بالضبط مقتل أي إبداع. لذلك، على عاتق الكاتب الساخر مهمة الإبقاء على جذوة الألق مشتعلة في روحه. وهذه ليست مهمة يسيرة على أية حال، لكنها المهمة الأكثر نبلا، فالتداوي بالضحك والتعالي على الأحزان بالسخرية منها باتا سلاحنا الوحيد الذي نُشهره في وجه الخيبات المتتالية.العربي الجديد

نيسان ـ نشر في 2022-10-03 الساعة 07:10


رأي: بسمة النسور

الكلمات الأكثر بحثاً