الغضب غير الساطع
نيسان ـ نشر في 2022-10-09 الساعة 05:36
نيسان ـ أفترض دائمًا وجود تباين شاسع بين وزيري الخارجية والداخلية، في الدول العربية، فالأول أنيق، أملس البشرة، وشعرُه مصفّف بمرهم ساطع، لا تفارق الابتسامة شفتيه حتى ولو كانت "صفراء"، يرتدي بذلة سموكن وربطة عنق، خفيض الصوت، يتقن فنون "الإتيكيت"، بحكم مسؤوليته عن العلاقات الخارجية وتعامله مع "الأجانب"، وغالبًا ما يتحدّر من عائلة أرستقراطية لا تتحدّث بغير الإنجليزية داخل البيت وخارجه.
وعلى النقيض، تمامًا، تكون سيماء وزير الداخلية، فهو على الأغلب، كائنٌ سمينٌ، خشن البشرة، لا يعير اهتمامًا بهندامه وأناقته، غاضبٌ دومًا بلا سبب، عبوس، فظّ الألفاظ، نظرًا إلى تعامله الدائب مع طبقات الدرك الأسفل من المجتمع، بحسب افتراضاته وافتراضات رؤسائه، وفي مقدمتهم "المعارضون"، و"الحزبيون"، و"المشاغبون"، وفي الدرك الأعلى منهم يأتي أصحاب السوابق، والمجرمون. وغالبًا ما يكون رجل مخابرات سابقًا، أو موصى بتعيينه من "الجهاز"، لأنه جزء من السلطة النافذة. وعلى هذا الأساس، يفترض أن يرتدي ملابس أقرب إلى هندام "الشبّيحة"، ذات الأكمام القصيرة التي تبرز العضلات الموشومة، وصوتُه مقدودٌ من مطاحن الحجارة والرعود، لا سيما عندما يتهدد ويتوعّد.
ولكن ماذا لو اختلفت الأدوار، فوجد وزير الخارجية نفسه مضطرًّا للتهديد والوعيد، كأن يباغته صحافي بسؤال غير متوقع في مؤتمر ما، على غرار: "ما أنتم فاعلون إذا قرّرت الحكومة البريطانية نقل سفارتها في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس؟". أغلب الظن أن يتخيل العرب، وأنا منهم، أن ينقلب وزير الخارجية إلى وزير الداخلية في هذه اللحظة، على اعتبار أن هذا السؤال يفجّر مخزون الحقد العربي برمته على بريطانيا وإسرائيل، لا سيما أن المقصود من السؤال نقل السفارة إلى عاصمة الوجع العربي والإسلامي، التي يحتلها "مجرمون"، و"سفّاحون"، وقتلة أطفال وشيوخ، وهذا كله من تخصّص "وزير الداخلية"، الذي يفترض أن يصرخ بصوتٍ مزلزل: "ليجرّبوا وسيرون ردّنا".
صحيحٌ أن الشطط لن يبلغ بنا حدّ تخيل وزير الخارجية يلوّح بـ"موس كبّاس"، أو هراوة، مثلًا، كما يفعل وزراء الداخلية، بل سنتخيل، على الأقل، إن أصرّت بريطانيا على نقل السفارة، أن ترتفع حدّة صوت وزير الخارجية بعض الشي، فيهدّد بقطع العلاقات مع بريطانيا، في أقلّ تقدير.
ذلك ما افترضناه، عندما حدث السيناريو السابق فعليًّا في مؤتمر صحافي مشترك لوزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي مع أحد نظرائه الأوروبيين في الخارج، فقد وجّه أحد الصحافيين سؤال نقل السفارة البريطانية إلى الوزير الصفدي، غير أن النصف الآخر من السيناريو لم يتحقّق، ولم يشمّر الصفدي عن ساعديه، ولم يشرب حليب السباع في لحظة يحتاجها هذا الموقف، بل جاءت المفاجأة عندما أجاب الصفدي بصوتٍ خفيض يشبه الهمس، ويحتاج إلى "سمّاعة أذن" لفهم طلاسمه: "لم يصدُر قرار رسمي بريطاني حتى الآن بهذا الشأن، وقد سبق وأن نقلت الولايات المتحدة سفارتها إلى القدس وأدنّا هذا القرار في حينه".
من جهتنا، ننصح المملكة المتحدة بأن تأخذ وعيد الوزير الصفدي على محمل الجدّ، فالرجل لا يمزح، خصوصًا عندما يتعلّق الأمر بالقدس، تحديدًا، بحكم التزام الأردن الأخلاقي تجاه "مدينة السلام"، التي تحوّلت إلى مدينة حرب فعلية يدور لظاها بين بقايا سكّانها الفلسطينيين المهدّدين بالطرد، وعصابات المستوطنين، وعلى الأرجح إذا وجّه السؤال ثانية إلى الصفدي أن يخرج عن طوره، ويذهب إلى أبعد من "الإدانة". ولكن من حسن حظ الوزير أنه عاد إلى بلاده قبل تطورات "بريطانية" جديدة لم يسمع عنها بعد، وتمثّلت بتصريحاتٍ لرئيسة الوزراء البريطانية الجديدة، ليز تراس، تبدي فيها انحيازًا كاملًا غير منقوص للصهيونية وإسرائيل، وهي تقول: "أنا صهيونية أكثر من الصهيونيين"، ما يؤكّد للمرة الألف أن وعد بلفور البريطاني ينتقل بالجينات الرسمية من مسؤول إلى آخر.
نحمد الله أن الأمر توقّف عند حدّ "الإدانة"، وأن وزيرنا الصفدي لم يسمع تصريحات ليز هذه، وإلا لهدّد بالامتناع عن عقد مؤتمرات صحافية إلى الأبد.العربي الجديد
وعلى النقيض، تمامًا، تكون سيماء وزير الداخلية، فهو على الأغلب، كائنٌ سمينٌ، خشن البشرة، لا يعير اهتمامًا بهندامه وأناقته، غاضبٌ دومًا بلا سبب، عبوس، فظّ الألفاظ، نظرًا إلى تعامله الدائب مع طبقات الدرك الأسفل من المجتمع، بحسب افتراضاته وافتراضات رؤسائه، وفي مقدمتهم "المعارضون"، و"الحزبيون"، و"المشاغبون"، وفي الدرك الأعلى منهم يأتي أصحاب السوابق، والمجرمون. وغالبًا ما يكون رجل مخابرات سابقًا، أو موصى بتعيينه من "الجهاز"، لأنه جزء من السلطة النافذة. وعلى هذا الأساس، يفترض أن يرتدي ملابس أقرب إلى هندام "الشبّيحة"، ذات الأكمام القصيرة التي تبرز العضلات الموشومة، وصوتُه مقدودٌ من مطاحن الحجارة والرعود، لا سيما عندما يتهدد ويتوعّد.
ولكن ماذا لو اختلفت الأدوار، فوجد وزير الخارجية نفسه مضطرًّا للتهديد والوعيد، كأن يباغته صحافي بسؤال غير متوقع في مؤتمر ما، على غرار: "ما أنتم فاعلون إذا قرّرت الحكومة البريطانية نقل سفارتها في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس؟". أغلب الظن أن يتخيل العرب، وأنا منهم، أن ينقلب وزير الخارجية إلى وزير الداخلية في هذه اللحظة، على اعتبار أن هذا السؤال يفجّر مخزون الحقد العربي برمته على بريطانيا وإسرائيل، لا سيما أن المقصود من السؤال نقل السفارة إلى عاصمة الوجع العربي والإسلامي، التي يحتلها "مجرمون"، و"سفّاحون"، وقتلة أطفال وشيوخ، وهذا كله من تخصّص "وزير الداخلية"، الذي يفترض أن يصرخ بصوتٍ مزلزل: "ليجرّبوا وسيرون ردّنا".
صحيحٌ أن الشطط لن يبلغ بنا حدّ تخيل وزير الخارجية يلوّح بـ"موس كبّاس"، أو هراوة، مثلًا، كما يفعل وزراء الداخلية، بل سنتخيل، على الأقل، إن أصرّت بريطانيا على نقل السفارة، أن ترتفع حدّة صوت وزير الخارجية بعض الشي، فيهدّد بقطع العلاقات مع بريطانيا، في أقلّ تقدير.
ذلك ما افترضناه، عندما حدث السيناريو السابق فعليًّا في مؤتمر صحافي مشترك لوزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي مع أحد نظرائه الأوروبيين في الخارج، فقد وجّه أحد الصحافيين سؤال نقل السفارة البريطانية إلى الوزير الصفدي، غير أن النصف الآخر من السيناريو لم يتحقّق، ولم يشمّر الصفدي عن ساعديه، ولم يشرب حليب السباع في لحظة يحتاجها هذا الموقف، بل جاءت المفاجأة عندما أجاب الصفدي بصوتٍ خفيض يشبه الهمس، ويحتاج إلى "سمّاعة أذن" لفهم طلاسمه: "لم يصدُر قرار رسمي بريطاني حتى الآن بهذا الشأن، وقد سبق وأن نقلت الولايات المتحدة سفارتها إلى القدس وأدنّا هذا القرار في حينه".
من جهتنا، ننصح المملكة المتحدة بأن تأخذ وعيد الوزير الصفدي على محمل الجدّ، فالرجل لا يمزح، خصوصًا عندما يتعلّق الأمر بالقدس، تحديدًا، بحكم التزام الأردن الأخلاقي تجاه "مدينة السلام"، التي تحوّلت إلى مدينة حرب فعلية يدور لظاها بين بقايا سكّانها الفلسطينيين المهدّدين بالطرد، وعصابات المستوطنين، وعلى الأرجح إذا وجّه السؤال ثانية إلى الصفدي أن يخرج عن طوره، ويذهب إلى أبعد من "الإدانة". ولكن من حسن حظ الوزير أنه عاد إلى بلاده قبل تطورات "بريطانية" جديدة لم يسمع عنها بعد، وتمثّلت بتصريحاتٍ لرئيسة الوزراء البريطانية الجديدة، ليز تراس، تبدي فيها انحيازًا كاملًا غير منقوص للصهيونية وإسرائيل، وهي تقول: "أنا صهيونية أكثر من الصهيونيين"، ما يؤكّد للمرة الألف أن وعد بلفور البريطاني ينتقل بالجينات الرسمية من مسؤول إلى آخر.
نحمد الله أن الأمر توقّف عند حدّ "الإدانة"، وأن وزيرنا الصفدي لم يسمع تصريحات ليز هذه، وإلا لهدّد بالامتناع عن عقد مؤتمرات صحافية إلى الأبد.العربي الجديد
نيسان ـ نشر في 2022-10-09 الساعة 05:36
رأي: باسل طلوزي