اتصل بنا
 

دولة القانون و'المؤسسات التي تعادي نفسها'..

صحفي وكاتب عامود في صحيفة الدستور

نيسان ـ نشر في 2022-10-14 الساعة 16:13

نيسان ـ أسبوع كامل؛ لم أكتب فيه مقالة واحدة، ليس "قرفا" من الكتابة كما يقول الزميل الساخر كامل نصيرات، بل انشغالا حقيقيا، ودورانا في فلك التزامات القروض والبنوك وشركات التسليف والمحاكم، والكراجات بوادي الرمم، لكنني كنت قد كتبت مقالة في الثامن من الشهر الجاري، وتم منعها من النشر في صحيفتنا الصامدة، وكانت عن (الرداءة وخطابها وطلابها)، اوردت فيها إشارة عن المؤسسات التي تعادي نفسها، وذلك حين تحدثت عن الاستطلاع الذي كان يومها في طور "الشلفقة"، والذي صدر بحق حكومة بشر الخصاونة، ورماها بحجر رغم أنني أعتبر خطأها الوحيد هو غض بصرها عن شبهات الفساد، التي تطال المركز الذي تلقى الأمر لرمي الحكومة بحجر، وانصاع لتنفيذه..(*لو أجرينا استطلاعات رأي شفافة حول ثقة الناس بأي مؤسسة او مسؤول أو قطاع لحصلنا على نتائج أكثر سوءا من الاستطلاع المذكور، وهذه حقيقة والباقي رياء وشلفقة).. المهم؛ ما لبث رماة الحجارة طويلا بعد رميتهم، حتى بدأت المرحلة الثانية، حين تعالت أصوات "النباح" من أطراف المضارب، فكلاب القطيع متأهبة ولا تجيد سواه، بينما كلها تدرك أن القوم فقدوا الثقة بسبب "تحذيرات الرعاة"، الذين بددوا الهدوء العام أكثر من مرة، حين كرروا مقولة "الذئب فال الغنم"، ليثبت للقوم في كل مرة أن لا ذئاب في أطراف المضارب، إنما رعاة خائفون، أو غير محترفين، وغنم عمياء يسوقونها برغباتهم ولحساباتهم وطلعاتهم ونزلاتهم.. ومع كل هذا فما زال لدينا كلاب تحرس القطعان وهي محترفة في النباح فقط.. وقد نبحت كثيرا بعد أن تم رمي الحجر في الأسبوع الماضي، وهنا يجب ان اتحدث عن استراتيجية مهمة قرأتها أمس، عن صفحة الصديق الشاعر جمال الدويري: (لو أنك القمت كل كلب نبح حجرا، لانتهينا منذ زمن من النباح وأهله).. لكن كيف العمل يا جمال والحجارة لا تكفي، والنباح مهنة ووظيفة رواتبها بالآلاف في مؤسسات اصبحت تعمل على تصفية حسابات واستيزار واسترئاس حكومات ؟!.
دعونا من الحديث عن الحجارة والآمرون بقذفها والنابحون اينما سقطت..
ولنتحدث عن حكومة بشر وأدائها، واسمحوا لي أن أقدم الحديث عن وزارة بل وزير الزراعة قبل الجميع، فهو مثال أكبر وأكثر من كافٍ، عن اداء حكومة بشر، ولن اتحدث تفصيلا، بل سأكتفي بالإشارة إلى أن هذه الوزارة قدمت نموذجا يستحق التوقف عنده، حين قدمت خطتها لتطوير وتنمية واستدامة الزراعة، ووضعت برنامجا زمنيا لتنفيذها على مراحل، وأخضعت نفسها لتقييم ربعي ومساءلة، تعرض فيه ما حققت من نتائج كانت قد وعدت والتزمت بتنفيذها وإنجازها خلال تلك المرحلة، وما زال وزيرها وفريقه في الميدان وتحت الضغط وفي عمق التحدي، وقد نفذوا ما وعدوا به حتى الآن، وما زالوا عند وعدهم، وإن سلموا وسلمت الحكومة والدولة من تلك الطلعات والفزعات والنباح الذي يتلوها، وثبتوا على تلك الخطة حتى نهاية 2025، لاكتشفنا عندئذ "كلمة السر" الضائعة عن كل الحكومات قبل حكومة بشر، حيث لم تتمكن وزارة واحدة من الحصول على استقرار خطط واستراتيجيات ومسؤولين من ذوي الهمة والعزم والصدق، لتنفذ تغييرات مطلوبة..
وما أذكره عن نموذج وزارة الزراعة أذكره أيضا عن الأمن العام، ولولا أداء وزارة ووزير الزراعة في هذه الظروف، لكانت ظروف الحياة ووفرة الغذاء وأسعاره وتدفقه للأسواق، أسوأ بكثير، وكذلك الأمر بالنسبة لأداء جهاز الأمن العام، الذي يقدم أداء حكيما مرنا ملتزما، وفر بدوره أفضل الممكن وجلب هدوءا مثاليا في زمن عاصف بالصراعات وبالغضب والرفض وقسوة الظروف.
منذ قدومها نهاية عام 2020، قامت حكومة البشير بحل ألغاز سابقتها في موضوع كورونا، ومهما قلتم أو قالوا، فسهولة الخروج من تلك التحديات كان وما زال سهلا بالنسبة للمنظرين، ممتنعا عن كل الحكومات والسياسيين، وبجحت كل النجاح بتقليل تأثير تحديات الكورونا ورعبها إلى الصفر، والنتيجة نسبيا لو قمنا بمقارنة الأداء بين حكومة بشر وسابقتها.
أنا من بين الكتاب بل اولهم، الذين كتبوا كتابة لاذعة للحكومة، بسبب ابتعاد بشر الخصاونة عن الصحافة، وندرة ظهوره، ومع مرور الوقت والأحداث اقتنعت تماما بإجابته آنذاك (لن أخرج للاعلام وأتحدث إلا بحقائق)، فالرجل إذا لا يبحث عن نجومية ولا شعبويات ولا استعراضات و"بروباغندا" (هو لا يكذب ولا يشتري شعبويات)، ولم يستجب أو يرد على المقذوفات ضده وضد حكومته ولا على الأصوات التي تليها، بل إنه ترفع دوما، ولم يكترث للجهات والأجندات التي تسيء لحكومته، وكان وما زال بإمكانه أن يخرسها حتى لا نقول يدفعها للصمت.. لكنه لم ولن يفعل.
كل مشاكلنا وازماتنا تشبه مديونيتنا، فهي متراكمة، لكن المؤكد بأنها لم تقترفها حكومة بشر، بل إنها الحكومة الوحيدة التي تعاملت معها بواقعية، وغيرت من سياساتها المالية ونجحت الى حد كبير في مجاراة الواقع، ولم ترتكب "مجازر اقتراضية" او تفرض ضرائب جديدة، وقدمت وزارة ماليتها أداء متميزا نقر به رغم تقشفه، إلا أنه حال دون مزيد من مديونية ومزيد من مشاكل، برعت في تراكمها حكومات سابقة، ورحلتها للحكومات اللاحقة..
لست بصدد الدفاع عن حكومة بشر ولست معنيا بالدفاع عن الحكومات، لكن كلمة الحق تقال، والحكومات أيضا تعدّل وتقال، وحين تكثر اقالات الحكومات فهذا مؤشر كبير على عدم الاستقرار السياسي، الذي يفتح للحكومات باب الهروب من المساءلات، ويحبط خطط الدولة ومؤسساتها في تحقيق التغيير، وكم جاء وزير وشطب خطط واهداف وزارته، وانطلق مستقلا بخطة وجهود جديدة حاسمة كما يعتقد، وما يلبث في الوزارة كثيرا، ليأتي غيره، ويمحو ما فعله سلفه ويقدم وصفته...
ولأنني مؤمن تماما بأن ألف حكومة لو اجتمعت اليوم لتحسم بعض الأزمات وتحل بعض المشاكل والتحديات، لعجزت، ولجأت للاستعراض وشراء الوقت لضمان طول عمر في الدوار الرابع (وهو ما لم يفعله بشر الخصاونة)، ولم تفعله حكومته ووزراؤه، التي لم تتهرب من السعي لتحقيق الممكن بلا كذب ولا مواربات ولا حملات ولا استطلاعات رأي تائه غاضب ناقم على كل شيء..
لو طرحنا أسئلة من أي نوع وفي أي مجال (صحة ..تعليم.. توظيف..الخ)، على هذا المجتمع الصابر، الغاضب، هل ستختلف إجاباتهم؟ بل قبل ذلك هل تتوقعون رصد أية نسبة من الرضا عندهم؟!.
اقدر غضب الغاضبين بل وغياب وعيهم و غياب حكمة الحكيمين منهم وصمت المتفرجين، لكنني لا ألاحظ خطأ أو أزمة أو ظروفا سياسية تستدعي تغيير حكومة والمجيء بأخرى.. فهذا محض ترف سياسي، وحرق اوراق، حيث لا استحقاقات دستورية تتطلب ذلك، ولا مشاكل "عويصة" اقترفتها الحكومة بحق الدولة وأجندتها الوطنية.. وسيكون تغييرها قفزة في الهواء ومغامرة تتقصى إثارة سياسية غير مطلوبة ولا مرغوبة، وأول ما يجب على حكومة بشر اليوم عمله، هو قطع دابر هذا الخطأ والخطر المتمثل بالعدوانية ضد الحكومات والمؤسسات، والذي تقوم به مع كل أسف جهات حكومية.
اوقفها يا بشر وابدأ بتنظيف الأفق من صوت النباح المزعج، فهدوء المدينة يعبر عن "مدنيّة الدولة والشعب"، ويقع ضمن مسؤولياتكم.

نيسان ـ نشر في 2022-10-14 الساعة 16:13


رأي: ابراهيم عبدالمجيد القيسي صحفي وكاتب عامود في صحيفة الدستور

الكلمات الأكثر بحثاً