اتصل بنا
 

متقاعد عسكري بدرجة دكتور جامعي يناشد الملك.. ماذا قال؟

نيسان ـ نشر في 2022-10-16 الساعة 09:29

x
نيسان ـ خاص
لم يكن يعلم المتقاعد د عادل الربطة أن حياته ستنقلب بؤسا وهو يلاحق حلمه، ولم يكن يعلم أن سلاحه العلمي سينقلب ضده بفعل المحيطين.
العقد بدأت عندما قرر أن يكمل الماجستير وهو يحمل رتبة ضابط في القوات المسلحة، ليحصل على الأول على دفعته، لكن فرحته سرعان ماتبدلت حين قرر المسؤول عنه إقصائه بسبب تلك الشهادة، بعقوبة 6 أشهر (تأخير أقدمية).
عقب إحالته على التقاعد حصل على شهادة الدكتوراة بتقدير إمتياز، مكث خلالها ثلاث أعوام إلى أن حصل على تعيين (بالواسطة) في جامعة البلقاء التطبيقية.
الدكتور وعقب 12 عاماً من الخدمة لم يتمكن في السنة التالية من تقديم أوراق التربية بسبب فاجعته بفلذة كبده الذي توفي بحادثة سقوط من الطابق الرابع ، ورغم الحالة الإنسانية وتقديمه للاسترحام لم يتعاطف رئيس الجامعة آنذاك معه، بل ورفض تجديد عقده.
الدكتور تمسك بالحياة من جديد بمشروع للأسماك فور حصوله على إذن من أمين عام سلطة مياه الأردن، لكن سرعان ما سلب منه حلمه الوليد حديثاً عندما جرفت كوادر السلطة أحلامه مع عشرين طن من الأسماك أرسلتها إلى البحر، ليخسر 60 ألف دينار أردني تضاف إلى خسائره السابقة.
الدكتور مر بمراحل آلمت به خسر فيها زوجته وتعرض للعنف، حتى وصل الأمر به ليبيع كل ما يملك ويغرق في وحل الديون ، مناشداً الملك في رسالة له بأن يأذن برصاصة رحمة تنهي معاناته.
وتالياً الرسالة التي وجهها لجلالة الملك عبدالله الثاني ووصلت لبريد "نيسان": بسم الله الرحمن الرحيم
سيدي ومولاي جلالة الملك
بعد طول تردد قررت أن أكتب لجلالتكم وبصفة مباشرة هذه الكلمات، محاولاً الاختصار ما استطعت تقديراً لمقامكم وانشغالاتكم، بعد أن مللت مخاطبة كل من هم دونكم ممن ولّيتموهم علينا، ولم يرعونا حق رعايتنا، سئمت الكتابة إليهم سيدي والتذلل على أعتابهم ليس لكي آخذ حق غيري، بل لأبسط بين أيديهم مظلماتي وكيف أن المتنفذين تعسفوا في ظلمي والتجبر علي.
وأنا الآن أكتب إلى جلالتكم متوسلاً لا متظلماً لاسترداد حقوقي التي بُترت، بل مناشداً جلالتكم أن تتفضلوا علي بإصدار عقوبة الموت، بسبب إجرامي المتكرر، وإني لأعترف بين يدي جلالتكم بأنني لا أستحق الحياة وأن جزاء مثلي إما أن يُسجنَ أو عذاب أليم أو يُنفى من الأرض، والأفضل أن يُعدَمَ جزاءً بما كسبت يداي علي نفسي أولاً وعلى من أعول ثانياً، وبادئ ذي بدء بما اقترفت بحق الوطن الهاشمي المقدس، لكوني أصبحت عالة على نفسي، عالة على من حولي، عالة على جلالتكم سيدي، فما أنا إلا مجرم ملوث تلطخت يداي بكل أنواع الإجرام.
أقرّ وأعترف لجلالتكم سيدي تالياً بتفاصيل إجرامي، ولا أبتغي غيركم ان يطلع على تلك التفاصيل، لأن كل من هو دونكم يا سيدي إما مغرض أو شامت أو فاضح، أما أنتم يا مولاي فأنتم وحدكم من أريد أن يطهرني من ذنوبي، فلا أبتغي التطهير إلا من لدن جلالتكم فليس الطهر إلا عندكم، وما أنتم إلا أطهر من بات يدب على الأرض في هذا الزمان.
أصبت يا سيدي في حياتي ذنوباً جمة، وكنت أحسب أنني أحسن حيتئذ صنعاً، لكنني الآن تيقنت أنني غارق في الجرم، مستغرق في الذنوب، وإن حالي يا سيدي كحال (ماعز) إذ أصاب ذنباً فلم يزل برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طهره، وفاضت روحه إلى بارئها طاهرة مطهرة، وما أنا إلا ماعز، بل إن ماعزاً أطهر مني لكونه لم يصب إلا ذنباً واحداً، أما أنا فتتغشاني الذنوب من رأسي إلى أخمص قدمي، وما جلالتكم إلا حفيد رسول الله الطاهر المطهر والهاشمي المظفر، ولستُ ألامُ إن أنا تشبثت بأعتابكم لأتطهر، وإن قضاءكم علي بعقوبة الموت لشرف لي وأي شرف.
أول إجرامي يا مولاي حين سجلت للماجستير في الجامعة الأردنية وأنا على رأس عملي ضابطاً في القوات المسلحة الباسلة برتبة نقيب :
أجرمت في حق القوات المسلحة حين استدعاني رئيس الشعبة موبخاً لي وكتب فيّ تقريراً سرياً للمسؤول الأعلى منه لا أعلم تفاصيله، وكنت أظن أنه سيمنحني حافزاً لكوني حصلت على المرتبة الأولى على أقراني (المدنيين)، ولما مَثُلتُ أمام ذلك المسؤول (سامحه الله) صُدِمتُ بعقوبة ستة شهور (تأخير أقدمية) ووضع اسمي على أول قائمة (الترميجات)، وكنت أظن أنه سيمنحني حافزاً ما، وكانت ترافقني الأماني أن أصبح ضابطاً كبيراً في الجيش سلح نفسه بنفسه بأعلى درجات الكفاءة.
والوجه الثاني في هذه المرحلة ومرحلة الدكتوراه اللاحقة أنني كنت اقتطع - ظلماً - من أفواه صغاري قوتهم لأتمكن من دفع رسوم الجامعة في المرحلتين،
وقد كنت أصبّرهم وأمنّيهم بأنني عما قريب سأحصل لهم على عصا يتوكأون عليها وأهش بها عليهم ويكون لي فيها مآرب أخرى في قابل الأيام، حتى بلغ بي الأمر أن سحبت اشتراكاتي من الإسكان العسكري، وهانحن يا مولاي أرقب وزملائي ترجمة إرادتكم السامية التي أنعمت بها علينا لكن الأيام (الحلوة) لم تأتِ بعد، وأظنها لن تأتي أبداً.
مكثت بعد ذلك في أرض (العدل) يا مولاي حينها زمناً، أُحِلتُ على التقاعد ثلاث سنين عجافاً بلا تعيين وأنا أحمل درجة الدكتوراة بدرجة (ممتاز)، بين سياط التنمر من لسان الزوجة وسياط الشامتين من المعارف والأقارب، وبين التذلل على أعتاب المسؤولين لاستجداء فرصة التعيين في إحدى جامعات الوطن الغالي ، بلا جدوى إلى أن توسط لي أحدهم مجزياً بالخير وتم تعييني في جامعة البلقاء التطبيقية.
ازدانت خدمتي في الجامعة اثني عشر عاماً إلى أن جاء رئيس جامعة وأنهى خدماتي بجرة قلم وذنبي أنني لم أتمكن من التقدم بأوراق الترقية بسبب حدوث كارثة نفسية لي نتجت عن تردي أحد أولادي من الطابق الرابع ووفاته على الفور، والغريب ان رئيس الجامعة لم يلتفت لاسترحامي ولم يوافق على إعادة التعاقد معي، بل إنه وافق لأربعة من زملائي كانت لهم واسطات، ولرئيس الجامعة من جرائهم تنفيعات، وقد ظهرت فضائح فساده الإداري والمالي على الملأ، والحمد لله ان خلف من بعده رئيس ورث الكتاب وأخذ من إحقاق العدل والإنصاف كل الأسباب.
لا أقول إن رئيس الجامعة (السابق) متعسف او هوائي او مزاجي، فذلك ليس من حقي ولا أملك صلاحية قوله ، وقد قال القضاة الحكماء العدول في هذا الشأن قولتهم.
بل كل ما أستطيع أن أقول هو لأنني مجرم لا أستحق الحياة الكريمة في أرض الحشد والرباط، ودولة القانون والمؤسسات، مجرم لأني والدي فلاح بسيط من جلعاد لا يملك ثروة ولا جاهاً يكون له بهما معارف يسيّرون أمر ولده في مؤسسات الدولة، ولأن والدي كان ساذَجاً يحسَب أن نجاح ولده وكفاءته تكفي لأن يكون رقماً في مكان، ولأنه يخلو قاموس حياته من مصطلحات (التنفيع والمحسوبية وتوريث المناصب)، يظن أن كل مسؤول في بلدي لا يتسنم منصباً إلا لأنه يستحقه بجدارة وغاب عنه أن معظم من يستلم المناصب إنما تُجَرّ الأقلام بشأنها بعد وليمة مناسف من الخراف البلدية من العيار الثقيل.
كم هو مسكين أبي إذ مات وهو يحسب أن الحق في العيش بكرامة يُستجدى استجداء ممن لا يملك الكرامة ظناً منه أنه عاش ومات في بلد الكرامة.
دخلت يا مولاي بعد ذلك مرحلة جديدة من الإجرام بحيث عملت على إقامة مشروع للأسماك، وأخذت الإذن من عطوفة أمين عام سلطة وادي الأردن باستغلال مياه سيل مهدورة في أرض الغور على موقع صغير من المواقع التابعة للسلطة، حقق المشروع نجاحاً مميزاً ولما بلغت به آخر شهر يكون بعده القطاف فوجئت بكوادر السلطة تحضر بشكل مفاجئ ذات صباح لتجرف عشرين طناً من الأسماك وترسل بها إلى البحر، غير آبهين بتوسلاتي بإعطائي مهلة شهر واحد فقط وإخلاء الموقع، أذهبت ذئاب السلطة ما يزيد على 60 ألف دينار أدراج الرياح في لحظات.
إني لأحسب يا مولاي أن ما اختصرته من ذنوبي تلك كفيل بأن تتفضلوا علي بإطلاق رصاصة الرحمة، وتريحوني من عذابات لم تبرح من ثنايا الروح ولم تزل تتقرح كلما مضى بي الزمن، وإن كرام الملوك من أمثال جلالتكم إذا ما بلغت خيولهم مرحلة عدم النفع أطلقوا عليها الرصاص رحمة بها من مقاساة المزيد من العذاب، ويكونون بذلك مأجورين غير مأزورين.
أناشدك الله يا مولاي في إجابة طلبي، داعياً لجلالتكم بأن يوطد الله ملكك ويعزز أركانه.
فليس الأمر يقف عند حد أنني غدوت بلا عمل بعد إنهاء خدماتي من الجامعة ظلماً وبهتاناً، ولا لأنني غدوت بلا سيارة لأنني بعت سيارتي لأسدد ما تراكم علي من ديون، ولا لأنني أمسيت وحيداً بلا زوجة، وقد سُبيت زوجتي عنوة من تحت شواربي، ولا لأنني أصبحت مقطوعاً رزقي أعيش على السلف والديون، ولا لأنني بلا بيت لأنني بعت بيتي لأسدد به أقساط البنك الذي اشتريته عن طريقه.
بل لأنني لم يعد عندي لما يمكن أن يسمى حياة طعم مستساغ، ولأنني غدوت أعيش في إرهاب نفسي لم يعد بمقدوري طاقته، فلا أستطيع دخول السوق لشراء علبة دخان، مديناً متعثراً متعسراً مطلوباً للتنفيذ القضائي.
غدوت أتوارى من صاحب البيت الذي استأجرته كلما سمعت طرقة الباب، لعدم قدرتي على دفع الأجرة لستة شهور على التوالي.
أمسيت مغدوراً تفرق دمي بين جناة بلطجية استطاعت واسطاتهم ورشواتهم لدى محكمة الجنايات من تكفيلهم وهاهم أحرار طلقاء يتنسمون الهواء العليل، وأنا المغدور المجني علي (الجاني) على نفسي من سوء صنيعي حبيس الجدران وحيداً كلما وضعت الحبل في رقبتي عدلت خشية خسران الآخرة.
أوشك أن أدخل عامي الخامس وأنا أرجو الموت وابتغي ما عند الله ولا شك أن ما عند الله خير وأبقى.
لا أريد إنهاء حياتي بنفسي، بل استقر قراري على أن أموت ميتة الشرفاء، وليس أشرف من الموت على يدي جلالتكم.
أناشدكم يا مولاي إجابة هذا الطلب وإني إن لم تجيبوني إلى ما طلبت سأعلن عما قريب القدوم إلى ديوانكم العامر سيراً على الأقدام، ترافقني القنوات الإخبارية لتخلد شرف حجي إلى مغطسكم المبارك، وتقديم نفسي طوعاً لا كرهاً قرباناً على مذبح جلالتكم المقدس.
أقسم يا مولاي بشرف جلالتكم أنني لا أبتغي عرضاً من أعراض هذه الدنيا إذ أنا أناشدكم، وقد بتّ زمناً أتجرع مرارة فكرة الكتابة إلى جلالتكم خشية سطوة الأجهزة الأمنية في عدم فهم فحوى فكرة مناشدتكم.
كل ما أبتغيه وما أنا راغب فيه هو الرحيل إلى المولى فلم يعد لي في الحياة ما أطيق، لا أبتغي مالاً ولا جاهاً، أريد الموت، والموت فقط وللبيت رب يحميه، وهو وحده الرزاق ذو القوة المتين.
أعز الله ملككم يا مولاي وأدام عليكم الصحة والعافية والعمر المديد.
وتقبلوا يا مولاي كل تبجيل وإجلال..
خادمكم المطيع
د. عادل الربطة"

نيسان ـ نشر في 2022-10-16 الساعة 09:29

الكلمات الأكثر بحثاً