اتصل بنا
 

'كراهية الملاعب' قد تطيح بأكبر فريقين لكرة القدم في الأردن

نيسان ـ نشر في 2022-10-17 الساعة 06:19

x
نيسان ـ طارق ديلواني

تدحرجت حملة الكراهية التي تشهدها الملاعب كرة القدم الأردنية إلى أسوأ سيناريو يخشاه الأردنيون، بعد مقتل طفل كان يحتفل بفوز فريقه على يد آخر من مناصري الفريق الخصم عبر إلقاء صخرة كبيرة عليه، في واحدة من أبشع تداعيات ما يعرف أردنياً بثنائية "الفيصلي والوحدات".
القصة بدأت فصولها بتراشق لفظي واتهامات عنصرية متبادلة بين بعض أنصار الفريقين على وسائل التواصل الاجتماعي الأسبوع الماضي، ما دفع السلطات الأردنية إلى اعتقال عشرة أشخاص من أنصار فريقي الفيصلي والوحدات الغريمين التقليديين وأكبر ناديين أردنيين وأكثرهما شعبية.
لاحقاً قررت السلطات الأمنية إقامة المباراة الأخيرة بين الفريقين من دون جمهور كنوع من العقاب، وسط ودعوات على منصات التواصل الاجتماعي لاتخاذ إجراءات أكثر قسوة لمنع "الفتنة" التي تشعلها مدرجات كرة القدم في الأردن.
ثنائية كروية مقلقة
وكانت الأجهزة الأمنية الأردنية ألقت القبض على مشتبه به بالتسبب بوفاة الطفل، وقال الناطق باسم المديرية، عامر السرطاوي، إن "بلاغاً ورد إلى المديرية بتعرض طفل يبلغ 12 عاماً للإصابة بصخرة سقطت عليه من إحدى البنايات أثناء وجوده بالشارع العام برفقة مجموعة من الأشخاص بغرض الاحتفال بفوز، وما لبث أن فارق الحياة". وأكد السرطاوي تحديد هوية المشتبه به ويبلغ 16 عاماً حيث اعترف بفعلته بدافع غضبه من نتيجة المباراة، وأشار السرطاوي أنه ستتم إحالة المشتبه به إلى القضاء.
في موازاة ذلك تصدرت مطالبات على مواقع التواصل الاجتماعي بإلغاء دوري كرة القدم وإغلاق أكبر ناديين في البلاد وهما الوحدات والفيصلي، أو دمجهما معاً، في حين طالب آخرون بإلغاء الدوري الأردني بشكل كامل.
تاريخياً ورغم بعض الاستثناءات، يمثل فريق الوحدات الذي يحمل اسم أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين، الجمهور الأردني من أصل فلسطيني، بينما يمثل فريق الفيصلي معظم الشرق أردنيين وأبناء العشائر.
ولسنوات تسببت هذه الثنائية بصداع مرير للحكومات الأردنية وللمجتمع على حد سواء، بسبب تصاعد الهتافات العنصرية وتغذيتها على مدرجات الملاعب، خاصة في اللقاءات التي تجمع هذين الفريقين، وامتد شرر هذه الهتافات في بعض الأحيان ليطال الملكة رانيا زوجة العاهل الأردني بسبب أصولها الفلسطينية.
ظاهرة فردية أم مشكلة؟
يؤكد مراقبون أن مشكلة العنصرية في الأردن محصورة فقط بمدرجات الملاعب، ولدى قلّة قليلة من جمهوري الفريقين، فيما تتبادل الحكومة وإدارة الفرق الرياضية إلقاء المسؤولية عن هذه المشكلة التي بلغت ذروتها مؤخراً.
تحاول الحكومة التقليل من أهمية هذه القضية، لكن المراقبين يرون أنه ثمة خطوات يجب القيام بها لمنع تفاقم الظاهرة التي يلقى فيها اللوم دائماً على شماعة "التصرفات الفردية"، ويبررها آخرون بأنه أمر يحدث في كل دول العالم حتى المتحضرة منها.

العنصرية في الرياضة الأردنية
تمثل "كراهية الملاعب" مدعاة لقلق عام يسري في أجواء البلاد، بعدما انخرط العديد من المشجعين في سلوك عنصري تجاه اللاعبين والمشجعين الآخرين على نحو متزايد.
ورغم اتخاذ اتحاد كرة القدم الأردني عقوبات متعددة تجاه المخالفين، إلا أن ذلك لم يشكل فرقاً، وهو ما دفع البعض إلى المطالبة باتخاذ تدابير تشريعية ومؤسسية، بالإضافة إلى حملات توعية تستهدف المواطنين الأردنيين ومشجعي كرة القدم.
منصات التواصل متهمة
وفقاً لمصادر في إدارة نادي الوحدات ونادي الفيصلي، لا تملك الأندية الكثير من القوة للضغط على الجماهير التي تطال هتافاتها السلبية في كثير من الأحيان إدارات ولاعبي الأندية التي يناصرونها بسبب تراجع أداءهم أو عدم إحرازهم للبطولات، وترجع المصادر تفاقم الأمور إلى وسائل التواصل الاجتماعي التي تمتلئ بصفحات المناصرين للفريقين وتوصف بأنها "غير منضبطة".
يطالب نادي الوحدات ونادي الفيصلي أعضاءهما ومشجعيهما التحلي بالمسؤولية الوطنية ويؤكدان أن ما جرى لا يمت بأي شكل من الأشكال بصلة لأخلاق المجتمع الأردني وقيمه الراسخة. وأن بعض التصرفات هي مظاهر طارئة على المجتمع الأردني، وأن الوحدة الوطنية في الأردن خط أحمر.
من بين الحلول التي يطرحها ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي منع المشجعين من حضور المباريات والاكتفاء ببث المباريات مباشرة، الا أن الكثير من المهتمين يعارضون هذا الحل، لأنهم يعتقدون أنه لن يؤدي إلا إلى زيادة تأجيج الموقف.
في حين يقترح آخرون التشهير بالعنصريين ونشر أسماءهم لردعهم للحفاظ على سمعة كرة القدم الأردنية محلياً وعالمياً، خاصة وأن تداعيات هذه الظاهرة لم تعد محلية فقط، بل طالت الكثير من الفرق العربية التي لعبت في الأردن كالفريق الكويتي الذي فوجئ قبل سنوات بالجماهير الأردنية وهي تهتف للرئيس العراقي السابق صدام حسين في مشهد أثار الاستياء.
تفتيت الجهوية ومحاربتها
ولا تزال أعمال الشغب في الملاعب الأردنية محدودة ونادرة، لكن الهتافات المسيئة والشعارات العنصرية تشكل خطورة أشد وقعاً على تماسك المجتمع.
ورغم توقيع الأندية الأردنية والبالغ عددها 290 نادياً على ميثاق شرف لمكافحة الكراهية على المدرجات، فإن الحل الحقيقي بنظر ناشطين ومراقبين يكمن بالعمل على عدم ترسيخ واستمرار هيمنة مجموعة عرقية على هذه الأندية ومحاولة تفكيك أي خطاب فئوي أو جهوي فيها.
ويستحضر الأردنيون تجربة فريق" الضفتين" عام 1986 كأحد الحلول لمعالجة أزمة هتافات الملاعب في الأردن، والهدف كسر القطبية الثنائية عبر دمج فريقي الوحدات والفيصلي أو خلق منافس قوي للفريقين ينهي احتكارهما للملاعب.
إحباط وفقر وأجندات
يعتقد متخصصون من بينهم الأخصائية النفسية سهام قعوار أن "عنصرية الملاعب مردها الإحباط والفقر والبعد عن الدين والقيم وغياب ثقافة تقبل الرأي والرأي الآخر".
وتطالب قعوار الدولة الأردنية بتفعيل دور الشباب وملء أوقات فراغهم بما يفيدهم ويفيد مجتمعهم ومحاربة التعصب للفرق الكروية.
ويؤكد الكاتب زيد نوايسة أن التعصب الكروي ظاهرة عالمية ومن الظلم إلصاقها فقط بشعوب العالم الثالث، لكن الأسوأ ما جرى الأسبوع الماضي في إندونيسيا عندما قتل مئات الأشخاص على أثر التدافع وشغب الملاعب، وما حدث في مباراة الأهلي وبورسعيد عام 2012 عندما قتل 74 شخصاً من مشجعي النادي الأهلي.
يضيف "ظاهرة التشجيع والحماس والدعم من قبل جماهير أي فريق لفريقهم ظاهرة طبيعية وصحية وليست مستنكرة ولكن المهم أن يتم ضبطها في إطارها الرياضي أولاً وأخيراً وعدم توظيفها من قبل أصحاب الأجندات".
ويتهم نوايسة منصات التواصل الاجتماعي بالتسخين لهذه الأجواء بمنشورات ومقاطع فيديو تسيئ للفريق الخصم ليس بالمعنى الرياضي فقط بل تمتد لما يمس وحدة المجتمع ونسيجه الوطني، ويطالب بمدونة سلوك تضبط سلوك المدرجات وبتغليظ العقوبات وعدم التهاون فيها.

نيسان ـ نشر في 2022-10-17 الساعة 06:19

الكلمات الأكثر بحثاً