اتصل بنا
 

الانتخابات النصفية الأميركية قد تغير سياسات واشنطن الداخلية والخارجية

نيسان ـ نشر في 2022-10-23 الساعة 07:32

x
نيسان ـ تكاد الانتخابات النصفية الأميركية، التي تجري بعد سنتين من الانتخابات العامة، تكون حدثاً مفصلياً، ليس فقط على المستوى الداخلي، بل أيضاً على المستوى الخارجي، بالنظر إلى النتائج التي ستترتب عنها. ومع أن انتخابات مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل دائماً ما كانت محل متابعة، فإن الانقسام العمودي داخل المجتمع الأميركي، والحرب الأوكرانية، زادا من أهميتها كثيراً هذا العام. فقراءة الموقف الأميركي، عن عالم يقف متردداً من تصديق ما إذا كان الخطر النووي قد «ينهي العالم»، لا يقل أهمية عن معرفة مآلات الديمقراطية الأميركية. في لحظة سياسية داخلية صعبة يصوت الأميركيون في هذه الانتخابات، لتجديد 35 من أعضاء مجلس الشيوخ الـ 100، وكل أعضاء مجلس النواب الـ 435، وحكام 36 ولاية من أصل 50. ومع أن الرئيس الأميركي يشبه بـ{الملوك» في سلطاته، فالواقع يشير إلى ان دور مجلس الشيوخ لا يقل أهمية عنه، بسبب الدور التشريعي والتنفيذي الذي يلعبه. ولذلك يسعى كل الرؤساء الأميركيون إلى الحفاظ على تفوق حزبهم في هذه الانتخابات، رغم أن التاريخ، دائماً ما أظهر فشلهم في ذلك. ولكن، مع ذلك، تمكن العديد من الرؤساء الذين سكنوا البيت الأبيض من الترشح والفوز في فترة رئاسية ثانية، رغم خسارة حزبهم الانتخابات النصفية.
الانتخابات النصفية الأميركية هذا العام تقدّم مشكلة مزدوجة ومختلفة في آن معا. فمن ناحية هناك حزب ديمقراطي مع رئيس مشكوك في قدرته على الترشح لفترة ثانية، وسط «صمت» حزبه وتدن في نسب تأييده، ما ينعكس بشدة على فرصه. وقبالته حزب جمهوري يقوده فعلياً رئيس سابق خسر ولايته الثانية، لكنه يسعى للترشح بعدما فرض قبضته على الحزب، ونجح غالبية مرشحيه في الانتخابات التمهيدية في ظل انقسام قل مثيله بين قيادته وقاعدته، رغم مواجهته سيلا من الاتهامات والدعاوى.

الرئيس جو بايدن منهمك بالحملة الانتخابية
ثم إن انتخابات حكام الولايات لا تقل أهمية عن انتخابات الكونغرس بمجلسيه. إذ إن دورالحكام حاسم في تسهيل خطط الحزبين الرئيسين أو تعطيلها، في تطبيق بعض التشريعات الأكثر تأثيرا على حياة مواطني ولاياتهم، كالتعامل مع قضية حق الإجهاض، على سبيل المثال. ويتفق العديد من الخبراء والمراقبين على أن السباق الانتخابي بعد أسبوعين، ستحسمه 10 ولايات. ويتوقع أن تشهد سباقات محمومة ومهمة، في ظل التغييرات الأفقية (الطبقية) والعمودية (الحزبية)، التي طرأت على الولاءات السياسية التاريخية فيها. وحتى انتخابات المجالس المحلية في الولايات، التي ستجري في اليوم نفسه، باتت خاضعة لاستقطاب حزبي حاد، وهو ما لم يكن بارزاً في السابق.
> أصوات المستقلين حاسمة
في أي حال، سخونة المواجهة السياسية، باتت تركز على قضايا، يسعى كلا الحزبين إلى التأكيد على أنها ستكون حاسمة في تقرير تصويت الناخبين. لكن من نافلة القول إن الرهان، منعقد على قدرة الحزبين على استقطاب المستقلين، الذين يقررون عادة مصير السباقات.
التدقيق في طبيعة «القضايا»، التي يرفعها الحزبان، يمكن أن يوضح خلفية الاستقطاب والانقسام الحزبي، على قاعدة قراءة حجم الولايات وموقعها وأهميتها وطبيعة الإنتاج فيها. فالاختلافات بين هموم - ومصالح - سكان الأرياف المتمركزين في ولايات الوسط ذات الكثافة السكانية المنخفضة، الذين يصوتون عادة للجمهوريين، والمدن في الولايات الأكثر تصنيعاً والأكبر سكانياً، الذين يصوتون عادة للديمقراطيين، تعكس طبيعة تلك القضايا وقربها من هموم قاعدة الحزبين.
وفي ظل توقعات تشير إلى منافسة صعبة ومصيرية، سواءً للديمقراطيين أو للجمهوريين، للسيطرة على مجلسي الشيوخ والنواب، يحاول الحزبان تحفيز الأميركيين، ولا سيما «الغالبية الصامتة»، على المشاركة في الانتخابات النصفية، عبر طرح القضايا التي يعتقدون أنها ستكون حاسمة في تقرير وجهات التصويت. وغني عن القول إن الاستطلاعات التي تشير إلى معطيات، قد تبدو «مخيبة» للبعض أو «واعدة» للآخرين، لا تزال صدقيتها موضع تشكيك، في ظل التجارب السابقة. هذ الأمر فرض على الماكينات الانتخابية لدى الحزبين التعامل بطريقة مختلفة مع هذه الشريحة من الناخبين، عبر تركيز الدعاية وعقد صلات ونشاطات مباشرة، لاستقطابهم. ولذا، يرى العديد من الخبراء والمراقبين، أن القضايا التي تلخص جوهر الحملات الانتخابية، ستتمحور حول: التضخم والاقتصاد عموماً، وحق الإجهاض، والطبابة والأدوية، والهجرة، والحق بحمل السلاح والجريمة ودور الشرطة، ودور الرئيس السابق دونالد ترمب وادعاءاته بتزوير الانتخابات والهجوم على مبنى الكابيتول والملفات المرفوعة ضده، والعنصرية وحقوق التصويت والأقليات.
> التضخم أم الإجهاض
تركيز الجمهوريين على الاقتصاد ليس مستغرباً، إذ لطالما شكل نقطة التحريض والجذب الرئيسية في كل الانتخابات الأميركية، بمعزل عن هوية ساكن البيت الأبيض. ومع تضخم غير مسبوق منذ عقود، كان من الطبيعي أن يستغل الجمهوريون تأثيره على حياة المواطنين. وهم يدافعون عن «إنجازات» ترمب الاقتصادية رغم تشكيك العديد من الخبراء بها، ويحمّلون - عن اقتناع أو ولاء مطلق - تبعات جائحة كوفيد-19 في «إفشاله» بانتخابات 2020. وفي المقابل، أمام ضآلة تأثير الإجراءات التي تتخذها إدارة الرئيس الديمقراطي جو بايدن للحد من انعكاسات التضخم، حتى الآن، ثمة محاولة لتحميل «عوامل» خارجية المسؤولية، منها ارتفاع أسعار النفط، على سبيل المثال. كذلك، يراهن الديمقراطيون على تحويل الإجهاض قضيةً لا تعكس قيم «الليبرالية» وحسب، بل وتختصر الصراع مع الجمهوريين المحافظين، الذين يهيمنون اليوم على المحكمة العليا، وأيضاً على المجالس النيابية والمحلية في نحو نصف الولايات الأميركية.
للعلم، منح الدستور الذي وضعه «المؤسسون الأوائل»، كل ولاية من الولايات الأميركية، مهما كان حجمها وعدد سكانها، مقعدين في مجلس الشيوخ. في حين أن مقاعد مجلس النواب، والمجالس المحلية، تحتسب تبعا لعدد سكان الولاية. غير أن سيطرة الجمهوريين على غالبية الولايات الصغيرة والريفية وبعض الولايات الكبرى، منحتهم القدرة على تعديل العديد من القوانين والأحكام التي تنظم حق التصويت وتقسيم المناطق الانتخابية لمصلحتهم. وهو ما سيحرم الديمقراطيين من استغلال تفوقهم بين سكان المدن، والفوز في تلك الولايات.
لكن، وللحفاظ على سيطرتهم على البيت الأبيض ومجلسي الشيوخ والنواب، بما يضمن للرئيس بايدن، حدا أدنى من «الانسجام» مع السلطتين التنفيذية والتشريعية، يحتاج الديمقراطيون إلى أكثر من مجرد غالبية بسيطة في مجلس الشيوخ. وللتغلب على قواعد التعطيل التي يفرضها المجلس، سعى بايدن إلى تعديل عتبة الـ60 صوتا لتقنين حقوق الإجهاض، من أجل الالتفاف على قرار المحكمة العليا. غير أن السيناتورين الديمقراطيين المحافظين، جو مانشين وكيرستن سينيما، يعارضان ذلك. ولقد قال بايدن إنه سيحتاج إلى انتخاب اثنين إضافيين من الديمقراطيين على الأقل لعضوية مجلس الشيوخ، للالتفاف على معارضتهما، وتغيير قواعد التعطيل، المعروف بـ«الخيار النووي»، لتمرير تشريع حقوق الإجهاض.
حالياً، مع انقسام مجلس الشيوخ مناصفة بين الجمهوريين والديمقراطيين، ومعارضة شيخين ديمقراطيين، لا يستطيع صوت نائبة الرئيس كمالا هاريس، رئيسة مجلس الشيوخ، أن يحسم تعديل قانون التصويت. لذا يعتقد كثيرون أن عهد بايدن قد تحسمه انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني)، طبعاً من دون أن يعني ذلك، استحالة فوز الديمقراطيين في انتخابات الرئاسة عام 2024. ذلك أن الظروف والأحكام التي تحسمها، مختلفة ومتشابكة مع عوامل عدة، على رأسها هوية المنافس الخصم.
> من مخاوف الحزبين
الجمهوريون - وخصوصاً «طبقتهم السياسية» - يحذرون صراحة من احتمال خسارتهم السباق الرئاسي إذا كان دونالد ترمب هو المرشح، على ما كرره أخيرا رئيس مجلس النواب الجمهوري السابق بول رايان. وهم يعتقدون أنهم يتمتعون بأفضلية الفوز بالرئاسة، مع عدد كبير من المرشحين القياديين الشباب غير المتورطين بقضايا. وفي المقابل، يعاني الديمقراطيون من غياب الوجوه القيادية، ومن فشل كمالا هاريس في «إحداث فارق»، يمكّنها من الفوز على أي مرشح جمهوري، «ما عدا ترمب»، بحسب بعض الخبراء.
ترمب كان قد واجه في انتخابات 2020، موجة رفض واسعة بلغت أكثر من 7 ملايين صوت شعبي لمصلحة بايدن. وهو يحتاج إلى «معجزة» للخلاص من القضايا والدعاوى المرفوعة ضده. وعلى رأس هذه القضايا، التحقيق في المستندات السرية التي صادرها مكتب التحقيقات الفيدرالية من منزله في مارالاغو بولاية فلوريدا، التي قد تعرضه لتبعات جرمية كافية لإنهاء مستقبله الانتخابي، لا السياسي. ولكن بحسب استطلاع أخير، أعرب 67 في المائة من الجمهوريين، عن أنهم يؤيدون استمراره بلعب دور بارز في الحزب، سواء فشل أو مُنع من الترشح للرئاسة عام 2024.
> صوت المرأة
في الجبهة الأخرى، يجهد الديمقراطيون، للتركيز على حق الإجهاض، ويراهنون على كسب صوت المرأة، لكونها نصف المجتمع، والمعنية الرئيسية والأكثر تضررا من قرار المحكمة العليا، التي ألغت الصيف الماضي القانون الفيدرالي الذي كان يحميها والأطباء والجهاز الطبي من الملاحقة. ووفق الاستطلاعات الأخيرة، لا يزال الناخب الديمقراطي يضع هذه القضية على رأس أولوياته في الانتخابات النصفية.
وحقاً، يأمل الديمقراطيون في أن تحفّز مسألة حق الإجهاض الناخبين وتعبئهم، مراهنين على بعض المؤشرات. ومقابل استطلاعات رأي تشير إلى أن قضية الإجهاض تأتي في المرتبة الثانية، بعد التضخم والاقتصاد عموماً، أظهر استطلاع حديث لمؤسسة «كايسر فاوندايشن»، أن 50 في المائة من الناخبين المسجلين، رأوا أن قرار المحكمة العليا جعلهم أكثر حماسا للتصويت الشهر المقبل، بزيادة 7 نقاط مئوية على شهر يوليو (تموز) الماضي، عندما طُرح السؤال نفسه بعد أسابيع قليلة من صدور الحكم. كذلك قال حوالي نصف الناخبين في الولايات التي تفرض حظراً كاملاً على الإجهاض إن قوانين الإجهاض في ولاياتهم جعلتهم أكثر تحمساً للتصويت. وأظهر تحقيق لوكالة «أ.ف.ب» الفرنسية، أن ناخبين جمهوريين - خصوصا من النساء - قد يصوّتون مع الديمقراطيين، في بعض الولايات الحاسمة كولاية بنسلفانيا، بسبب تخوفهم من استعداد ولايتهم لحظر هذا الحق، في حال فوز المرشحين الجمهوريين المدعومين من ترمب. ووجد الاستطلاع أن قرار المحكمة العليا يحفّز النساء بشكل خاص، إذ أشار إلى أن حوالي 3 من كل 5 نساء تتراوح أعمارهن بين 18 و49 سنة، قلن إنهن من المرجح أن يتوجهن إلى صناديق الاقتراع الشهر المقبل.
أخيراً، رغم الجهود التي يبذلها الرئيس بايدن لتحسين أداء إدارته في خفض التضخم، يحتاج الديمقراطيون إلى تغيير الكثير في المشهد المحيط بحكمهم، إذا ما أرادوا الحفاظ على سيطرتهم على مجلسي الشيوخ والنواب. وفي ظل «الإحباط» من تخبط إدارته في معالجة مشاكل الهجرة والعمل والعمالة والأمن والسلاح والطاقة والمناخ، ينبغي عليهم أيضا، حض الناخبين على المشاركة في التصويت بكثافة، وإقناع المستقلين وخصوصا الأغلبية الصامتة، برجاحة التصويت على حق الإجهاض، كقضية ترمز إلى الدفاع عن «الديمقراطية» المهددة. وبحسب إحصاءات أخيرة، بات ممثلو اليمين المحافظ والشعبوي - من الذين يشككون في شرعية انتخابات 2020 - يشكلون غالبية المرشحين الجمهوريين في الانتخابات النصفية.
واشنطن: إيلي يوسف- الشرق الأوسط

نيسان ـ نشر في 2022-10-23 الساعة 07:32

الكلمات الأكثر بحثاً