اتصل بنا
 

مكاور اهتمام طارئ بعد سنين من الإهمال

نيسان ـ نشر في 2022-10-25 الساعة 07:47

نيسان ـ لم يشفع لها تاريخها الموغل في القدم العائد إلى العهد المكابي حيث قام ببناء قلعتها الإسكندر جانيوس سنة ٩٠ قبل الميلاد لتكون حاجزا وحدّاً يحول بين الدولة الرومانية ودولة العرب الأنباط
حيث شكّلت مكاور مركزا لمقاومة التوسع الروماني الذي ضَعُفَ بسيطرتهم عليه سنة ٥٧ ق.م، حتى جاءها الازدهار على يد هيرودس الكبير( الأول) سنة ٢٥ ق.م، الذي أعاد اعمارها وتشييدها من جديد وانشأ الى جانبها مدينة عامرة وظلت كذلك حتى دمرها الرومان بقيادة لوسيليوس باسوس، وخلال الفترة الممتدة من القرن السادس حتى التاسع ميلادي قصدها الرهبان المسيحيون وأقاموا فيها لكن تكرار تعرضها للغزو جعلها تفقد جزءا من معالمها الحضارية.
كلّ ما ذكرته عن تاريخ مكاور والحقب التاريخية التي مرّت عليها والتي يضيق المقال بذكرها، إلى جانب قربها من عمّان العاصمة فالمسافة بينهما لا تتجاوز السبعين كيلو متر، كلّ ذلك لم يشفع لها لأن تحضى باهتمام رسمي حقيقي يجعل منها قبلة سياحية بل على العكس عانت على مدار عقود من الإهمال والتهميش فتركت القلعة تصارع معاول الباحثين عن الدفائن والكنوز حتى تغيرت معالمها وتشوهت وكل المعنيين يعلمون ذلك دون أن يغيروا ساكنا وكأنهم يريدوا لها أن تنهار أو تزول ليحمّلوا المسؤولية للزمن، أو لعابر سبيل، أو للهو الخفي.
محزن أن تكون مادبا عاصمة السياحة العربية لعام ٢٠٢٢م والتي تم الإعلان عنها باحتفال تقليدي امتد لساعات وغادر المحتفلون وظلت مكاور ومادبا على حاليهما وهاهو العام شارف على الإنتهاء ولم نلمس أثر العاصمة السياحية فالمقدمات تقود إلى النتائج التي بتنا نستخلصها مقدما من العناوين.
محزن أن تكون مكاور رغم مرور عقدين ونيف من الزمان على إختيار الفاتيكان لها لتكون إحدى مناطق الحج المسيحي المقدس بهذا الحال الذي يفتقر لادنى الخدمات وندعي أننا نشجّع السياحة فأي تشجيع يناله السائح إذا يمّم وجه شطرك يا مكاور؟.
محزن أن تخلو مكاور من مركز للزوار وأن يترك المكان للزمان ليفعل فيه ما يريد رغم وجود أقدم لوحة للفسيفساء على أرضه تعود للقرن الأول الميلادي وبدل المحافظة عليها وابراز مظاهرها الجمالية تم نقل هذه اللوحة إلى المتنزه الأثري في مادبا فمكاور قد لا تليق ببقائها، على الرغم من وجود معهد للفسيفساء في مادبا كان الأحرى به أن يجعل مختبره العلمي والجانب التطبيقي في مكاور بدل الانكفاء على نفسه في مادبا وتحويل المخصصات الضخمة التي بلغت حسب موازنة مجلس محافظة مادبا لعام ٢٠٢٣م ١،١٥٦٠٠٠، تحت بند تشغيل وتأهيل طلبة المناطق النائية في معهد الفسيفساء، فهل من المعقول أن يتحول معهد تعليمي أكاديمي إلى جهة تشغّل بعض المتعطلين عن العمل لمدة شهر أو شهرين مقابل ( ٩٠- ١٠٠) دينار؟ بدل أن توجّه هذه المبالغ إلى العناية بالمواقع السياحية مثل مكاور الذي لو وضع ربع هذا المبلغ للعناية بموقعها وتدريب أبناء المنطقة الذين يحمل جلهم درجات علمية بتخصصات مختلفة لاحدثنا تنمية حقيقية بدل تشغيل بعض الأشخاص لمدة شهر أو شهرين ثم إعادتهم إلى صف المتعطلين عن العمل، أمر محزن أن خططنا التنموية تعمل وفقا لهذا النهج.
ومحزن أكثر أن مكاور التي شهدت قبل اسبوع ونيف فعالية سياحية بتاريخ ٨/١٠/٢٠٢٢م بتنظيم من هيئة تنشيط السياحة والتي رعاها وزير السياحة، غادرها المحتفلون وراعي الاحتفالية وعادت مكاور تلتف بثوب النسيان على أمل أن يتذكروها بفعالية أخرى تعيدها إلى واجهة الذاكرة.
لا أدري لماذا يترك موقع مكاور الأثري دون أي اهتمام هل هناك نية لخصصة الموقع حيث سبق وأن أعطي الموقع لجمعية تعاونية لمدة عشرسنوات لقاء مبلغ أخجل من ذكره( ٥٠٠ دينار أردني ) لكامل المدة وقامت الجمعية بفرض رسم دخول للموقع على مدار المدة أعلاه كان مردوده يذهب إليها دون أن ينتفع الموقع وأهل مكاور بفلس واحد، ولا أدري هل هذه الجمعيات ومثيلاتها يخضعن لرقابةديوان المحاسبة والمتابعة والتقييم للمنح التي يحصلون عليها؟
الأمر يحتاج إلى وقفة مراجعة، فهل المطلوب أن يبقى الموقع مهملا حتى تأتي جمعية أخرى وتحصل على منحة لا نعلم كيف تنفق وإلى أين تذهب ارباحها؟
الأصل أن يكون أهل المنطقة في أي قرار يتعلق بتنمية مكاور وهذا ما ينادي به جلالة الملك المفدى في لقاءاته المتكررة بضرورة إشراك أبناء المناطق في قرارات التنمية الخاصة بمناطقهم على غرار مدينة البتراء التي ينص قانون سلطة الإقليم على ذلك، لا أن يتم استخدامهم عمالا و حرّاسا بينما يتنعم أصحاب الجمعيات بارباح المواقع واسثماراتها، خاصة أن مكاور قد تم تغييب أهلها عن أي قرار تم إتخاذه في الجانب السياحي على الرغم من كون القرية التراثية في المنطقة والاراضي والمباني القديمة المقامة عليها هي تبرع من أبناء شيخ عشيرة أبوقاعود المرحوم مسلّم النوري أبوقاعود.
مكاور تئن من غياب الاهتمام الحكومي بعد أن هجرها الكثير من أهلها لشح الخدمات فلا يعقل أن نكون في الربع الأخير من العام ٢٠٢٢م ومكاور بلا وسيلة نقل ونتحدث عن السياحة وتشجيعها وتنمية المناطق الريفية.
مكاور كنز أثري يعاني الإهمال، مكاور بلدة غزيرة بالمعرفة والثقافة فجلّ أبنائها يحملون مؤهلات علمية بدرجات مختلفة يزورونها كلما سنحت الفرصة ويرون بأم أعينهم تردي حالها كي تكون فريسة لجمعية أخرى تستولي على ما تبقى من معالمها.

نيسان ـ نشر في 2022-10-25 الساعة 07:47


رأي: الدكتور عبدالهادي أبو قاعود

الكلمات الأكثر بحثاً