اتصل بنا
 

انزياحات سعودية بعيداً عن واشنطن

نيسان ـ نشر في 2022-10-26 الساعة 21:11

نيسان ـ أطلق الرئيس الأميركي جو بايدن تهديداً مبطناً بعد قرار منظمة (أوبك- بلاس) في يوم 5 تشرين الأول الماضي، بتخفيض إنتاج النفط بمليوني برميل يومياً للحفاظ على الأسعار القائمة، عندما قال بأن هناك “نتائج ستترتب على العلاقات مع السعودية” نتيجة ذلك، فيما قال جاك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأميركي، بأن “الرئيس سيعمل بشكل استراتيجي ومنهجي من أجل الرد على ما فعلته السعودية في أوبك- بلاس، بما فيها تغييرات في المساعدات الأمنية”.
وقد ذكرت شبكة NBC NEWS بأن إدارة بايدن تدرس خطوات لثني الشركات الأميركية عن توسيع شراكاتها مع السعودية، بما فيها الطلب منها عدم حضور ما يسمى بـ”دافوس الصحراء: مؤتمر مبادرة الاستثمار المستقبلي” المقرر عقده بالرياض في الخامس والعشرين من الشهر الحالي والذي لن يحضره أي مسؤول أميركي فيما كان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب يرسل وزير المالية إليه، بينما اكتفى بايدن العام الماضي بإرسال مساعد وزير التجارة.
يمكن مقارنة ما فعلته السعودية في عام 2022 بالتوافق مع روسيا، وهما أكبر مصدرين للنفط في العالم تجاه الحفاظ على أسعار النفط المرتفعة التي هي الممول الرئيسي للجهد الحربي الروسي الآن وهي السبب الرئيسي (مع أسعار الغاز) في الأزمة الاقتصادية الأوروبية الراهنة، مع ما قامت به الرياض في عام 2014 من إغراق أسواق النفط للتأثير على الواردات الروسية المالية من النفط بناءً على طلب أميركي وذلك إثر أزمة القرم، وهو ما أدى إلى انخفاض قياسي نزولي غير مسبوق بأسعار النفط من 115دولار لبرميل برنت في حزيران 2014 إلى 44 دولاراً في كانون الثاني 2015.
هذه المقارنة تعطي مؤشراً على مدى تدهور العلاقة بين الرياض وواشنطن، هذا التدهور الذي كانت محطته الكبرى والأولى هي اعتراض السعودية على الاتفاق النووي الأميركي مع ايران في 14 تموز 2015، بكل ما عناه وما رافقه من غض بصر أميركي عن التمددات الإيرانية في الإقليم بما فيه اليمن الذي من الواضح أن واشنطن ليست على موقف واحد مع الرياض تجاه الحوثيين، ثم (أزمة قتل جمال خاشقجي) في تشرين الأول 2018، حيث أشار تقرير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بشكل “ما” إلى مسؤولية ولي العهد السعودي، وقد كان ملفتاً أن التقرير الذي تسرب وقتها بعضاً من مضمونه وقامت إدارة ترامب بوضعه في الدرج قد قام بايدن بنشره بالشهر التالي لدخوله البيت الأبيض، وكما كان تحسن العلاقات السعودية – الأميركية قد انبنى على سحب ترامب التوقيع الأميركي من الاتفاق النووي مع إيران في 8 أيار 2018، مما انعكس على موقف رخو للبيت الأبيض من أزمة خاشقجي، فإن الغيوم قد عادت لجو العلاقات بينهما مع استئناف إدارة بايدن للمفاوضات مع إيران في نيسان 2021 من أجل إحياء الاتفاق النووي.
في هذا الإطار، كانت الحرب الأوكرانية بعام 2022 مرآة كاشفة لمدى تدهور العلاقات بين الرياض وواشنطن، حيث لم تستجب السعودية طوال ثمانية أشهر مضت من الحرب للضغوط الأميركية الكثيفة من أجل إغراق السوق العالمية بالنفط السعودي عبر زيادة الإنتاج وذلك لتخفيض أسعار النفط التي بلغت 110دولار- برنت في آذار 2022 فيما كانت70 دولاراً في أيلول 2021 وهي الآن بيوم 17 من الشهر الحالي على 91 دولاراً.
وقد كانت زيارة بايدن للسعودية في تموز الماضي أساساً من أجل ذلك، كما كشف فيما بعد، ولكنه لم ينجح في مسعاه، والأرجح أن عدم استقبال الأمير محمد بن سلمان للرئيس الأميركي في مطار جدة قد عبر عن كوامن التوتر الكبير بينهما، ويبدو أن مسعى بايدن إلى ترميم العلاقات السعودية- الأميركية، في وقت يحتاج فيه للسعودية لتخفيض سعر النفط حيث غالون البنزين هو ناخب كبير في الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي الشهر القادم، قد اصطدم برغبة ولي العهد السعودي في فوز الجمهوريين الذين كانت علاقات الرياض معهم أيام ترامب أفضل بما لا يقاس من الإدارة الديمقراطية في عهد بايدن وأيضاً أوباما من قبله.
هنا، لا يفكر ولي العهد السعودي بالاقتصاد من خلال تنسيقه مع بوتين بما يخص أسعار النفط بل بالسياسة، وهو قد ألمح أيام أزمة خاشقجي إلى “خيارات أخرى” للسعودية غير العلاقات الأحادية الوثيقة مع الولايات المتحدة، التي تتصرف منذ “قمة ترعة السويس” في آذار 1945 بين الملك عبد العزيز آل سعود والرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت، وكأن الأسرة السعودية المالكة هي “حارس أو ناطور على النفط” الذي تعتبره واشنطن خاصاً لها، وعندما قام الملك فيصل بن عبدالعزيز بحظر النفط في حرب 1973 كان رد فعل واشنطن شديداً، وها هو الأمير محمد بن سلمان يقوم وبشكل أبعد مدى بإزعاج الولايات المتحدة نفطياً بالقياس إلى ما فعله عمه قبل نصف قرن.
كتكثيف: ما يجري الآن من الرياض تجاه واشنطن يمكن أن يقود إلى توليد تطورات دراماتيكية في لوحة إقليم الشرق الأوسط برمتها، كما حصل مع انزياح الرئيس المصري جمال عبدالناصر بعيداً باتجاه الاتحاد السوفياتي منذ شهر أيلول 1955، وكما جرى ، ولو بنتائج لم تشمل عموم الإقليم بل تركزت في سوريا، عبر الانزياح التركي نحو روسيا بعيداً عن واشنطن منذ قمة بوتين- أردوغان في موسكو بيوم 9 آب 2016.

نيسان ـ نشر في 2022-10-26 الساعة 21:11


رأي: محمد سيد رصاص

الكلمات الأكثر بحثاً