الصدفة مكنت كبير خبراء أدب إميل زولا من الكشف عن سر عبقريته
نيسان ـ نشر في 2022-11-04 الساعة 15:33
نيسان ـ من المؤكد أن كثراً من قراء الروائي الفرنسي إميل زولا، ولا سيما منهم أولئك الذين قرأوا سلسلة رواياته "آل روغون – ماغار" المؤلفة من 20 رواية تقع معاً في ألوف الصفحات، كان يستوقفهم في تلك الروايات المتصلة – المنفصلة أمر يقف خارج التقييم الأدبي، وبعيداً من لعبة الإبداع. فهؤلاء، أمام الوصف الدقيق في رواياته ليس فقط للمناطق الجعرافية والأحداث التاريخية التي تزدحم بها الروايات المتنقلة في أحداثها بين المدن والأرياف والأحداث أيام الإمبراطورية الثانية عند العقود الأخيرة من القرن الـ19، كان ما يثير دهشتهم حقاً الكيفية التي تمكن بها زولا من كتابة كل هذا في فصول عديدة بواقعية سرعان ما بات توصيفها بـ"النزعة الطبيعية" أكثر ملاءمة لها. وهو ما سيقترحه لاحقاً الكاتب نفسه، ما رسخه منذ ذلك الحين اسماً لتيار بات ذات زمن سائداً في فرنسا، وكذلك في أنحاء عديدة من العالم وعلى ألسنة كتاب اعترفوا بدينهم تجاهه معتبرين أنهم هم بدورهم "طبيعيين" في رواياتهم. لقد كان السؤال الدائم هو: ترى كيف اختزنت ذاكرة كاتب النصف الثاني من القرن الـ19 كل تلك المعلومات الدقيقة عن حياة الناس وطوبوغرافية الأماكن وردود فعل الشخصيات ونمو العلاقات الاجتماعية، ناهيك بالترابط الذي يبدو دائماً خلاقاً بين الأشخاص والأماكن والأحداث؟
رب صدفة
في أزمنتنا هذه كان يمكن للإجابة عن مثل هذه الأسئلة أن تكون منطقية، ولا سيما بعد ظهور الدراسات الأنثروبولوجية والكاميرا السينمائية، ولكن في زمن زولا كان الأمر يبدو أقرب إلى اللغز، لكن الباحث الفرنسي هنري ميتران الذي كان يعتبر ولسنوات طويلة قبل رحيله أوائل القرن الـ21 أكبر وأدق خبير فرنسي في أدب زولا وحياته، لم يرتح باله إلا حين فك اللغز. فهو قبل نحو ثلث قرن من الآن، فوجئ وهو يتمشى على ضفة نهر السين وسط العاصمة الفرنسية متبحراً في الكتب العتيقة المعروضة للبيع، بكتاب شبه مهترئ لم يكن يعرف شيئاً عن وجوده ويحمل اسم إميل زولا كمؤلف له. ولم يكن الكتاب رواية ولا سيرة لزولا ولا نسخة من أي كتاب سياسي أو نقدي له، ولا حتى مجموعة تضم تحقيقاته الصحافية. كان كتاباً يضم 12 تحقيقاً مليئة بالرسوم والتخطيطات والمعلومات منشورة كما هي مصورة بخط المؤلف الشهير. طبعاً كما كان يجدر بهنري ميتران أن يفعل اشترى الكتاب وهو مدرك أنه قد عثر على كنز. وتحديداً على ذلك الجواب عن السؤال الذي كانت لديه هو إرهاصات على الأقل بأنه لا بد أن يكون موجوداً في مكان ما.
من "الريبراج" إلى "الكاستنغ"
في التحضيرات التي تجرى اليوم لتحقيق فيلم سينمائي ثمة عملية يقوم بها المخرج مع مساعديه مهمتها اكتشاف الأماكن المناسبة لتصوير مشاهد الفيلم، وأخرى تتعلق باختيار الممثلين الملائمين، وما إلى ذلك، وهاتان العمليتان، بين عمليات أخرى، من المستحيل تحقيق الفيلم من دونهما، وهما تسميان "الريبراج" و"الكاستنغ" في اللغة العالمية التي باتت لغة السينما. والحقيقة أن تينك العمليتين هما بالتحديد ما كان يقوم به إميل زولا مرات عديدة في كل مرة يشرع فيها بكتابة رواية من رواياته، ما يمكن اعتباره الممارسة الأولى لفن الاستقصاء التمهيدي. ولقد ساعد زولا على القيام بالأمر ببراعة تبدو لنا اليوم مدهشة امتهانه الصحافة الاستقصائية قبل خوضه الكتابة الروائية، ولكن هنا بالنسبة إلى ذلك التمهيد كان من الواضح أنه لم يكن مهتماً بأن ينشر نتائج تلك الاستقصاءات بالنظر إلى أنه كان يعتبر الروايات نفسها كافية، ولكن الذي حدث بعد ذلك هو أن ناشر رواياته ارتأى فائدة جمعها ونشرها ثم نسيت قبل أن يكتشفها وبالصدفة الباحث الذي كان من غرائب الأمور كونه أكثر المعنيين بها في العالم.
والحقيقة أن هنري ميتران لم يضيع وقته لأنه بعد أن سبر كل ما في الكتاب وتفحص التحقيقات بدقة متسائلاً عما إذا لم يكن ثمة غيرها من نصوص واسكتشات لم تنشر بعد، اكتفى بعد جهود بحث أخرى بنحو 400 صفحة اشتغل عليها بعد أن توافق مع جان مالوري، الأنثربولوجي المعروف ومؤسس سلسلة كتب "أرض البشر" لدى الناشر "بلون" – وهي السلسلة الشهيرة التي نشرت، بين روائع لا تضاهى، "يوميات نائب في الأرياف" لتوفيق الحكيم، وثلاثة كتب عن العالم العربي للرحالة الإنجليزي ويلفريد تيسيغير، وكتاباً للقسيس اللبناني خليل عبو عن مهاجرين لبنانيين... إلخ – توافق معه على أن ينشر النص المكتشف في السلسلة نفسها وليس لدى ناشري روايات زولا. ولئن كان هذا هو السبب الذي جعل "دفاتر تحقيقات" غير متداول إلا بين غلاة الأخصائيين والأكاديميين، فإن ذلك كان مقصوداً وتحديداً لأن ملايين القراء الذي يقرأون روايات زولا اليوم قد لا يستسيغون ذلك النوع من الكتابات تبعاً لنظرية لأندريه مالرو فحواها أنك قد تفقد حبيبتك سحرها وغموضها إن رحت تحللها وتشرحها من منظور علمي. ولا شك أن هذا يفسر غياب الكتاب عن التداول العام حتى اليوم.
دهشة
لكن الذين حازوا نسخاً منه وقرأوه أبدوا دهشة كبيرة أمام كاتب سبق متابعيه من مبدعي الأدب "الواقعي الطبيعي" من أمثال ترومان كابوتي وبروس شاتوين وحتى جون دوس باسوس وستيفن كرين – ويا للغرابة أن يكونوا كلهم من الأميركيين- في الغرق بجمع المعلومات ميدانياً وحتى قبل أن يخط حرفاً في أي من رواياته. فنجده مثلاً يشتري قطعة ريفية من الأرض ويتحرى أوليات التعايش معها لاستغلالها وسط جيران بالكاد يفهم واحد منهم أن جاره الجديد كاتب (رواية "الأرض")، أو يختلط بأوساط عمال السكك الحديدية لفهم تفاصيل عملهم (كما في "الوحش البشري")، أو يمضي ليالي ونهارات بطولها في الحانات (لكتابة رواياته "المهلك" عن تناول الخمر بإدمان وتأثيره الاجتماعي)، أو يعيش أياماً بطولها متنقلاً بين المخازن الكبرى متحدثاً إلى بائعاتها الحسناوات عن حياتهن وظروف عملهن (قبل كتابة روايته الجميلة "لسعادة النساء")، وصولاً إلى اختلاطه بأوساط البورصة وضروب الاحتيال التي تتم من حول تعاملاتها (كي يضفي على روايته "المال" أكبر قدر ممكن من الواقعية)، وهو حتى وإن لم يكن لكتابة روايته "العمل الفني" في حاجة إلى أن يتحرى كثيراً حول عمل الرسامين وعلاقتهم بالأدباء، بالنظر إلى أنه استخدم صديقيه إدوار مانيه، وبخاصة بول سيزان موديلين له، كما أنه جعل من نفسه هو بالذات موديلاً للناقد والأديب الذي يتناقش معهما – مما سيتسبب له في تلك القطيعة المفترضة مع صديق طفولته سيزان، حين أدرك هذا أن الرسام كلود لانتييه الذي تصور الرواية فشله وصولاً إلى انتحاره أمام لوحته الأخيرة، إنما رسمه زولا صورة طبق الأصل له – فإنه طرح مئات الأسئلة على الفنانين من رفاقه.
zola_carnets.jpg
غلاف الطبعة الأولى (والأخيرة) من "دفاتر تحقيقات" (منشورات بلون)
بين "الشعب"
غير أن كل تلك التمهيدات تبقى عادية تقريباً بالمقارنة مع جولات كان يقوم بها إميل زولا في أسواق الخضراوات (الهال الباريسي) محدقاً في البائعين والشارين واصفاً في دفاتره لغة هؤلاء ولهجة أولئك مركزاً اهتمامه على الأسعار وتقلباتها وزجر الأمهات لأبنائهن، إذ "يشيطنون"، ليجعل من ذلك كله مقاطع بأسرها في تحفته "في بطن باريس"، أو حين راح يركب القطارات بين باريس ومانت وباريس وغيرها من مدن أكثر بعداً ليراقب تصرفات الركاب في الدرجة الأولى حيناً والدرجتين الثانية والثالثة في أحيان كثيرة في لحظات يترافق فيها مع "الشعب"، بحسب تعبيره، ومن ثم يستخدم المشاهد في روايات عديدة له. غير أن الذروة الكبرى في هذا كله تبقى حكايته التي سيستخدمها كجزء أساسي من روايته "جرمينال" التي تدور في عالم عمال المناجم "ذوي الوجوه المتفحمة دائماً"، بحسب تعبيره. فهو هناك وفي واحدة من بلدات المناجم الأكثر عمقاً وبؤساً، ارتدى أثمال العمال وفحم وجهه وعاش معهم يشاطرهم مساءاتهم وصباحاتهم ولم يتردد في النزول إلى المناجم معهم مخاطراً ليس فقط بأن يهلك أو أن يصاب بحادثة ما، بل بأن يكتشفوا حقيقته فيعتبرونه متطفلاً بعثته الإدارة ليتجسس عليهم. فهم، تبعاً لمنطق عملهم قساة لا يتورعون عن تدمير من يعاديهم أو يخونهم، بقدر ما هم طيبون مع من هو طيب معهم. ويبدو أن إميل زولا (1840 – 1902)، كان من الصنف الأخير، وإلا لما وصلت إلينا روايته الرائعة هذه.
رب صدفة
في أزمنتنا هذه كان يمكن للإجابة عن مثل هذه الأسئلة أن تكون منطقية، ولا سيما بعد ظهور الدراسات الأنثروبولوجية والكاميرا السينمائية، ولكن في زمن زولا كان الأمر يبدو أقرب إلى اللغز، لكن الباحث الفرنسي هنري ميتران الذي كان يعتبر ولسنوات طويلة قبل رحيله أوائل القرن الـ21 أكبر وأدق خبير فرنسي في أدب زولا وحياته، لم يرتح باله إلا حين فك اللغز. فهو قبل نحو ثلث قرن من الآن، فوجئ وهو يتمشى على ضفة نهر السين وسط العاصمة الفرنسية متبحراً في الكتب العتيقة المعروضة للبيع، بكتاب شبه مهترئ لم يكن يعرف شيئاً عن وجوده ويحمل اسم إميل زولا كمؤلف له. ولم يكن الكتاب رواية ولا سيرة لزولا ولا نسخة من أي كتاب سياسي أو نقدي له، ولا حتى مجموعة تضم تحقيقاته الصحافية. كان كتاباً يضم 12 تحقيقاً مليئة بالرسوم والتخطيطات والمعلومات منشورة كما هي مصورة بخط المؤلف الشهير. طبعاً كما كان يجدر بهنري ميتران أن يفعل اشترى الكتاب وهو مدرك أنه قد عثر على كنز. وتحديداً على ذلك الجواب عن السؤال الذي كانت لديه هو إرهاصات على الأقل بأنه لا بد أن يكون موجوداً في مكان ما.
من "الريبراج" إلى "الكاستنغ"
في التحضيرات التي تجرى اليوم لتحقيق فيلم سينمائي ثمة عملية يقوم بها المخرج مع مساعديه مهمتها اكتشاف الأماكن المناسبة لتصوير مشاهد الفيلم، وأخرى تتعلق باختيار الممثلين الملائمين، وما إلى ذلك، وهاتان العمليتان، بين عمليات أخرى، من المستحيل تحقيق الفيلم من دونهما، وهما تسميان "الريبراج" و"الكاستنغ" في اللغة العالمية التي باتت لغة السينما. والحقيقة أن تينك العمليتين هما بالتحديد ما كان يقوم به إميل زولا مرات عديدة في كل مرة يشرع فيها بكتابة رواية من رواياته، ما يمكن اعتباره الممارسة الأولى لفن الاستقصاء التمهيدي. ولقد ساعد زولا على القيام بالأمر ببراعة تبدو لنا اليوم مدهشة امتهانه الصحافة الاستقصائية قبل خوضه الكتابة الروائية، ولكن هنا بالنسبة إلى ذلك التمهيد كان من الواضح أنه لم يكن مهتماً بأن ينشر نتائج تلك الاستقصاءات بالنظر إلى أنه كان يعتبر الروايات نفسها كافية، ولكن الذي حدث بعد ذلك هو أن ناشر رواياته ارتأى فائدة جمعها ونشرها ثم نسيت قبل أن يكتشفها وبالصدفة الباحث الذي كان من غرائب الأمور كونه أكثر المعنيين بها في العالم.
والحقيقة أن هنري ميتران لم يضيع وقته لأنه بعد أن سبر كل ما في الكتاب وتفحص التحقيقات بدقة متسائلاً عما إذا لم يكن ثمة غيرها من نصوص واسكتشات لم تنشر بعد، اكتفى بعد جهود بحث أخرى بنحو 400 صفحة اشتغل عليها بعد أن توافق مع جان مالوري، الأنثربولوجي المعروف ومؤسس سلسلة كتب "أرض البشر" لدى الناشر "بلون" – وهي السلسلة الشهيرة التي نشرت، بين روائع لا تضاهى، "يوميات نائب في الأرياف" لتوفيق الحكيم، وثلاثة كتب عن العالم العربي للرحالة الإنجليزي ويلفريد تيسيغير، وكتاباً للقسيس اللبناني خليل عبو عن مهاجرين لبنانيين... إلخ – توافق معه على أن ينشر النص المكتشف في السلسلة نفسها وليس لدى ناشري روايات زولا. ولئن كان هذا هو السبب الذي جعل "دفاتر تحقيقات" غير متداول إلا بين غلاة الأخصائيين والأكاديميين، فإن ذلك كان مقصوداً وتحديداً لأن ملايين القراء الذي يقرأون روايات زولا اليوم قد لا يستسيغون ذلك النوع من الكتابات تبعاً لنظرية لأندريه مالرو فحواها أنك قد تفقد حبيبتك سحرها وغموضها إن رحت تحللها وتشرحها من منظور علمي. ولا شك أن هذا يفسر غياب الكتاب عن التداول العام حتى اليوم.
دهشة
لكن الذين حازوا نسخاً منه وقرأوه أبدوا دهشة كبيرة أمام كاتب سبق متابعيه من مبدعي الأدب "الواقعي الطبيعي" من أمثال ترومان كابوتي وبروس شاتوين وحتى جون دوس باسوس وستيفن كرين – ويا للغرابة أن يكونوا كلهم من الأميركيين- في الغرق بجمع المعلومات ميدانياً وحتى قبل أن يخط حرفاً في أي من رواياته. فنجده مثلاً يشتري قطعة ريفية من الأرض ويتحرى أوليات التعايش معها لاستغلالها وسط جيران بالكاد يفهم واحد منهم أن جاره الجديد كاتب (رواية "الأرض")، أو يختلط بأوساط عمال السكك الحديدية لفهم تفاصيل عملهم (كما في "الوحش البشري")، أو يمضي ليالي ونهارات بطولها في الحانات (لكتابة رواياته "المهلك" عن تناول الخمر بإدمان وتأثيره الاجتماعي)، أو يعيش أياماً بطولها متنقلاً بين المخازن الكبرى متحدثاً إلى بائعاتها الحسناوات عن حياتهن وظروف عملهن (قبل كتابة روايته الجميلة "لسعادة النساء")، وصولاً إلى اختلاطه بأوساط البورصة وضروب الاحتيال التي تتم من حول تعاملاتها (كي يضفي على روايته "المال" أكبر قدر ممكن من الواقعية)، وهو حتى وإن لم يكن لكتابة روايته "العمل الفني" في حاجة إلى أن يتحرى كثيراً حول عمل الرسامين وعلاقتهم بالأدباء، بالنظر إلى أنه استخدم صديقيه إدوار مانيه، وبخاصة بول سيزان موديلين له، كما أنه جعل من نفسه هو بالذات موديلاً للناقد والأديب الذي يتناقش معهما – مما سيتسبب له في تلك القطيعة المفترضة مع صديق طفولته سيزان، حين أدرك هذا أن الرسام كلود لانتييه الذي تصور الرواية فشله وصولاً إلى انتحاره أمام لوحته الأخيرة، إنما رسمه زولا صورة طبق الأصل له – فإنه طرح مئات الأسئلة على الفنانين من رفاقه.
zola_carnets.jpg
غلاف الطبعة الأولى (والأخيرة) من "دفاتر تحقيقات" (منشورات بلون)
بين "الشعب"
غير أن كل تلك التمهيدات تبقى عادية تقريباً بالمقارنة مع جولات كان يقوم بها إميل زولا في أسواق الخضراوات (الهال الباريسي) محدقاً في البائعين والشارين واصفاً في دفاتره لغة هؤلاء ولهجة أولئك مركزاً اهتمامه على الأسعار وتقلباتها وزجر الأمهات لأبنائهن، إذ "يشيطنون"، ليجعل من ذلك كله مقاطع بأسرها في تحفته "في بطن باريس"، أو حين راح يركب القطارات بين باريس ومانت وباريس وغيرها من مدن أكثر بعداً ليراقب تصرفات الركاب في الدرجة الأولى حيناً والدرجتين الثانية والثالثة في أحيان كثيرة في لحظات يترافق فيها مع "الشعب"، بحسب تعبيره، ومن ثم يستخدم المشاهد في روايات عديدة له. غير أن الذروة الكبرى في هذا كله تبقى حكايته التي سيستخدمها كجزء أساسي من روايته "جرمينال" التي تدور في عالم عمال المناجم "ذوي الوجوه المتفحمة دائماً"، بحسب تعبيره. فهو هناك وفي واحدة من بلدات المناجم الأكثر عمقاً وبؤساً، ارتدى أثمال العمال وفحم وجهه وعاش معهم يشاطرهم مساءاتهم وصباحاتهم ولم يتردد في النزول إلى المناجم معهم مخاطراً ليس فقط بأن يهلك أو أن يصاب بحادثة ما، بل بأن يكتشفوا حقيقته فيعتبرونه متطفلاً بعثته الإدارة ليتجسس عليهم. فهم، تبعاً لمنطق عملهم قساة لا يتورعون عن تدمير من يعاديهم أو يخونهم، بقدر ما هم طيبون مع من هو طيب معهم. ويبدو أن إميل زولا (1840 – 1902)، كان من الصنف الأخير، وإلا لما وصلت إلينا روايته الرائعة هذه.
نيسان ـ نشر في 2022-11-04 الساعة 15:33
رأي: إبراهيم العريس