من هو المتطرف؟
نيسان ـ نشر في 2015-04-19
شهدنا خلال الفترة السابقة كميات وافرة من التهم تكال وتوزن" للمتطرفين " ، منها على سبيل المثال لا الحصر أنهم سبب تخلفنا بل هم بذاتهم مظهر من مظاهره ، وأنهم المشكلة التي لا بد أن تواجهها الدول ، قبل الفقر والبطالة والاستبداد الفساد السياسي والاقتصادي ، لإنهم شئنا أم أبينا العقبة التي تمنعنا من الوصول إلى المكان الذي وصل إليه العالم !! .
هذه التصريحات وغيرها تحرك في ذهن القارئ الكثير من الأسئلة : من هو هذا المتطرف الذي يتحدثون عنه ؟ هل سأعرفه إذا رايته ؟ كيف نسمح لمثل هؤلاء أن يعيشوا بيننا وهم يشكلون مثل هذا الخطر المحدق ؟ هل سيغطي التأمين الصحي تكلفة معالجتي في حال – لا قدر الله – لمست أحدهم بطريق الخطأ ؟.
لربما نذكر هذه الأسئلة اليوم من باب التندر ، ولكننا لن نستغرب طرحها قريبا في هذا السوق الذي يبدو أنه خاضع للعرض والطلب أكثر مما يعتمد على التصنيفات الفكرية الدقيقة ، والبحث العلمي المتجرد .
من خلال استقراء مقالات الأسابيع الماضية نجد أن تعريف التطرف فضفاض غير منضبط، غير منهجي، وغير تابع للقواعد الأكاديمية في تعريف المصطلحات، بل هو في جانب منه " طبيخ شحاذين" يجمع الغث والسمين من أراء شخصية وعداوات قديمة ، ولغة متحاملة ، و ركوب للموجة و اصطياد في الماء العكر ، كل ذلك مغطى بأسماء لامعة ومصطلحات مركبة تشعر القارئ أنه - وإن لم يفهم العبارة – مضطر للرضوخ للمثقف المليئ والخبير والذي يعرف مصلحة الشعب والأمة .
أي شخصية تؤمن بضرورة تطبيق الشريعة، أو حتى أفضلية تطبيقها ، وأي شخصية تؤمن بعدم دخول غير المسلمين في حيز الإسلام!! هي شخصية متطرفة حسب تعريفات أصحاب السماحة ، تشمل تلك التعريفات أيضاً منطقة ملغومة من المواصفات المتقاطعة تتضمن اللباس والشكل الخارجي ، وطريقة الكلام ، وطريقة التعامل ، حتى تصل إلى وجهة النظر السياسية والاقتصادية .
التطرف حالة ذهنية وفكرية كل التيارات والأحزاب و يكمن مفهومها في مجاوزة الحد ، والتعصب للرأي، وإرهاب المخالف. وأعتقد أننا لو طبقنا المفهوم على المقالات المنتشرة هذه الأيام لانطبقت عليها أشد الانطباق ؛ فأي تطرف أكبر من نعت المخالف بالتخلف والرجعية ؟ وأي تعصب أشد من الحكم على الشخص من طريقة لباسه ؟ وأي ديكتاتورية أكبر من إلغاء الآخر بدعوى الحرية الفكرية ؟
استغلال المواقف لصالح القضية جزء لا يتجزء من طبيعة النفس البشرية ، إلا أن لي عنقها واغتصابها لتبرير الكلمة ، وإلغاء الآخر ، بل و طلب إلغائه من قبل الجهات الرسمية ، هذا هو عين التطرف و لب التعصب ، والعجيب أن أصحاب السماحة يطيلون الكلام في فوائد الحرية ، وأهميتها ، وضرورة تطبيقها ، إلا أنها عندهم منطبقة على الجميع إلا على من خالفهم ، ولائقة بالكل إلا من ارتأى غير رأيهم .
طريقنا نحو التقدم طويلة ، وتحتاج إلى مؤسسات مؤمنة بالنهضة وصادقة في رغبتها بالنهوض ، وأهم من ذلك كله نحتاج إلى جيل من المثقفين معتز بتراثه لا يختبئ خلف الجدران استحياءا ، ويلبس لبوس غيرنا وينطق بلساننا ، نحتاج إلى الكاتب الباحث الذي ينصف إذا تحدث ، ولا يكيل التهم لعداء شخصي أو ماض مجهول ، أو لمجرد الرغبة في ملئ عموده الأسبوعي بما لذ وطاب ، ويعرف أن التدين قيمة إيجابية في المجتمع ،ويدرك أن إمام المسجد والداعية والمعلم الملتزم بدينه ليس متطرفاً لإنه يلتزم أمر ربه ونهج رسوله ، بل هو صمام أمان لهذا المجتمع الواقع تحت وطأة تهديد المتطرفين الحقيقيين ، المتربصين بنا الدوائر ، والمنتظرين من المجتمع أن يلفظ المعتدلين ليلتهم جمع الشباب المفرغين من كل أمل في أن يقبلهم مجتمعهم الذي لفظهم من قبل .