هل سقطت ورقة 'الشارع'؟
حسين الرواشدة
كاتب صحافي
نيسان ـ نشر في 2022-11-14 الساعة 07:28
نيسان ـ هل سقطت ورقة «الشارع» حقا؟ الإجابات التي وردت من عدة عواصم عربية تشير إلى ذلك بوضوح، فالاحتجاجات في الشارع لم تعد خيارا مفضلا للمطالبة بالتغيير والإصلاح، او أنه لا جدوى منها، هذه بالطبع نتيجة ربما تبدو صادمة، لكنها مفهومه في سياقات ما طرأ على المجتمع، والأنظمة السياسية والنخب، من إصابات بالغة، كان عنوانها الأساسي، فقدان الثقة وتبادل الخوف، وانسداد الأفق السياسي.
صحيح، لم تتغير الظروف التي أنتجت خيار النزول إلى الشوارع والميادين، ولم تتحسن أحوال الناس الذين خرجوا ذات «ربيع عربي» للمطالبة بحقوقهم، ولم تتغير مسارات الأداء الرسمي بالتعامل مع ملفات استدعت غضب الجمهور، وانطلاق صرخاته في الفضاء العام، لكن الصحيح، أيضا، هو أن هذه الأدوات لم تثبت نجاحها، فقد تحولت إلى روافع مدمرة أحيانا، والشواهد كثيرة، ابتداء بما حدث من حروب دامية، وتدخلات خارجية فجّة، وبدائل سياسية لم تكن أحسن من سابقاتها.
أدركت الشعوب العربية أنها وقعت في» الفخ»، وأن تصفية حساباتها، في الشارع، مع أنظمتها السياسية لم يكن الطريق الأفضل لانتصار إرادتها، أدركت، أيضا، أن النخب التي تصدرت الصفوف لم تكن أحسن حالا من المسؤولين الذين اتهموا بالفساد، أو خرجوا من الحلبة للمحاكمات والسجون، أدركت، ثالثا، ان حال المجتمعات أصعب بكثير من واقع الأنظمة السياسية، الجميع بلا استثناء في أزمة عميقة، وليس بمقدور أي طرف أن ينتصر على الطرف الآخر إلا بالتفاهم والحوار والتوافق على الحلول الممكنة، وإلا فإن الدولة هي التي ستدفع.
ربما يعتقد البعض أن عزوف الناس عن النزول للشارع يتعادل موضوعيا مع تصاعد حدة الخوف القمع، أو أنه نتيجة طبيعية لمقاربة ما حصل بالأمس، وما يمكن أن يتكرر في الغد، من مآلات كارثية، ما زالت شواهدها قائمة، وفواتيرها باهظة دفعها المواطنون ومازالوا، هذا ربما يبدو مفهوما، لكن الأهم منه هو ان قناعات جديدة بدأت تترسخ، لدى الشباب تحديدا، صبت باتجاه الواقعية السياسية التي تحسب بدقة معادلة الظروف والتغيرات التي طرأت على بلدانهم والعالم كله، وبالتالي اصبح الحفاظ على الوضع القائم، بكل ما فيه من أخطاء، أفضل من تغييره، الآن على الأقل.
قلت: الحفاظ على الوضع القائم، و إدامة الاستقرار، ثم البحث عن بدائل أخرى لإحداث التحول السياسي، وحلحلة الوضع الاقتصادي، هذه عناوين مهمة تجيب عن سؤال ماذا يريد المواطنون؟ وكيف يفكرون؟ لكن ماذا عن الدولة بموسساتها المختلفة، هل وصلت إليها مثل هذه الرسائل؟ هل فهمت العزوف عن الخروج للشارع في سياقاته الصحيحة، ثم هل ستتحرك لتجعل هذا الخيار جزءا من الماضي، وتطرده من المخيال الشعبي؟
أخشى أن تكون الإجابة «لا «، لكن لابد أن نفكر جديا بمسألتين : الأولى أن الصمت الذي أطبق على المجتمع، ودفعه إلى الصبر حفاظا على أمنه السياسي والاجتماعي، كان اختيارا منطقيا وحكيما، قدم أولوية حماية الدولة و تجنيبها أي خطر ممكن على أولوياته المعيشية والحياتية وحقوقه الفردية .
اما المسألة الثانية فهي أن مصلحة الأنظمة السياسية أن تستثمر في ذلك إيجابيا، وترد عليه بما يجب من مقررات للإصلاح والتغيير، ومن موجبات للاحترام والتقدير أيضا، ثم أن تفهم ذلك في سياقه الصحيح، لأن عكس ذلك سينتج مزيدا من القهر، وسيقود إلى فوضى عابرة لورقة «الشارع»، عندئذ سيتحسر الجميع على خيار «الشارع «، لأن بديله سيكون أسوأ لا قدر الله.
(الدستور)
صحيح، لم تتغير الظروف التي أنتجت خيار النزول إلى الشوارع والميادين، ولم تتحسن أحوال الناس الذين خرجوا ذات «ربيع عربي» للمطالبة بحقوقهم، ولم تتغير مسارات الأداء الرسمي بالتعامل مع ملفات استدعت غضب الجمهور، وانطلاق صرخاته في الفضاء العام، لكن الصحيح، أيضا، هو أن هذه الأدوات لم تثبت نجاحها، فقد تحولت إلى روافع مدمرة أحيانا، والشواهد كثيرة، ابتداء بما حدث من حروب دامية، وتدخلات خارجية فجّة، وبدائل سياسية لم تكن أحسن من سابقاتها.
أدركت الشعوب العربية أنها وقعت في» الفخ»، وأن تصفية حساباتها، في الشارع، مع أنظمتها السياسية لم يكن الطريق الأفضل لانتصار إرادتها، أدركت، أيضا، أن النخب التي تصدرت الصفوف لم تكن أحسن حالا من المسؤولين الذين اتهموا بالفساد، أو خرجوا من الحلبة للمحاكمات والسجون، أدركت، ثالثا، ان حال المجتمعات أصعب بكثير من واقع الأنظمة السياسية، الجميع بلا استثناء في أزمة عميقة، وليس بمقدور أي طرف أن ينتصر على الطرف الآخر إلا بالتفاهم والحوار والتوافق على الحلول الممكنة، وإلا فإن الدولة هي التي ستدفع.
ربما يعتقد البعض أن عزوف الناس عن النزول للشارع يتعادل موضوعيا مع تصاعد حدة الخوف القمع، أو أنه نتيجة طبيعية لمقاربة ما حصل بالأمس، وما يمكن أن يتكرر في الغد، من مآلات كارثية، ما زالت شواهدها قائمة، وفواتيرها باهظة دفعها المواطنون ومازالوا، هذا ربما يبدو مفهوما، لكن الأهم منه هو ان قناعات جديدة بدأت تترسخ، لدى الشباب تحديدا، صبت باتجاه الواقعية السياسية التي تحسب بدقة معادلة الظروف والتغيرات التي طرأت على بلدانهم والعالم كله، وبالتالي اصبح الحفاظ على الوضع القائم، بكل ما فيه من أخطاء، أفضل من تغييره، الآن على الأقل.
قلت: الحفاظ على الوضع القائم، و إدامة الاستقرار، ثم البحث عن بدائل أخرى لإحداث التحول السياسي، وحلحلة الوضع الاقتصادي، هذه عناوين مهمة تجيب عن سؤال ماذا يريد المواطنون؟ وكيف يفكرون؟ لكن ماذا عن الدولة بموسساتها المختلفة، هل وصلت إليها مثل هذه الرسائل؟ هل فهمت العزوف عن الخروج للشارع في سياقاته الصحيحة، ثم هل ستتحرك لتجعل هذا الخيار جزءا من الماضي، وتطرده من المخيال الشعبي؟
أخشى أن تكون الإجابة «لا «، لكن لابد أن نفكر جديا بمسألتين : الأولى أن الصمت الذي أطبق على المجتمع، ودفعه إلى الصبر حفاظا على أمنه السياسي والاجتماعي، كان اختيارا منطقيا وحكيما، قدم أولوية حماية الدولة و تجنيبها أي خطر ممكن على أولوياته المعيشية والحياتية وحقوقه الفردية .
اما المسألة الثانية فهي أن مصلحة الأنظمة السياسية أن تستثمر في ذلك إيجابيا، وترد عليه بما يجب من مقررات للإصلاح والتغيير، ومن موجبات للاحترام والتقدير أيضا، ثم أن تفهم ذلك في سياقه الصحيح، لأن عكس ذلك سينتج مزيدا من القهر، وسيقود إلى فوضى عابرة لورقة «الشارع»، عندئذ سيتحسر الجميع على خيار «الشارع «، لأن بديله سيكون أسوأ لا قدر الله.
(الدستور)
نيسان ـ نشر في 2022-11-14 الساعة 07:28
رأي: حسين الرواشدة كاتب صحافي