اتصل بنا
 

مال العراق الخفي' في صور لطيف العاني

نيسان ـ نشر في 2022-11-19 الساعة 19:51

x
نيسان ـ حسام السراي

قرن من الذكريات والتحولات والاندثارات تختصرها صور الفوتوغرافي العراقي لطيف العاني (1932-2021) أو سيرة حياته وهي تتراصف مع لقطاته، حيث اللقطة الواحدة اقتطاع محترف لفسحة من الزمن، من أجل بث روح الخلود فيها.
"جمال العراق الخفي" عنوان الفيلم الجديد الذي قدم في المعهد الثقافي الفرنسي ببغداد، ضمن عرض خاص رافقته جلسة حوارية، مع افتتاح معرض للصور الفوتوغرافية للعاني، هو جوهر المناسبة وتيمتها الأساسية، في أمسية تفاعل فيها الجمهور مع وقت العرض، بخاصة مع النبرة الفكاهية التي أطل بها مصور العراق الراحل، وهو يعلق أو يرد على مخرج الفيلم سهيم عمر خليفة، خلال رحلتهما بين أكثر من مدينة عراقية.



تعيدنا مناسبة إطلاق الفيلم ثانية إلى أعمال هذا المصور الذي غادر الحياة في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، بما تركه من منجز غزير بتصوير تفاصيل الحياة العراقية، حيث الاستعادة لشريط طويل من الأعمال الفوتوغرافية.
مثلت هذه التجربة خصوصية حالة فنية على مستوى تناول الشخوص ومفردات اليوميات المحلية، من جنوب العراق إلى أقصى شماله، ضمن بعد توثيقي ولمسة فنية عالية، جعلت المتلقي أمام سرد لوقائع وأمكنة ومهن، هذه كلها كانت مادة صور العاني وهو ينوع في زوايا التقاط أعماله.

وثيقة تعريفية

ما منح العاني هذه المكانة غير القدرة الفنية على إنتاج صور بطابع مختلف، قبل حلول العصر الرقمي، وما أخضعه من تعديلات وتحرير في عالم الفوتوغرافيا، هو تحول حصيلته من التصوير إلى وثيقة عن عراق القرن الماضي، وعن حياة لم تختطفها -في حينها- لوثة السياسة وكوارث الحروب.


قدم الرائد الفوتوغرافي نصاً بصرياً تلقفه الآخر غير العراقي وغير العربي، فنال وإن بعد عقود جائزة مؤسسة الأمير كلاوس الهولندية، فالابتسامة في وجه من وجوه صوره تشد الناظر إليها وهي بالأبيض والأسود، إذ رسمت -في لحظتها تلك- حالة شاملة من التطلع الجماعي للمستقبل، بالنظر إلى مهارة فعل المصور وذكائه في اقتناص الموضوعات.

ظلال وجوه بعيدة في أمكنة صارت أبعد، أو مشهد عمراني وآثاري عراقي صوره من الجو وطاله الإهمال اليوم، تنورات قصيرة اختفى أصحابها، منتجات وطنية من صناعة البلاد المندثرة، سحر شوارع العراق ودروبه بين الظل والضوء والتوظيف الحاذق لهما، حيوات عراقية كاملة احتفظت بقيمتها في مخيال أي متصفح لهذا الأرشيف الثري.
وبمجرد الانتباه لتواريخ هذه الأعمال بين خمسينيات القرن الماضي وسبعينياته، فإنها كلها قبل الانكفاء الكبير الذي حصل في ما بعد في عراق طوقته العسكرة والسطوة الحزبية على الحياة العامة، وهو ما دفع بالعاني مع استحكام قبضة النظام السابق على مقاليد الأمور، إلى أن يتوقف عن التصوير، محتفظاً بالجمال الذي بقي في صوره وبدأ يتآكل في الخارج مع مطلع الثمانينيات من القرن الماضي.
خلق العاني روحاً ثانية لموجودات صوره، وتعمق في الكيفية التي أظهر فيها الإنسان العراقي والتكوين العمراني الذي وجه عدسته إليه، محيلاً عوالم اللقطة الواحدة إلى مصدر لاحق لبث طاقة الحنين وإبهار المتلقي بالمشهد البصري، معززاً من ثقافة الصورة وقيمتها بين المتابعين، وهي تضخ الجماليات وتطلق الرسائل الاجتماعية والحضارية.

التعدد الاجتماعي

كانت صوره وثيقة عن التعدد الاجتماعي العراقي ومرحلة التحديث الشامل التي انخرط فيها العراق منتصف القرن الماضي، وفيها أيضاً تعبير عن رغبة عامة بالتقدم إلى الأمام، وهنا سخر العاني عدسته لملاحقة المسار الاقتصادي وطلائع النهضة التي حصلت حينذاك، عبر عمله في شركة النفط العراقية ومن ثم في وكالة الأنباء العراقية.
أواخر عقد السبعينيات من القرن الماضي كان عهداً لافتراق العاني عن عالم التصوير والابتعاد عن الجو العام، عندما شعر أن الحمولات السياسية بدأت تفرض رقابتها وإلزاماتها على مناحي الحياة ومنها الفوتوغراف في الأماكن العامة.
وإذا كان ماركيز قد رأى "أن المرء يشيخ في الصور أكثر، وبصورة أسوأ، مما هو في الواقع"، لكن شخصيات صور لطيف العاني بقوا مبتسمين وبهجتهم على وجوههم المضاءة، ربما هم من العراق الحلم الذي يريد استنهاض نفسه في الفوتوغرافيا وفي الواقع!

نيسان ـ نشر في 2022-11-19 الساعة 19:51

الكلمات الأكثر بحثاً