الفساد يتمدد أيها القوم
نيسان ـ نشر في 2022-11-21 الساعة 08:14
نيسان ـ أنا شخصيا، وغيري ايضا، نشعر بالذهول من طبيعة قضايا الفساد التي يتم الاعلان عنها، سواء عبر الجهات المختصة بملف الفساد، او حتى تقارير ديوان المحاسبة، او اي طريقة ثالثة.
تقرأ في الاخبار خبرا يشيب له شعر الرأس، حيث اشار تقرير مكافحة الفساد لعام 2021، الذي صدر مؤخرا عن اختلاس موظف سابق في احدى الوزارات، مبلغ 295 ألف دينار أردني، من خلال التلاعب في وصول المقبوضات والدفاتر الخاصة في التبرعات التي يتم جمعها من المساجد.
المبلغ كبير جداً، وقد يكون تم جمعة من نصف مليون شخص، لان المتبرعين للمساجد بعد الصلاة يدفعون بالدينار، ونصف الدينار، وهذا يعني ان الذين تمت سرقتهم قد يصل عددهم كما اشرت الى نصف مليون شخص، هم خصوم من قام بعملية الاختلاس، فلا يرف له جفن، ولا يخاف في الدنيا، ولا يقلق من الآخرة، وكأننا امام كائنات من كواكب ثانية لا تهلع ابدا.
خطورة مثل هذه القضية حصرا، ما نراه هذه الايام، فالكل يشك في الكل، والمتبرع بات يخاف من دفع دينار لصندوق مسجد، خوفا من هكذا قصص، وكافل اليتيم والفقير يقلق من الجمعية التي يدفع لها، خوفا من عدم وصول المبلغ، او وصوله بعد اقتطاعات، او حتى عدم استحقاق الفقير، كونه يخفي مصادر دخله الثانية، وهذا يؤدي في المحصلة، الى تدمير الثقة بين الناس، والخسارة هنا تتجاوز المبلغ الذي يتم الاعلان عنه، لان الشك يؤدي الى التخلي عمن هو محتاج.
برغم كل الضخ الاعلامي والسياسي حول قضايا الفساد، الا انه يتوسع، وقد يصدق المرء ان انسانا اضطر لسرقة حبة دواء لابنه، برغم حرمة الامر وعدم جوازه اساسا، لكن لماذا يختلس انسان مبالغ كبيرة، تم جمعها من صناديق المساجد، وكيف يأمن على نفسه وعائلته، وذهابه وايابه، وهذه قصة من بين قصص ثانية، بعضها انكشف، وبعضها قد يكون مستترا.
في تقرير ديوان المحاسبة لعام 2021 تقرأ عن قيام مواطن باستئجار أرض من الحكومة مجانا، وتأجيره الأرض ذاتها للحكومة، وتعيين موظفين في مؤسسات رسمية مختلفة في الوقت ذاته، بحيث يقبض راتبين في الوقت ذاته، وعشرات القضايا من العلاوات والمكافآت المدفوعة دون وجه حق، مرورا بالاعتداءات على الارض الحرجية، وصولا الى نقص كميات القمح والشعير في بعض المخازن، وغير ذلك من قصص نقرأها كل سنة في تقارير ديوان المحاسبة… نعم كل سنة.
الادارة العامة في الاردن، غارقة في المشاكل، لان انتشار الفساد، ودفع الرشاوى لتمرير المعاملات، والمخالفات الادارية، والتنفيعات، وما يجري في بعض العطاءات احيانا، يقول لك ان الفساد ليس حكرا على كبار الموظفين، مثلا، او الذين بيدهم سلطة، بل امتد الى قاعدة الهرم، وقلة قليلة ربما تتورط في هكذا قضايا، لكنها فئة موجودة، لا يردعها قانون، ولا عقوبات مشددة.
تقرأ حكايات في التقرير مثل التخليص على 54 طن دجاج مجمد تحتوي على السالمونيلا، والتخليص على 250 طنا من الأرز المخلوط بالمبيدات، ومؤسسة تستأجر مركبات بأعلى من سعرها بـ123 ألف دينار، وتجاوزات في استهلاك كمية المحروقات للمركبات الحكومية، ووزارة تحيل عطاء على شركة مديرها، والقصص لها بداية وليس لها نهاية.
المخفي هنا، اخطر، لاننا نعرف كلنا ان هناك ما هو اسوأ في كل الدوائر والمؤسسات ذات الصلة بالتقديرات المالية والخدمات، من البلديات، الى مؤسسات ثانية، حيث بتنا اليوم، امام مصلحة مشتركة للراشي والمرتشي، وكلاهما يحتاج الآخر، الاول للتخفيف مما يدفع، والثاني للاستفادة من الرشى، عبر ممارسة صلاحياته، التي تجيز له خفض المطالبات المالية، والتلاعب بها.
لا أحد يوفر المال العام، من ذاك الذي يسرق منهل الشارع لبيعه، وصولا لمن يحصل على رشوة كبيرة لخفض الضريبة، مرورا بمن يسرق الماء والكهرباء وغير ذلك.
يبقى السؤال: اذا كان الدين لا يردع، والقانون لا يردع، فكيف يمكن وقف هذا الوباء؟!.
(الغد)
تقرأ في الاخبار خبرا يشيب له شعر الرأس، حيث اشار تقرير مكافحة الفساد لعام 2021، الذي صدر مؤخرا عن اختلاس موظف سابق في احدى الوزارات، مبلغ 295 ألف دينار أردني، من خلال التلاعب في وصول المقبوضات والدفاتر الخاصة في التبرعات التي يتم جمعها من المساجد.
المبلغ كبير جداً، وقد يكون تم جمعة من نصف مليون شخص، لان المتبرعين للمساجد بعد الصلاة يدفعون بالدينار، ونصف الدينار، وهذا يعني ان الذين تمت سرقتهم قد يصل عددهم كما اشرت الى نصف مليون شخص، هم خصوم من قام بعملية الاختلاس، فلا يرف له جفن، ولا يخاف في الدنيا، ولا يقلق من الآخرة، وكأننا امام كائنات من كواكب ثانية لا تهلع ابدا.
خطورة مثل هذه القضية حصرا، ما نراه هذه الايام، فالكل يشك في الكل، والمتبرع بات يخاف من دفع دينار لصندوق مسجد، خوفا من هكذا قصص، وكافل اليتيم والفقير يقلق من الجمعية التي يدفع لها، خوفا من عدم وصول المبلغ، او وصوله بعد اقتطاعات، او حتى عدم استحقاق الفقير، كونه يخفي مصادر دخله الثانية، وهذا يؤدي في المحصلة، الى تدمير الثقة بين الناس، والخسارة هنا تتجاوز المبلغ الذي يتم الاعلان عنه، لان الشك يؤدي الى التخلي عمن هو محتاج.
برغم كل الضخ الاعلامي والسياسي حول قضايا الفساد، الا انه يتوسع، وقد يصدق المرء ان انسانا اضطر لسرقة حبة دواء لابنه، برغم حرمة الامر وعدم جوازه اساسا، لكن لماذا يختلس انسان مبالغ كبيرة، تم جمعها من صناديق المساجد، وكيف يأمن على نفسه وعائلته، وذهابه وايابه، وهذه قصة من بين قصص ثانية، بعضها انكشف، وبعضها قد يكون مستترا.
في تقرير ديوان المحاسبة لعام 2021 تقرأ عن قيام مواطن باستئجار أرض من الحكومة مجانا، وتأجيره الأرض ذاتها للحكومة، وتعيين موظفين في مؤسسات رسمية مختلفة في الوقت ذاته، بحيث يقبض راتبين في الوقت ذاته، وعشرات القضايا من العلاوات والمكافآت المدفوعة دون وجه حق، مرورا بالاعتداءات على الارض الحرجية، وصولا الى نقص كميات القمح والشعير في بعض المخازن، وغير ذلك من قصص نقرأها كل سنة في تقارير ديوان المحاسبة… نعم كل سنة.
الادارة العامة في الاردن، غارقة في المشاكل، لان انتشار الفساد، ودفع الرشاوى لتمرير المعاملات، والمخالفات الادارية، والتنفيعات، وما يجري في بعض العطاءات احيانا، يقول لك ان الفساد ليس حكرا على كبار الموظفين، مثلا، او الذين بيدهم سلطة، بل امتد الى قاعدة الهرم، وقلة قليلة ربما تتورط في هكذا قضايا، لكنها فئة موجودة، لا يردعها قانون، ولا عقوبات مشددة.
تقرأ حكايات في التقرير مثل التخليص على 54 طن دجاج مجمد تحتوي على السالمونيلا، والتخليص على 250 طنا من الأرز المخلوط بالمبيدات، ومؤسسة تستأجر مركبات بأعلى من سعرها بـ123 ألف دينار، وتجاوزات في استهلاك كمية المحروقات للمركبات الحكومية، ووزارة تحيل عطاء على شركة مديرها، والقصص لها بداية وليس لها نهاية.
المخفي هنا، اخطر، لاننا نعرف كلنا ان هناك ما هو اسوأ في كل الدوائر والمؤسسات ذات الصلة بالتقديرات المالية والخدمات، من البلديات، الى مؤسسات ثانية، حيث بتنا اليوم، امام مصلحة مشتركة للراشي والمرتشي، وكلاهما يحتاج الآخر، الاول للتخفيف مما يدفع، والثاني للاستفادة من الرشى، عبر ممارسة صلاحياته، التي تجيز له خفض المطالبات المالية، والتلاعب بها.
لا أحد يوفر المال العام، من ذاك الذي يسرق منهل الشارع لبيعه، وصولا لمن يحصل على رشوة كبيرة لخفض الضريبة، مرورا بمن يسرق الماء والكهرباء وغير ذلك.
يبقى السؤال: اذا كان الدين لا يردع، والقانون لا يردع، فكيف يمكن وقف هذا الوباء؟!.
(الغد)
نيسان ـ نشر في 2022-11-21 الساعة 08:14
رأي: ماهر أبو طير