اتصل بنا
 

فلسفة استراتيجيّة لكرة القدم ؟

كاتب لبناني

نيسان ـ نشر في 2022-11-26

فلسفة استراتيجية لكرة القدم ؟ ـ
نيسان ـ في التسعينات من القرن الفائت، كتب هنري كيسنجر عن العلاقة بين الفلسفة الاستراتيجية لدولة ما وأداء فريقها في كرة القدم . في البداية، ندد بقول وزير الثقافة الفرنسي جاك لانغ ان الفريق الأميركي يدخل الى الملعب كما لو أنه يغزو، على صهوة الخيول، قرية للهنود الحمر ...
لانغ قال أيضاً "انهم يلعبون بأقدام نووية. شي ما يشبه الانزال البحري، أو الجوي، على منجم للذهب، أو على حقل للنفط" . كيسنجر لم يعلم ما اذا كان هذا الكلام تعبيراً عن السخرية أم تعبيراً عن الكراهية الديغولية لأميركا.
لكنه اعترف أن المنتخب الأميركي يلعب على قرع الطبول، ويفترض أن يسحق منافسه". وحين سألت مدرباً عن السبب في هذه الحالة السيكولوجية، أجابني "هنا لا تستطيع الا أن ترتدي شخصية الكاوبوي لتثير الهلع لدى اللاعبين الآخرين" . ماذا اذا خسر الأميركيون "لن أردد ما قاله لانغ من أنهم يخرجون... بالتوابيت" !
عن الانكليز، كتب "أنهم يلعبون بدم بارد، وبالكثير من الحنكة، ومن الحبكة الشكسبيرية، كما لو أنهم على الخشبة لا على الأرض . لكن المفارقة أن الجمهور يغلي الى حد الجنون. وحتى حين يلعب فريقان انكليزيان، لا بد أن تتوقع حرباً أهلية في بريطانيا".
الألمان؟ "انهم الصاعقة" . "هنا التفاعلات الفلسفية في العقل الألماني، وعلى مدى قرون، تنتقل الى الأقدام التي تنطلق على الطريقة البيسماركية". لم يقل على الطريقة الهتلرية بالرغم من التماهي الميداني بين الرجلين .
"مجرد أن ينزل المنتخب الألماني الى الأرض يفترض أن تتزعزع الأرض. وحين يخسر الألمان يشعر العالم أن مصيبة وقعت. مجلة "دير شبيغل" أوحت، في المونديال السابق، بأن سقوط المنتخب الألماني سقوط التاريخ".
كيف يلعب الفرنسيون؟ يقول كيسنجر "تشعر كما لو أنهما فريقان اندمجا للتو بطريقة عجيبة، أو بطريقة سحرية . يحدث أنك تجمع بين الماريشال بيتان والجنرال ديغول تحت خيمة واحدة، أو بين منهجية ديكارت ونرجسية بونابرت. اذا ما هزم المنتخب الفرنسي لا تستغرب أن يستعيد الفرنسيون ذكرى واترلو، ويعلقون الزنابق السوداء على صدور أعضاء المنتخب"!
البرازيليون في نظره يختزلون "الروح المعذبة" و"الروح النقية" في أميركا اللاتينية ". حين تضع أولاد الأزقة تحت الثريات . انهم أصحاب الأقدام التي تجعل الآخرين يشعرون بأنها أقدامهم"...
العرب طارئون على كرة القدم. من سباق الابل، وسباق الخيول، الى ترويض، ورياضة، الصقور. واذا كان الخبراء يعتبرون أن المباريات الأولى في المونديال تعكس مدى أهلية المنتخبات، كان مدوياً فوز السعودية على الأرجنتين (ولكم تمنينا لو كان الفوز على أميركا). بلاد خورخي بورخيس التي طالما فاخرت بليونيل ميسي كونه خليفة دييغو مارادونا، بأدائه الفذ...
شخصياً، لست من هواة كرة القدم، لكنني أتتبع مباريات المونديال (ربما من الزاوية الكيسنجرية). بطبيعة الحال، كنت ولا أزال متحمساً للمنتخبات العربية عسانا نلامس الكأس الذهبي للمرة الأولى في تاريخ المونديال.
أثناء المباراة بين السعودية والأرجنتين، عرّجت من قبيل الفضول، أو من قبيل الاستطلاع، على بعض مقاهي الضاحية . فاجأني ابتهاج رواد هؤلاء المقاهي بفوز المنتخب السعودي . كانوا يهزجون كلما هز الصقور الخضر الشباك الأرجنتيني .
أحدهم الذي عرفني قال لي "أكتب عن فرحتنا بفوز منتخب عربي على أهم لاعب في العالم، لكي يقرأ السفير وليد البخاري مدى فرحتنا بذلك الفوز الذي هو فوز لكل العرب، ولكي يعلم أن الضاحية التي دحرت الاحتلال هي قلعة العرب وقلعة العروبة"...
ولكن هل لقطر التي أنفقت ما يفوق المائتي مليار دولار لتنظيم الحدث، وهو مبلغ خيالي، أن تمنى بالخسارة، ومن الساعة الأولى للافتتاح، أمام منتخب الاكوادور . هذا البلد من أميركا اللاتينية التي أعطاها لبنان 11 رئيساً للجمهورية ؟ لا ندري، أهي الصدمة أم الفضيحة؟

هنا في لبنان، ساعات من الانبهار لننسى مصائبنا، ولنشيح بنظرنا عن الكوميديا السوداء في ساحة النجمة . هناك مهرجان لكرة القدم، وهنا مهرجان ... لكرة النار !!

نيسان ـ نشر في 2022-11-26


رأي: نبيه البرجي كاتب لبناني

الكلمات الأكثر بحثاً