اتصل بنا
 

المتربصون غربي النهر .... محاولة لفهم الداخل الاردني

نيسان ـ نشر في 2022-11-28 الساعة 10:25

نيسان ـ منذ ان قامت الدولة الاردنية بشكلها الحديث كانت تسكن على فوهة بركان تؤزه العديد من الجهات المتربصة تتوزع بين الداخل والخارج وتزداد قسوتها عند الحديث عن العدو التاريخي الذي يقبع خلفي النهر متخفزا لساعة وهن في الشرق منه لينهي وجود الدولة التي نمت كما تنمو حشائش الارض احيانا دون ان ترتوي حتى بقطرة ماء .
تاريخيا الاردن لم تكون من حواضر العواصم او الدول التي اثرت في التاريخ العربي الاسلامي بمعنى انها لم تكن يوما مقرا للخلافة الاسلامية التي انطلقت من الجزيرة نحو العراق والشام ومصر في رحلة تاريخية معقدة حفلت بالكثير من الحروب والغزو لكنها استطاعت ان تؤسس كيان الدولة العربية التي امتدت فتوحاتها نحو الغرب والشرق معا لتبني حضارة الاندلس وتؤسس نواة دول مسلمة غير عربية في الشرق والغرب معا وكانت الاردن ضمن هذا التاريخ ممرا لا مقرا للحضارة لكنها ساهمت بفاعلية في بنائها والتاثير فيها لذا نبغ العديد من العلماء والكتاب والادباء والمفكرين في هذه البقعة من الارض التي كان قدرها ان تكون من اكناف بيت المقدس لتأخذ شكلا من القدسية الامر الذي جعلها اول من يدخل الصراع العربي الاسرئيلي واخر من يخرج منها بدليل كواكب الشهداء التي روت ثرى القدس وفلسطين عامة في رحلة الدفاع عنها في وجه الهجمات اليهودية الصهيونية المتتالية والتي وطدت كيانها بعد ان هزمت الانظمة العربي على ابواب القدس وعادت بخفي حنين لتبدأ رحلة السلام الناقص الاعرج الذي لم يحق حقا ولم يبطل باطلا لكنه لحظة تنازل تاريخية في عمر الامة التي ركنت طويلا الى مغريات الحياة خاصة بعد تفجر النفط في اراضيها ليحولها الى دولة مستهلكة عبثية قل ما استغلت ذلك المورد الهام لاشراكه في الحروب التي دارت في المنطقة وانتهت الى ما انتهت اليه .
موقع الاردن الجيوسياسي جعلها تدرك ان المسؤوليات التي تقع عليها جمة والتداخل الاثير بين الشعبين الاردني والفلسطيني جعلها مرة اخرى اقرب الى الدولة الواحدة لامتزاج الدم والمصاهرة والنسب وتداخل المجتمع ما بين اردني وفلسطيني لتصبح ساحة مفتوحة على كل الاحتمالات ولعل العدو التاريخي يدرك مثل هذه المعادلة التي يعيشها المجتمع الاردني ويحاول في الكثير من الاحيان ان يلعب على وترها لمزيد من الفرقة ولتفسيخ النسيج الاجتماعي للمجتمع برمته .
كان من الطبيعي ان يدفع الشعب الاردني ثمنا باهضا لذلك الموقع الجغرافي ولوجدانه الذي غلب عليه الطابع القومي بعيدا عن تقسيمات سايكس وبيكو والتي عزفت على ايجاد الفرقة بين اقطار الامة لدب الوهن فيها وهو الامر الذي تحقق بعد ان تمترست الدول على حدودها واهمة انه قدر لا مناص منه لذا فشلت وافشلت كل مظاهر الوحدة التي كانت تقوم هنا او هناك او تلك التي كان يعتقد انها ستقوم وساعد على ذلك قيادات كانت تصنع صناعة على يد القوى الغربية والصهيونية لتقوم بدور مرسوم لها يتمثل في ابقاء الحدود القطرية ومنع قيام اي نهضة في اي دولة عربية وحين كانت بوادر النهضة العربي تلوح في افق الامة في هذا القطر العربي او ذاك كان لا بد من قتل ذلك التوجه في مهده خوفا من تاثيراته على مصير الاقطار الاخرى وساهمت القيادات المتوجة في ذلك الامر بفاعلية الى حد فاق الدور المرسوم لها بكثير .
ومرة اخرى يدفع الاردن ثمن السلام مع العدو التاريخي كما كان يدفع الثمن في الحروب معه وحين بدأت عمليات التطبيع المؤدلجة ضمن ظاهر ديني عرف بالديانة الابراهيمية لم يكن بوسع الاردن ان يبقى بمنأى عن التغير في دوره التاريخي وكان الدور المرسوم ان يبقى الاردن دولة هشة اقتصاديا لا تقوم ولا تسقط حتى يمكن تمرير ما يرمي اليه قادة العالم في سلام يتبعه تغلغل اقتصادي في صميم المنطقة من قبل دولة الكيان الصهيوني وهذا الواقع الاقتصادي المتردي اردنيا لا يمكن فهمه الا بسنياريو واحد وهو سيناريو الادماج في منظومة الدين الجديد المؤدلج وهو ما ادركته قيادة الاردن ثم سعت نحو تطبيق بعضا منه على شكل اتفاقية الغاز والماء والكهرباء ومشاريع كبرى يخطط لها الان عبر بوابة التعاون الايراهيمي الجديد فهل كان بوسع الاردن ان ينجو من تلك الكماشة الاقتصادية التي احاطته احاطة السوار بالمعصم المتفائلون يقولون انه كان بالامكان ان يتجنب الاردن ذلك وغير المتفائلين يقولون انه لم يكن بالوسع الا صنع ما صنع فحين يتم تهديد كيان الدولة واضعاف قدرتها على البقاء يكون الخيار الرضى بالامر الواقع ولو كان مرا .
في الداخل الاردني ثمة ضجيج عال يطال السياسسات الاقتصادية وثمة معيشة ضنكا يحسها غالبية الناس ومع ذلك يطلع عليهم رئيس حكومتهم ليقول ان القادم اجمل والايام القادمة تحمل الكثير من الفرح في طياتها ويستنكر الاغلبية مثل هكذا تصريحات التي يرون انها لا تستند الى الى حقيقة علمية ثابتة بل الى امنيات لا تجد في الواقع صدى لها او بوادر فعلى ماذا يستند رئيس الحكومة في تصريحاته تلك يقول البعض ان ثمة اوراق مخفية تحت الطاولة وسيكشف عنها في قادم الايام التي عناها رئيس الحكومة فيما يشكك الاخرون بكل ما قيل ويحسبوه على انها قفزات في الهواء تستهدف فقط اشاعة امل مفقود بات او كاد ان يكون مفقودا ووسط هذا التساؤل لا يجد الناس اي اجابة واضحة عن السؤال الملح ....وماذا بعد ؟ وحين يقرأون الارقام تبدو الامور منذرة بالكثير من المجهول القادم والذي لا يحمل في طياته اي فرح فحين يبلغ عدد من هم على دور التوظيف في ديوان الخدمة المدنية نصف مليون مواطن في ظل اقتصاد لا يستطيع توليد سوى عشرة الاف فرصة عمل في العام فهذا يعني الانتظار الى امد من السنوات يكاد يصل الى 50 سنة من اجل ان يحصل احدهم على وظيفة تقيم الاود وحين تبلغ ديون الدولة اكثر من ناتجها المحلي الاجمالي فذلك مؤشر على عوار السياسة الاقتصادية التي لم تنتهج النهج السليم في انقاذ الاقتصاد ليتم اللجوء الى تحالفات بائسة .
مثل هذا الواقع هل تم قراءته بعين الحقيقة ام ان التجاهل ما زال سيد الموقف ومن المؤكد ان مآلات الحال ليست بخافية على العامة فكيف يمكن ان نفكر لحظة واحدة ان الخاصة وصناع القرار لا يدركون اي خطر يتهدد وجودهم الاقتصادي والسياسي وما معنى ان يتم رهن كل آت بالتعاون مع العدو التاريخي المتربص دوما غربي النهر لينقض على كيان الدولة الاردنية حين تلوح اول الفرص .... وهل نحن عاجزون عن قراءة التاريخ تماما كما عجز اجدادنا في الاندلس عن فهم معادلة توحد العدو من اجل الاطاحة بالدولة الاسلامية في الاندلس والتي كانت تعيش ازهى ايامها وتبني حضارة ما زالت شواهدها حتى اليوم تشير الى مجد غابر كان هناك .
الاسئلة كثيرة والاجابات شحيحة وما بين الاسئلة والاجوبة ثمة ما هو مخفي نكاد نعرفه ونغضي عنها محبة للوطن وخوفا عليه من عاديات آتيات .

نيسان ـ نشر في 2022-11-28 الساعة 10:25


رأي: د. عبدالمهدي القطامين

الكلمات الأكثر بحثاً