اتصل بنا
 

لعبوا فقط لكي يخسروا

كاتب لبناني

نيسان ـ نشر في 2022-12-01 الساعة 06:50

نيسان ـ لم يكن ممكناً، في الدقائق التسعين، الفصل بين الرياضي والسياسي. كثيرون كانوا يراهنون على أن «تكسر» ايران أميركا. المنتخب الايراني سقط، بالضربة القاضية، أمام المنتخب الأميركي لأنه كان يلعب فقط لكي يخسر...
هل هكذا يفاوض الايرانيون الأميركيين؟ قطعاً لا. روبرت مالي دعا، غداة توقيع اتفاق فيينا عام 2015، الى ادخال «ديبلوماسية حائكي السجاد» في «مناهجنا الجامعية». مساء الثلاثاء، لا خطة، مع غياب التنسيق الأوركسترالي، بين اللاعبين الذين تبعثروا فوق المستطيل الأخضر. كل واحد كان يلعب بمفرده.
أتكلم، كشخص لا خبرة لديه في لعبة كرة القدم. باستطاعتكم وصفي بـ «المتفرج الأحمق». ولكن، في تلك اللحظات، حتى الحمقى فوجئوا بذلك النوع من الأداء. الخطأ الفظيع أن المنتخب كان يلعب، طوال الشوط الأول، لتأمين التعادل فقط، ما يؤهله للدور التالي. هذا ما جعل الأميركيين، وهم دون مستوى الفرق الأميركية اللاتينية والأوروبية، يبدون وكأنهم وحدهم على الأرض.
هذه هدية لجون بايدن لكي يفاخر بـ «نسور أميركا» دون أن ينتظر ما يمكن أن يحل بالمنتخب حين يواجه من يلعب لكي يربح لا لكي يخسر.
الرئيس الأميركي الذي يراقص كيم جونغ ـ أون، بحمولته النووية، ويداعب شين جينبينغ بالأرمادا الاقتصادية، ويتصارع مع فلاديمير بوتين ليبقى وحيداً على رأس الكرة الأرضية، نجا من الكأس المرّ. قناة «فوكس نيوز» رأت أن ضربة ايرانية لأميركا في الدوحة لن تختلف عن الضربة اليابانية في بيرل هاربور.
لم يعد بامكان الايرانيين أن يفاخروا بفوزهم على أميركا عام 1998. الاعلام يجر التاريخ. لاحظنا مدى اغتباط الشاشات، والصحف، في البلدان المعادية لايران (وما أكثرها وما أخطرها !!)، بهزيمتها في «الحرب ضد الولايات المتحدة». اعتبرت أن الأداء العسكري للايرانيين لا بد أن يكون مماثلاً لأدائهم في كرة القدم.
تزامن كل ذلك مع تركيز الأضواء على التظاهرات التي تحدث في العديد من المناطق الايرانية. واذ لا مجال لاغفال التأثير الخارجي على بعض الفئات، يرى أنطونيو غرامشي كمنظّر شهير في «علم الثورات»، أن « الثورة حين تتحول الى ثلاجة لتجميد الزمن البشري في قوالب محددة، ودون أي خطوة باتجاه بلورة الديناميكية السوسيولجية للتفاعل مع الأجيال الجديدة، انما تتحول الى... مقبرة».
حتى ميشال فوكو، الفيلسوف الفرنسي الذي افتتن بثورة آية الله خميني، حذّر من «الاختناق داخل الغرفة الايديولوجية». من يثنون على مواقف طهران يسألون «هل أتاحت المحاولات الأميركية لتقويض ايران لآيات الله أي فرصة للحد من سياسة اليد الحديدية؟».
الصقور في «الأمبراطورية العميقة» يتغافلون عن كل المظاهر العنصرية ضد السود، كما يتغافلون عن «وباء القتل العشوائي» الذي يستشري داخل المجتمع الأميركي، يحاولون الايحاء بأن أميركا هي «مملكة الله».
الدليل أن ما من تظاهرة حدثت في اميركا ضد النظام، خلافاً لما يحدث في ايران، وفي الصين، وحيث «التعليب الايديولوجي لا يأخذ بالاعتبار أن وسائل الاتصال الحديثة أحدثت انقلاباً هائلاً في الوعي».
ولكن أليست الولايات المتحدة بالنموذج التوتاليتاري المروّع حين تكون السلطة في قبضة الشركات القابضة، وان تمكنت، بالابداع التكنولوجي، من تغطية الكثير من الآفات البنيوية إن داخل المجتمع أو داخل الدولة؟
السناتور بيرني ساندرز تحدث عن «مهراجات المال»، مستعيداً مشهد الحفاة، والجوعى، في الهند وهم يحملون عروش المهراجات في الشوارع.
ثمة مجتمعات كثيرة تعاني من الاحتقان السياسي، والاحتقان الاقتصادي، ما يستدعي، تفادياً للانفجار، فتح ولو كوة في الجدار (أو الجدران). الأزمنة تتغير، والأجيال تتغير، دون أن يعني ذلك، في أي حال، الذوبان في الحالة (أو في الماكنة) الأميركية!
لم يكن المنتخب الايراني ثورياً على الأرض. كان ضائعاً ومفككاً. أقدام في حالة الهذيان، بحسب أحد المعلقين الذي أضاف أن المفاجأة الأهم في «رداءة» المنتخب الأميركي الذي لم يهز الشباك الايرانية سوى مرة واحدة.

في تلك الليلة، كان لا بد أن نضيع بين الرياضي والسياسي. لعلكم ضعتم مثلنا....

نيسان ـ نشر في 2022-12-01 الساعة 06:50


رأي: نبيه البرجي كاتب لبناني

الكلمات الأكثر بحثاً