غزو أخطر من السلاح!
نيسان ـ نشر في 2022-12-01 الساعة 18:42
نيسان ـ شهد النصف الثاني من القرن الثامن عشر تصفية للهيمنة الأوروبية على الأمريكيتين، الشمالية والجنوبية، الأمر الذي مثّل تحولاً حاسماً للجغرافيا السياسية العالمية التي كانت شبه مستقرة منذ القرن السادس عشر.
في ذلك الزمن، كان العالَم القديم (آسيا وإفريقيا) قائماً على حاله، منغلقاً وبعيداً عن التأثيرات الجبارة للثورة الصناعية. فقررت القوى الأوروبية إيلاء المزيد من الاهتمام لذلك العالم، بهدف استغلاله والتحكم فيه، وتمرير فائض البضائع المنتجة عبر أسواقه التجارية.
وقبل انطلاق الجيوش إلى تلك البلاد، التي كانت تعيش أزهى لحظات هدوئها، بدأت رحلات استكشاف أوروبية لا تُحصى في ظلّ الاهتمام الجماهيري بكلّ ما هو أجنبي وغير مألوف.
وبموازاة هذه الرحلات، بدأت تزداد المعرفة المنهجية الأوروبية عن الشرق، إلى جانب الأعمال الأدبية التي كتبها شعراء وروائيون أوروبيون وقعوا في غرام الشرق، من دون أن تطأه أقدامهم يوماً.
تمهيد الطريق أمام الاستعمار
معرفة الشرق، التي تنامت في أواخر القرن الثامن عشر، ساهمت بشكلٍ مباشر -وغير مباشر- في تمهيد الطريق أمام الاستعمار.
فعلى سبيل المثال، قبل الغزو الفرنسي لمصر بخمسة أعوام فقط، أقرّت المراسيم الثورية الفرنسية بإنشاء المدرسة العامة في المكتبة القومية لتعليم اللغات: العربية، والتركية، والفارسية، بهدف إرساء أسس المعارف عن الإسلام وعوالمه.
وقد شرح المفكر والناقد إدوارد سعيد هذه التفاصيل بدقة متناهية، في كتابه "الاستشراق: المفاهيم الغربية للشرق" الذي كشف من خلاله الغطاء عما يخفيه الغرب -تحت قناع الثقافة والدراسة العلمية- من مواقف سياسية لا ترمي إلا إلى تحقيق مطامع مادية استعمارية صرفة قائمة على الجشع.
من جهته، اعتمد نابليون على النتائج التي توصل إليها الكونت جي فولني؛ وهو رحالة فرنسي كان معادياً للإسلام بشدة، بالقدر الذي كان يعتقد به أن الطموحات الفرنسية يمكن أن تتحقق أخيراً في الشرق.
في كتابه "رحلة في مصر وسوريا"، الذي نُشر في مجلّدين عام 1787، قدّم فولني معلومات ثمينة -استفاد منها نابليون لاحقاً- عن العقبات التي يُمكن أن تواجه أي حملة فرنسية في تلك الأراضي الغريبة. وقد صنّفها كالتالي: إنجلترا، ثم الباب العالي، والمسلمون أنفسهم.
لذلك فقد حرص نابليون على إخفاء حملته ضدّ مصر، وإبقائها سراً، تحسباً من مهاجمة الأسطول الإنجليزي. وبمجرّد أن وطئت قدمه الإسكندرية، أرسل السفراء إلى الباب العالي لتجنب عداوة العثمانيين، وبعد يومٍ واحد من استقراره في القاهرة سحب السلاح الشخصي من المُسلمين (كان نزع السلاح الشخصي يُنظر إليه حين ذاك كنزع رجولة المرء) وهدم بوابات الأحياء، عملاً بنصيحة فولني التي تُشير إلى أن المسلمين أعداء طبيعيون لأي حملة فرنسية على بلادهم.
ومن رحم الحملة الفرنسية خرجت الخبرة الغربية الحديثة بالشرق، لتنطلق فترة التقدم الهائل في مؤسّسات الاستشراق، والتي تزامنت مع الفترة الذهبية للتوسع الأوروبي فيما بين 1815 و1914؛ حين اتسع نطاق السيطرة الاستعمارية الأوروبية المباشرة، من 35% إلى 85% خلال قرنٍ واحد، وكان النصيب الأكبر لصالح بريطانيا وفرنسا.
وعلى الرغم من تنافسهما في الكثير من الأصقاع، فإن البلدين تقاسما العالم الإسلامي الذي سقط معظمه تحت سيطرتهما؛ سواء فيما يخصّ التواجد العسكري، أو السلطة الفكرية على الشرق -أي الاستشراق- أو منظومة الأفكار التي تشرح سلوك الشرقيين وتنسب إليهم عقلية خاصة وجوّاً خاصاً بهم، والأهم أنها تضع تمييزاً متأصلاً بين التفوق الغربي والدونية الشرقية.
في ذلك الزمن، كان العالَم القديم (آسيا وإفريقيا) قائماً على حاله، منغلقاً وبعيداً عن التأثيرات الجبارة للثورة الصناعية. فقررت القوى الأوروبية إيلاء المزيد من الاهتمام لذلك العالم، بهدف استغلاله والتحكم فيه، وتمرير فائض البضائع المنتجة عبر أسواقه التجارية.
وقبل انطلاق الجيوش إلى تلك البلاد، التي كانت تعيش أزهى لحظات هدوئها، بدأت رحلات استكشاف أوروبية لا تُحصى في ظلّ الاهتمام الجماهيري بكلّ ما هو أجنبي وغير مألوف.
وبموازاة هذه الرحلات، بدأت تزداد المعرفة المنهجية الأوروبية عن الشرق، إلى جانب الأعمال الأدبية التي كتبها شعراء وروائيون أوروبيون وقعوا في غرام الشرق، من دون أن تطأه أقدامهم يوماً.
تمهيد الطريق أمام الاستعمار
معرفة الشرق، التي تنامت في أواخر القرن الثامن عشر، ساهمت بشكلٍ مباشر -وغير مباشر- في تمهيد الطريق أمام الاستعمار.
فعلى سبيل المثال، قبل الغزو الفرنسي لمصر بخمسة أعوام فقط، أقرّت المراسيم الثورية الفرنسية بإنشاء المدرسة العامة في المكتبة القومية لتعليم اللغات: العربية، والتركية، والفارسية، بهدف إرساء أسس المعارف عن الإسلام وعوالمه.
وقد شرح المفكر والناقد إدوارد سعيد هذه التفاصيل بدقة متناهية، في كتابه "الاستشراق: المفاهيم الغربية للشرق" الذي كشف من خلاله الغطاء عما يخفيه الغرب -تحت قناع الثقافة والدراسة العلمية- من مواقف سياسية لا ترمي إلا إلى تحقيق مطامع مادية استعمارية صرفة قائمة على الجشع.
من جهته، اعتمد نابليون على النتائج التي توصل إليها الكونت جي فولني؛ وهو رحالة فرنسي كان معادياً للإسلام بشدة، بالقدر الذي كان يعتقد به أن الطموحات الفرنسية يمكن أن تتحقق أخيراً في الشرق.
في كتابه "رحلة في مصر وسوريا"، الذي نُشر في مجلّدين عام 1787، قدّم فولني معلومات ثمينة -استفاد منها نابليون لاحقاً- عن العقبات التي يُمكن أن تواجه أي حملة فرنسية في تلك الأراضي الغريبة. وقد صنّفها كالتالي: إنجلترا، ثم الباب العالي، والمسلمون أنفسهم.
لذلك فقد حرص نابليون على إخفاء حملته ضدّ مصر، وإبقائها سراً، تحسباً من مهاجمة الأسطول الإنجليزي. وبمجرّد أن وطئت قدمه الإسكندرية، أرسل السفراء إلى الباب العالي لتجنب عداوة العثمانيين، وبعد يومٍ واحد من استقراره في القاهرة سحب السلاح الشخصي من المُسلمين (كان نزع السلاح الشخصي يُنظر إليه حين ذاك كنزع رجولة المرء) وهدم بوابات الأحياء، عملاً بنصيحة فولني التي تُشير إلى أن المسلمين أعداء طبيعيون لأي حملة فرنسية على بلادهم.
ومن رحم الحملة الفرنسية خرجت الخبرة الغربية الحديثة بالشرق، لتنطلق فترة التقدم الهائل في مؤسّسات الاستشراق، والتي تزامنت مع الفترة الذهبية للتوسع الأوروبي فيما بين 1815 و1914؛ حين اتسع نطاق السيطرة الاستعمارية الأوروبية المباشرة، من 35% إلى 85% خلال قرنٍ واحد، وكان النصيب الأكبر لصالح بريطانيا وفرنسا.
وعلى الرغم من تنافسهما في الكثير من الأصقاع، فإن البلدين تقاسما العالم الإسلامي الذي سقط معظمه تحت سيطرتهما؛ سواء فيما يخصّ التواجد العسكري، أو السلطة الفكرية على الشرق -أي الاستشراق- أو منظومة الأفكار التي تشرح سلوك الشرقيين وتنسب إليهم عقلية خاصة وجوّاً خاصاً بهم، والأهم أنها تضع تمييزاً متأصلاً بين التفوق الغربي والدونية الشرقية.


