افتتاحية اندبندنت: ألم تتعلم الحكومة البريطانية شيئا من الانهيار المالي عام 2008؟
نيسان ـ نشر في 2022-12-13 الساعة 06:38
x
نيسان ـ افتتاحية: إذا انهارت المصارف انهارت الدولة وكذلك الاقتصاد.
تشير إصلاحات إدنبرة التي يقترحها وزير المال للتنظيم المالي إلى أن ذاكرة الحكومة أصبحت قصيرة، لا بل قصيرة في شكل خطير.
بالكاد مرت 15 سنة على اضطرار الحكومة البريطانية عملياً إلى تأميم غالب المصارف الكبرى في البلاد، بعد أن جعلت الأزمة المالية العالمية هذه المؤسسات تترنح على حافة الانهيار – في تطور كان كفيلاً بدفع الاقتصاد إلى أعمق ركود منذ الكساد الكبير.
وفي مذكراته، يتذكر وزير المال وقتذاك أليستير دارلينغ تبلغه في أكتوبر (تشرين الأول) 2008 أن الناس كانوا على بعد ساعتين فقط من العجز عن سحب أموالهم من المصارف البريطانية. واليوم، يتصرف وزير المال الحالي، السيد هانت، وكأن ذلك لم يحدث قط. إنها حالة فقدان الذاكرة الناجمة عن بريكست.
كانت للأزمة المالية العالمية جذور معقدة ومتشابكة تمتد إلى اختلالات عالمية كبرى في التجارة بين الولايات المتحدة والصين، لكن أحد المحركات الرئيسة للكارثة كان الإلغاء الطائش للقيود التنظيمية المالية في مختلف أنحاء العالم الذي حدث بين منتصف ثمانينيات القرن العشرين فصاعداً.
لقد أزيلت تدريجاً الضوابط القانونية التي فرضت – لا سيما في الولايات المتحدة – بعد انهيار وول ستريت وما تلاه من كساد في ثلاثينيات القرن العشرين. وخلطت مرة أخرى أموال العملاء وأموال المصارف. وانطلق ازدهار التسنيد [تحويل الأصول إلى أوراق مالية]، ونسيت المجازفة، وأسيء تسعير الأدوات المالية، وسمح للمصارف بالعمل في ظل احتياطات بالحد الأدنى وغير كافية. ونمت المصارف لتصبح "أكبر من أن تترك لتنهار". وكانت النتيجة مؤلمة وباهظة الكلف لدافعي الضرائب في العالم.
يا لسرعة النسيان في ذاكرتنا.
الآن يقترح جيريمي هانت، على رغم سلوكه الهادئ العقلاني، تفكيك الضمانات التي وضعها فينس كيبل وجورج أوزبورن موضع التنفيذ قبل أكثر من 10 سنوات.
تتجه القواعد التي تحكم رأس المال، أو الاحتياطات التي تتطلبها المصارف لحماية نفسها ومودعيها إلى التخفيف مرة أخرى. وستيسر تدابير أخرى خوض المصارف والمؤسسات الأخرى مجازفات، سواء بأموالها الخاصة أو بأموال عملائها. وستدفع صناديق التقاعد وأموال التأمين نحو استثمارات بعيدة الأجل أكثر خطورة، في قطاعات مثل الطاقة النووية قد تفيد الاقتصاد البريطاني ككل لكن ليس بالضرورة مدخرات الناس التقاعدية. وسيطلب من الجهات التنظيمية المالية أن تواكب إلغاء القيود التنظيمية في بلدان أخرى – أن توافق في واقع الأمر على سباق إلى القاع (الأمر الذي تسبب أيضاً في إثارة المتاعب بعد عام 2007).
لماذا الاندفاع إلى السماح للمصارف بالانطلاق من دون قيد؟ ليس أمام بريطانيا بعد بريكست إلا احتمال ضئيل للنمو الاقتصادي ولذلك تخوض مجازفات يائسة بالسماح للقلب التجاري للندن بالمروق – وهذا ما بدأت بالفعل في القيام به من خلال إلغاء السقف الخاص بالمكافآت في القطاع المالي، في خطوة هي من بين الخطوات القليلة التي اتخذها كواسي كوارتنغ وهو وزير للمال ولم يبطل العمل بها السيد هانت.
مرة أخرى، يتعين علينا أن نذكر أنفسنا لماذا وضعت هذه القواعد – الهدف ببساطة شديدة هو ضمان عدم مقامرة المصرفيين بأموال تخص أشخاصاً آخرين. حين حقق المصرفيون أرباحاً ضخمة من الاستثمار في سند "مركب" جديد ما، حصلوا على مكافأة سخية في شكل مواز، لكن حين حصلت مشكلة، وأفلست المصارف، بقيت الرواتب والمكافآت التي راكمها المصرفيون في أمان في حساباتهم المصرفية الخاصة، أو بخلاف ذلك، في عقارات فخمة وسيارات ويخوت فاخرة.
يقول المثل القديم: "أين يخوت العميل؟" لقد خصخصت الأرباح، لقد أممت الخسائر. ألن يتكرر ذلك؟
في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، قال المصرفيون إنهم ببساطة لا يستطيعون تحمل عدم المشاركة في الحفلة، لأن الآخرين كانوا يفعلون ذلك، وكان المساهمون يحفزونهم على ذلك، وكان الجميع في "سعي إلى تحقيق عوائد". وحققت بعض البلدان الأصغر حجماً الطموحة – أبرزها أيسلندا وإيرلندا – القدر الأعظم من المكاسب من البيئة العالمية الجديدة المحررة من القيود التنظيمية والمعولمة وراقبت بكل فخر التزامات مجموعاتها المصرفية التي حققت أرباحاً كبيرة تنمو إلى أضعاف الناتج المحلي الإجمالي الوطني. وأدى هذا في النهاية إلى عواقب مأسوية حين كان لزاماً على الحكومات الوطنية أن تضمنها وأن تستملكها.
في المملكة المتحدة، أخطأت جمعيات بناء سابقة، مثل "نورثرن روك"، في شراء دفاتر الرهن العقاري الثانوي المشكوك في تحصيله من فلوريدا، وكانت النتائج التي نتذكرها الآن ونحن نرتجف، لكن الآن تعطى الجهات التنظيمية سلطة تتطلب منها في واقع الأمر أن تعتمد موقفاً يتساوى تساهلاً في الأقل مع موقف أي منافس رئيس. الأمر بمثابة السعي إلى المتاعب.
لقد أصبحت الأمور في الواقع أكثر خطورة الآن، لأن المصارف إذا واجهت متاعب مرة أخرى – في حين لا تزال المملكة المتحدة تملك قطاعاً مصرفياً أكبر حجماً مما ينبغي مقارنة بالدخل الوطني – قد لا يكون لدى الدولة البريطانية المساحة اللازمة للاقتراض من أجل تأميم المصارف المتضررة وتحمل ديونها الهائلة.
بعبارة أخرى: إذا انهارت المصارف انهارت الدولة البريطانية، وبذلك ينهار الاقتصاد البريطاني. ولن يتمكن حتى صندوق النقد الدولي من تنفيذ عملية إنقاذ. وسيكون هذا هو المعادل الاقتصادي لهجوم نووي.
ليست البلاد في وضع يسمح لها بخوض المجازفات التي يحضنا السيد هانت الآن عليها بوصفها الطريق إلى ازدهار ما بعد بريكست وإلى عوائد ضريبية أكبر يدفعها القلب التجاري للندن حتى لو عنى ذلك نمو القطاع المالي في المملكة المتحدة – ومعه اقتصاد المملكة المتحدة – ببطء أكبر. الأمر لا يستحق العناء.
على غرار المنتجات الاستثمارية في كثير من الأحيان، إذا بدا الأمر أفضل من أن يصدق فهو ربما كذلك.
تشير إصلاحات إدنبرة التي يقترحها وزير المال للتنظيم المالي إلى أن ذاكرة الحكومة أصبحت قصيرة، لا بل قصيرة في شكل خطير.
بالكاد مرت 15 سنة على اضطرار الحكومة البريطانية عملياً إلى تأميم غالب المصارف الكبرى في البلاد، بعد أن جعلت الأزمة المالية العالمية هذه المؤسسات تترنح على حافة الانهيار – في تطور كان كفيلاً بدفع الاقتصاد إلى أعمق ركود منذ الكساد الكبير.
وفي مذكراته، يتذكر وزير المال وقتذاك أليستير دارلينغ تبلغه في أكتوبر (تشرين الأول) 2008 أن الناس كانوا على بعد ساعتين فقط من العجز عن سحب أموالهم من المصارف البريطانية. واليوم، يتصرف وزير المال الحالي، السيد هانت، وكأن ذلك لم يحدث قط. إنها حالة فقدان الذاكرة الناجمة عن بريكست.
كانت للأزمة المالية العالمية جذور معقدة ومتشابكة تمتد إلى اختلالات عالمية كبرى في التجارة بين الولايات المتحدة والصين، لكن أحد المحركات الرئيسة للكارثة كان الإلغاء الطائش للقيود التنظيمية المالية في مختلف أنحاء العالم الذي حدث بين منتصف ثمانينيات القرن العشرين فصاعداً.
لقد أزيلت تدريجاً الضوابط القانونية التي فرضت – لا سيما في الولايات المتحدة – بعد انهيار وول ستريت وما تلاه من كساد في ثلاثينيات القرن العشرين. وخلطت مرة أخرى أموال العملاء وأموال المصارف. وانطلق ازدهار التسنيد [تحويل الأصول إلى أوراق مالية]، ونسيت المجازفة، وأسيء تسعير الأدوات المالية، وسمح للمصارف بالعمل في ظل احتياطات بالحد الأدنى وغير كافية. ونمت المصارف لتصبح "أكبر من أن تترك لتنهار". وكانت النتيجة مؤلمة وباهظة الكلف لدافعي الضرائب في العالم.
يا لسرعة النسيان في ذاكرتنا.
الآن يقترح جيريمي هانت، على رغم سلوكه الهادئ العقلاني، تفكيك الضمانات التي وضعها فينس كيبل وجورج أوزبورن موضع التنفيذ قبل أكثر من 10 سنوات.
تتجه القواعد التي تحكم رأس المال، أو الاحتياطات التي تتطلبها المصارف لحماية نفسها ومودعيها إلى التخفيف مرة أخرى. وستيسر تدابير أخرى خوض المصارف والمؤسسات الأخرى مجازفات، سواء بأموالها الخاصة أو بأموال عملائها. وستدفع صناديق التقاعد وأموال التأمين نحو استثمارات بعيدة الأجل أكثر خطورة، في قطاعات مثل الطاقة النووية قد تفيد الاقتصاد البريطاني ككل لكن ليس بالضرورة مدخرات الناس التقاعدية. وسيطلب من الجهات التنظيمية المالية أن تواكب إلغاء القيود التنظيمية في بلدان أخرى – أن توافق في واقع الأمر على سباق إلى القاع (الأمر الذي تسبب أيضاً في إثارة المتاعب بعد عام 2007).
لماذا الاندفاع إلى السماح للمصارف بالانطلاق من دون قيد؟ ليس أمام بريطانيا بعد بريكست إلا احتمال ضئيل للنمو الاقتصادي ولذلك تخوض مجازفات يائسة بالسماح للقلب التجاري للندن بالمروق – وهذا ما بدأت بالفعل في القيام به من خلال إلغاء السقف الخاص بالمكافآت في القطاع المالي، في خطوة هي من بين الخطوات القليلة التي اتخذها كواسي كوارتنغ وهو وزير للمال ولم يبطل العمل بها السيد هانت.
مرة أخرى، يتعين علينا أن نذكر أنفسنا لماذا وضعت هذه القواعد – الهدف ببساطة شديدة هو ضمان عدم مقامرة المصرفيين بأموال تخص أشخاصاً آخرين. حين حقق المصرفيون أرباحاً ضخمة من الاستثمار في سند "مركب" جديد ما، حصلوا على مكافأة سخية في شكل مواز، لكن حين حصلت مشكلة، وأفلست المصارف، بقيت الرواتب والمكافآت التي راكمها المصرفيون في أمان في حساباتهم المصرفية الخاصة، أو بخلاف ذلك، في عقارات فخمة وسيارات ويخوت فاخرة.
يقول المثل القديم: "أين يخوت العميل؟" لقد خصخصت الأرباح، لقد أممت الخسائر. ألن يتكرر ذلك؟
في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، قال المصرفيون إنهم ببساطة لا يستطيعون تحمل عدم المشاركة في الحفلة، لأن الآخرين كانوا يفعلون ذلك، وكان المساهمون يحفزونهم على ذلك، وكان الجميع في "سعي إلى تحقيق عوائد". وحققت بعض البلدان الأصغر حجماً الطموحة – أبرزها أيسلندا وإيرلندا – القدر الأعظم من المكاسب من البيئة العالمية الجديدة المحررة من القيود التنظيمية والمعولمة وراقبت بكل فخر التزامات مجموعاتها المصرفية التي حققت أرباحاً كبيرة تنمو إلى أضعاف الناتج المحلي الإجمالي الوطني. وأدى هذا في النهاية إلى عواقب مأسوية حين كان لزاماً على الحكومات الوطنية أن تضمنها وأن تستملكها.
في المملكة المتحدة، أخطأت جمعيات بناء سابقة، مثل "نورثرن روك"، في شراء دفاتر الرهن العقاري الثانوي المشكوك في تحصيله من فلوريدا، وكانت النتائج التي نتذكرها الآن ونحن نرتجف، لكن الآن تعطى الجهات التنظيمية سلطة تتطلب منها في واقع الأمر أن تعتمد موقفاً يتساوى تساهلاً في الأقل مع موقف أي منافس رئيس. الأمر بمثابة السعي إلى المتاعب.
لقد أصبحت الأمور في الواقع أكثر خطورة الآن، لأن المصارف إذا واجهت متاعب مرة أخرى – في حين لا تزال المملكة المتحدة تملك قطاعاً مصرفياً أكبر حجماً مما ينبغي مقارنة بالدخل الوطني – قد لا يكون لدى الدولة البريطانية المساحة اللازمة للاقتراض من أجل تأميم المصارف المتضررة وتحمل ديونها الهائلة.
بعبارة أخرى: إذا انهارت المصارف انهارت الدولة البريطانية، وبذلك ينهار الاقتصاد البريطاني. ولن يتمكن حتى صندوق النقد الدولي من تنفيذ عملية إنقاذ. وسيكون هذا هو المعادل الاقتصادي لهجوم نووي.
ليست البلاد في وضع يسمح لها بخوض المجازفات التي يحضنا السيد هانت الآن عليها بوصفها الطريق إلى ازدهار ما بعد بريكست وإلى عوائد ضريبية أكبر يدفعها القلب التجاري للندن حتى لو عنى ذلك نمو القطاع المالي في المملكة المتحدة – ومعه اقتصاد المملكة المتحدة – ببطء أكبر. الأمر لا يستحق العناء.
على غرار المنتجات الاستثمارية في كثير من الأحيان، إذا بدا الأمر أفضل من أن يصدق فهو ربما كذلك.