اتصل بنا
 

كيف نفهم الاحتجاج؟ كيف نفهم الجنوب؟

نيسان ـ نشر في 2022-12-14 الساعة 01:25

كيف نفهم الاحتجاج؟ كيف نفهم الجنوب؟
نيسان ـ كتب أحمد أبو خليل
هذه محاولة للفهم أظنها ستكون هادئة. ودوافعي لذلك ما نقرأه ونسمعه من تساؤلات عن الحق بالاحتجاج الحالي في بعض المناطق وخاصة في جنوب الأردن، وهناك من يشكك، ضمنيا وعلانية، بشعور المحتجين بالمصلحة العامة، ويسأل كيف تبيح فئة لنفسها خلق توتر عام؟ وغير ذلك من أسئلة.
سوف أختصر كثيرا..
في بلدنا وفي عشرات الدول المشابهة، حيث لم تنضج بنية قانونية شاملة تحظى باحترام الجميع وتطبق على الجميع، بعدل ومساواة، وحيث لا تحظى السلطة التنفيذية والمنتخبة بالثقة الشعبية الكافية، وحيث تشهد البلد حالة من التفاوت المتنامي في الدخول ومستويات العيش والفرص وفي الاطمئنان لمستقبل الأبناء... إلخ. في مثل هذه الظروف تصبح التنمية وإدارة الاقتصاد أقرب إلى سلسلة تسويات هنا وهناك. هذا حصل ويحصل في الدنيا كلها، وحصل عندنا وعلى مدى تاريخ بلدنا، وفي احيان كثيرة كانت تتوفر سلطات وحكومات تتقن هذه العملية، أقصد إدارة التسويات، بل وكانت تستبقها أحيانا، فلا تسمح بتطور النزاعات وانفجارها.
لا تتوقف فئة المستفيدين والمستحوذين عن الرغبة بالمزيد من الاستفادة والاستحواذ. والحكومات تتجاذبها لأطراف المختلفة وتتصارع على قراراتها، وهذا أمر طبيعي. وتكمن مهارة السلطة المركزية في مقدرتها على إدارة توزيع المنافع والكلف والأزمات والاستحقاقات.
يحوز كل فريق اجتماعي على امكانات للضغط، متفاوتة بالتأكيد. فالأثرياء وأصحاب المال يحوزون على حجم كبير منها، وعلى صنف مميز أيضا، بينما تحوز الفئات الأضعف على حجم أقل وصنف مختلف من امكانات الضغط.
لاحظوا مثلا أننا جميعا نحرص وندعو للحرص على مشاعر ومصالح الأثرياء لكي لا يغلقوا مصالحهم أو يوقفوا استثماراتهم ويرحلوا ويتسببوا بأزمة! ولا يفكر أحد باللجوء الى وسيلة تجبرهم على البقاء التزاما بالمصلحة الوطنية!!
إن الفئات الأضعف، هي الأكثر ترددا بل الأكثر كرها للاحتجاج وتحاول تجنبه إذا كانت تستطيع تحمل الصبر على دوافعه وأسبابه. ببساطة لأن تضررها يبدأ من لحظة الاحتجاج. ولهذا فإن الفئات الأضعف تحاول وتحاور وترجو وتأمل وتناشد وتتعشم قبل ان تقرر الاحتجاج. هذا حصل في كل مرة وحصل هذه المرة أيضا. وهي لا تلجأ للاحتجاج إلا عندما يكون خيارها الأخير بوجه فريق أصحاب المصالح الأخرى الأقوياء، الذين يحظون عادة بقرارات حكومية محابية لهم، بسبب ما يحوزونه من إمكانات كبيرة للنفوذ والضغط والابتزاز أحيانا.
أما بالنسبة لجنوب بلدنا بالذات، فالكلام عندي كثير، وهو مبني على متابعات حثيثة وليس مجرد انطباعات عن بعد.
شبكة الظلم في هذا الجزء من وطننا متشعبة وواسعة. في الواقع لقد اضطرّنا الجنوب إلى الانتباه له عبر احتجاج مماثل شهير، وكانت النتيجة ان آخر المستفيدين من النتائج كان هو الجنوب وأهله.
مع ذلك، فقد جرت بعد عام 1989 عدة تسويات، وأنفق باسم تلك المنطقة مال كثير ورسمت خطط كثيرة، لكن للأسف فإن مردودها كان لمصلحة متنفذين خارجها مع قليل من "زبائن" التنمية فيها.
التاريخ التنموي او اللاتنموي للجنوب مؤلم كثيرا. فالثروات الكبرى فيها، والخيرات تجري منها خارجها على مرآى عيون أهلها.
قبل سنوات أجريت متابعتين بحثيتين من خلال الإقامة الجزئية في موقعين: مدينة معان، ثم لواء "المريغة" المجاور، ورأيت بعيني ما يجري.
أيها الناس، جوهر بلدنا يكمن في الجنوب. هناك سمعت كلمة "الوطن" و"الأردن" تقال بعفوية ولا حاجة للتمرين عليها عبر الكتب والأناشيد.
عندما انتشرت في البلد موجة التحركات في نسختنا مما سميناه "الربيع العربي"، تساءل الناس عن سر عدم مشاركة معان الواسعة كما هو متوقع. حينها سمعت إجابة في معان تنطوي على حس وطني واجتماعي لا يضاهى، لقد أجابني معانيون: "شعرنا أن هذا الصنف من الاحتجاجات ليس لنا". لقد كانوا قادرين على التمييز بذكاء بين الاحتجاج بأبعاد وطنية والاحتجاج غير المسيطر عليه وطنيا. دلوني على شعور بالمصلحة الوطنية العليا يضاهي هذا الشعور.
أنا من أقصى الشمال، لكني أدرك تماما ان الأردن يبدأ من الجنوب.

نيسان ـ نشر في 2022-12-14 الساعة 01:25


رأي:

الكلمات الأكثر بحثاً