أدرنا ظهورنا لكل شيء
سامح المحاريق
كاتب
نيسان ـ نشر في 2022-12-22
نيسان ـ يقول د. علي محافظة: لن تنصلح أحوالنا إلا إذا قرأنا تاريخنا المعاصر، وإخفاقاتنا بمنهج علمي صارم واستخلصنا العبر بأمانة وجرأة.
وأمام هذه النصيحة المهمة من أحد المختصين بتاريخنا المعاصر، فإننا أدرنا ظهورنا لكل شيء وتجاهلنا مؤرخين اعتمدوا على الوثائق، وبحثوا في المراجع، وحققوا المخطوطات، وقارنوا المصادر، وذهبوا بمحصلة أعمالهم إلى جامعات عالمية ليحصلوا على شهادات عليا بعد عملية مضنية من البحث والنقاش والكتابة والتحرير.
تركنا محافظة، وسليمان الموسى، وعبد الكريم غرايبة ويوسف غوانمة، وكنا نقرأ انطباعات غير موثقة من كاتب يساري يحشر استشهاداً لماركس أو غرامشي أو كاوتسكي كل سطرين، وعلى الأكثر ثلاثة، أو آخر ليبرالي يستدعي مجتمع كارل بوبر المفتوح ويسقط تأملات فوكوياما على كل شاردة وواردة.
للأسف لم نتوقف عند هذه الحالة، ويا ليت هذه المرحلة تعود ولو قليلاً، فاليوم، يمكن للوردة الذابلة أو فارس بلا جواد أن يدخل مواقع التواصل الاجتماعي محملاً بإشاعة ما، يقوم بعد ذلك بوضع كل ما يمكن من بهارات وتخيلات ومواقف شخصية عليها، ليخرج بحكم قطعي لا يقبل النقاش أو الحوار.
شعبنا بسيط، يمكن أن يجد شخصاً يقود سيارة فاخرة ويسكن بيتاً كبيراً فيصفر: إنه ملياردير، مع أنه لا يوجد ملياردير أردني، والصحف والمجلات المتخصصة أخذت تستثني رجل الأعمال زياد المناصير عندما تذكر أثرياء المنطقة العربية لأنه ثروته تراجعت عن حاجز المليار منذ سنوات.
يوجد فساد ومفسدون، هذه حقيقة لا يمكن أن يتجاهلها أحد، ولكن ليست هي المشكلة، المشكلة أن حجم اقتصادنا لا يمكن أن يولد مليارديرات، وأن تجربة المناصير مثلاً غير قابلة للاستعادة، وأن كل المليارات المسلوبة هي مجرد مبالغات، وأن كل الفساد المباشر لا يشكل الشيء الكثير، فالمشكلة المكلفة بصورة حقيقية هي عدم الكفاءة؟
يتداول الناس تسجيلاً يجمع بعض الشخصيات التي خرجت من مؤتمر دافوس في واحدة من دوراته يتحدثون عن استثمارات بالمليارات، ولكن هذه الاستثمارات لم تتحقق، ولكن تلك الشخصيات لم تكن تكذب في ذلك الوقت، فالأمر ببساطة أن الشركة (س) أو الصندوق (ص) يظهرون استعداداً للعمل في الأردن ولكن يتفاجأون بعد وقت أن موظفاً يحتل موقعاً متوسطاً في تراتيبة البيروقراطية الأردنية يمكنه تعطيل كل شيء.
نعم توجد أخطاء، ملف الطاقة حافل بها، ولكن كيف تأتت هذه الأخطاء؟ كيف تولدت؟ لماذا لا نعترف أننا نفتقد لبعض الخبرات الضرورية في إدارة العطاءات الكبرى والشراكات العالمية.
الحكومة لا تستطيع أن تستقطب الخبرات المتميزة، فهي مطالبة بالتوظيف ثم التوظيف ثم التوظيف كماً من غير نوع، وهي لا تمتلك فرصة لتعطي القطاع الخاص فسحة من التنفس تحت تمويل شره مطلوب من أجل الرواتب والمزيد من الرواتب.
الأردن تعاني تخمة من المهندسين، يوجد مهندسون متميزون، ولكن ما الذي سيدفع مهندساً خبيراً ومتميزاً ليعمل في الحكومة ويمثلها بصورة حقيقية براتب لا يتجاوز 2000 دينار، بينما يمكن أن يحصل على ستة أو سبعة أضعاف المبلغ في دولة خليجية؟ أو ضعفين لثلاثة في بلد أوروبي يمنحه جنسيته في النهاية؟
كم مبرمجاً أردنياً يهاجر سنوياً؟ النمسا أصبحت مستوردةً للمبرمجين الأردنيين، وهذه حقيقة عن معرفة شخصية! فما الذي ننتظره؟ لماذا فشلنا في استدراج الشركات التي تتكاثر كالفطر عند أبناء العم؟
المطلوب برنامج تشغيل حقيقي، يقوم على استقطاب قطاع خاص يقدر الفرص القائمة في الأردن، ويتعامل مع قوانين واقعية ومسؤولة، وشركاء في القطاع العام يمكنهم التفاوض والتضحية بمكاسب عاجلة مقابل تعزيز الاستدامة والمنعة في الاقتصاد.
هل نحن مستعدون لقراءة نقدية جادة وحقيقية وقائمة على المنطق والأرقام والبدائل المتاحة والفعلية والاعتبارات والمحددات الجيواستراتيجية والاقتصادية والاجتماعية و(السلوكية)، أم سنسلم ايقاع فهم المشكلات وتشخيصها وتقديم الحلول للفاضلة الوردة الذابلة والمحترم فارس بلا جواد ليتوليا قيادتنا إلى الهاوية؟..
وأمام هذه النصيحة المهمة من أحد المختصين بتاريخنا المعاصر، فإننا أدرنا ظهورنا لكل شيء وتجاهلنا مؤرخين اعتمدوا على الوثائق، وبحثوا في المراجع، وحققوا المخطوطات، وقارنوا المصادر، وذهبوا بمحصلة أعمالهم إلى جامعات عالمية ليحصلوا على شهادات عليا بعد عملية مضنية من البحث والنقاش والكتابة والتحرير.
تركنا محافظة، وسليمان الموسى، وعبد الكريم غرايبة ويوسف غوانمة، وكنا نقرأ انطباعات غير موثقة من كاتب يساري يحشر استشهاداً لماركس أو غرامشي أو كاوتسكي كل سطرين، وعلى الأكثر ثلاثة، أو آخر ليبرالي يستدعي مجتمع كارل بوبر المفتوح ويسقط تأملات فوكوياما على كل شاردة وواردة.
للأسف لم نتوقف عند هذه الحالة، ويا ليت هذه المرحلة تعود ولو قليلاً، فاليوم، يمكن للوردة الذابلة أو فارس بلا جواد أن يدخل مواقع التواصل الاجتماعي محملاً بإشاعة ما، يقوم بعد ذلك بوضع كل ما يمكن من بهارات وتخيلات ومواقف شخصية عليها، ليخرج بحكم قطعي لا يقبل النقاش أو الحوار.
شعبنا بسيط، يمكن أن يجد شخصاً يقود سيارة فاخرة ويسكن بيتاً كبيراً فيصفر: إنه ملياردير، مع أنه لا يوجد ملياردير أردني، والصحف والمجلات المتخصصة أخذت تستثني رجل الأعمال زياد المناصير عندما تذكر أثرياء المنطقة العربية لأنه ثروته تراجعت عن حاجز المليار منذ سنوات.
يوجد فساد ومفسدون، هذه حقيقة لا يمكن أن يتجاهلها أحد، ولكن ليست هي المشكلة، المشكلة أن حجم اقتصادنا لا يمكن أن يولد مليارديرات، وأن تجربة المناصير مثلاً غير قابلة للاستعادة، وأن كل المليارات المسلوبة هي مجرد مبالغات، وأن كل الفساد المباشر لا يشكل الشيء الكثير، فالمشكلة المكلفة بصورة حقيقية هي عدم الكفاءة؟
يتداول الناس تسجيلاً يجمع بعض الشخصيات التي خرجت من مؤتمر دافوس في واحدة من دوراته يتحدثون عن استثمارات بالمليارات، ولكن هذه الاستثمارات لم تتحقق، ولكن تلك الشخصيات لم تكن تكذب في ذلك الوقت، فالأمر ببساطة أن الشركة (س) أو الصندوق (ص) يظهرون استعداداً للعمل في الأردن ولكن يتفاجأون بعد وقت أن موظفاً يحتل موقعاً متوسطاً في تراتيبة البيروقراطية الأردنية يمكنه تعطيل كل شيء.
نعم توجد أخطاء، ملف الطاقة حافل بها، ولكن كيف تأتت هذه الأخطاء؟ كيف تولدت؟ لماذا لا نعترف أننا نفتقد لبعض الخبرات الضرورية في إدارة العطاءات الكبرى والشراكات العالمية.
الحكومة لا تستطيع أن تستقطب الخبرات المتميزة، فهي مطالبة بالتوظيف ثم التوظيف ثم التوظيف كماً من غير نوع، وهي لا تمتلك فرصة لتعطي القطاع الخاص فسحة من التنفس تحت تمويل شره مطلوب من أجل الرواتب والمزيد من الرواتب.
الأردن تعاني تخمة من المهندسين، يوجد مهندسون متميزون، ولكن ما الذي سيدفع مهندساً خبيراً ومتميزاً ليعمل في الحكومة ويمثلها بصورة حقيقية براتب لا يتجاوز 2000 دينار، بينما يمكن أن يحصل على ستة أو سبعة أضعاف المبلغ في دولة خليجية؟ أو ضعفين لثلاثة في بلد أوروبي يمنحه جنسيته في النهاية؟
كم مبرمجاً أردنياً يهاجر سنوياً؟ النمسا أصبحت مستوردةً للمبرمجين الأردنيين، وهذه حقيقة عن معرفة شخصية! فما الذي ننتظره؟ لماذا فشلنا في استدراج الشركات التي تتكاثر كالفطر عند أبناء العم؟
المطلوب برنامج تشغيل حقيقي، يقوم على استقطاب قطاع خاص يقدر الفرص القائمة في الأردن، ويتعامل مع قوانين واقعية ومسؤولة، وشركاء في القطاع العام يمكنهم التفاوض والتضحية بمكاسب عاجلة مقابل تعزيز الاستدامة والمنعة في الاقتصاد.
هل نحن مستعدون لقراءة نقدية جادة وحقيقية وقائمة على المنطق والأرقام والبدائل المتاحة والفعلية والاعتبارات والمحددات الجيواستراتيجية والاقتصادية والاجتماعية و(السلوكية)، أم سنسلم ايقاع فهم المشكلات وتشخيصها وتقديم الحلول للفاضلة الوردة الذابلة والمحترم فارس بلا جواد ليتوليا قيادتنا إلى الهاوية؟..
نيسان ـ نشر في 2022-12-22
رأي: سامح المحاريق كاتب