اتصل بنا
 

الشخصية الأردنية

كاتبة أردنية

نيسان ـ نشر في 2022-12-24 الساعة 05:52

نيسان ـ منذ وعيت و أنا أسمع أن الأردني قبلي عشائري عصي على الرضوخ للدولة كمواطن يخضع لمظلة الحقوق والواجبات المدنية .
متأخرا أدركت أن السلطة السياسية خلقت و رعت هذه الصورة النمطية للأردني لتشهرها في وجهه وفي وجه العالم كلما طالب بحقوقه في المشاركة السياسية وفي إدارة دولته .
متأخرا عرفت أن هذه الصورة غير صحيحة ، لأني متأخرا عرفت أبي .
أتحدث عن أبي و في كل عشيرة أردنية عشرات من أبي ، وفي كل قبيلة آلاف الرجال الذين يشبهون أبي .
.
أبو صايل ، ولد في أم قيس عام ١٩٢٩ بعد ثمان سنوات من تأسيس إمارة شرق الأردن ، وقبل ولادة المملكة الأردنية الهاشمية عام ١٩٤٦ . في الشكل يضع على رأسه شماغا أحمر ، و يرتدي ثوبا أبيض في الصيف وملونا في الشتاء .
نسبه الحسبان من قبيلة بني حسن الممتدة ديمغرافيا في الضفتين . سكن أجداده بيتا راسخا في أم قيس ما زالت حجارته قائمة في الحارة الفوقى وزرعوا أرضا ما زالت تربتها ترمي ثمرا . بقدر رسوخه في بلدته أم قيس كان واصلا للأقارب والعشيرة في الزرقاء و في" حمامة " يشاركهم و يشاركونه الفرح والترح ، و إحدى جداتي آمنة صايل الحسبان شقيقة إبراهيم صايل الحسبان وزير التربية والتعليم في حكومة الأردن العسكرية ١٩٧٠ .
.
مثل آلاف الأردنيين عمل أبي عسكريا في جيش المملكة الأردنية يساهمون في بناء دولتهم الناشئة ، يد تحمل البندقية و الأخرى تحمل الفأس ،فلم يبع أرضه. .
ومثل آلاف الأردنيين ، أعال أسرة تجاوزت أصابع اليدين ، في أول السبعينات اقتنى سيارة و شغلها على خط إربد أم قيس ، ولم يبع أرضه .
ومثل آلاف الإردنيين ما إن وصل التعليم قريته أقصى الشمال حتى استجاب لنداء الحداثة ، انخرطت بناته قبل الصبيان في المدارس وبعدها في الجامعات ، شقيقتي الكبرى " نورهان " حصلت على الثانوية في أول السبعينات حاصلة على معدل يؤهلها دخول الجامعة الأردنية الجامعة الوحيدة حينها وما منعها كان البعد الجغرافي ، و درست في معهد عجلون للبنات . هل هذا أردني عصي على الحداثة والمواطنة ؟١
الأردنيون الآباء قدسوا قيمتين ، قيمة الحداثة حين انخرطوا مبكرا في التعليم ، و قيمة المواطنة حين تمسكوا بالأرض . تجار الوطن عبثوا بهذه القدسية ، بيعونا أرضنا لنشتري بثمنها تعليما مفسدا ، فنخسر القيمتين الحداثة و الأصالة .
.
أبي مثل آلاف الأباء الأردنيين مارس مدنية السلوك والفكر قبل أن تولد منظمات المجتمع المدني و التمكين .
.
في السبعينات تعايشنا مع زوجة أخي الانجليزية تحت سقف بيت واحد ، لا دين ولا لغة ولا قومية منعتنا من أن نحبها و تحبنا .
في الثمانينات هربت من عصا مديرة المدرسة لأنني في البيت تعلمت أن أرفض الضرب ، علمني أبي الرفض قبل منظمات حقوق الإنسان .
بعد تخرجي دعمني للتقدم لوظيفة مضيفة طيران . فلم أحتج حركة نسوية لنيل حقوقي المدنية .
كان أبي مؤديا للفروض الدينية ، ولكنه لم يتدخل يوما بشؤون عباداتنا لا بنتا ولا ولدا ، لم ينتظر NGOs لتعلمه الإنسانية .
مثل آلاف الأردنيين خدم في الجيش الأردني ، وبقيت فلسطين حتى وفاته مغروسة في وجدانه القومي .و في حصار العراق في التسعينات مضى مع الأردنيين نحو بغداد .
مثل الأردنيين يتطلع للمثال و الفروسية ، أحب جمال عبد الناصر ومن بعده صدام حسين ، ومن بعده حسن نصرالله ، بوصلته عروبته ، وعاش و مات أردنيا .
.
في الألفين فتح بيته وقلبه حتى لل " هراريين " ولم يسلم عقله لفكر منغلق أو ظلامي . شربوا القهوة والشاي و جادلهم و جادلوه ولم يكفروا بعضا .
.
حين بدأ الاستثمار في الحارة الفوقى في أم قيس لم يرفضه ، بل دعم استخدام بيت جده فكان من أول البيوت التي رممت وأعيد استخدامها كمصدر للتراث و كبيت للضيافة .
كان أبي يغني شعرا بدويا شجيا على الربابة ، و يستذكر بحب وزهو حفلة صباح ودلعها في بيروت .
كان يجالس ويمازح و يسامر نساء الحارة والعائلة ، وبالمثل تفعل أمي .ولم ينتظر الحركة النسوية تعلمه الاتيكيت .
.
لم أقل يوما أو لم أشعر يوما بحاجتي الملحة للقول أنني من عشيرة كذا أو من قبيلة كذا ، حتى أمام من كان يتفاخر بجهل بعشيرته ، ببساطة لأنني كنت أشعر أنني أمتلك ما يمنحني الثقة أكثر بنفسي ، أمتلك العلم والتعليم والقدرة على تحصيل المتعة والمعرفة ، والأهم أنني كنت وما زلت امتلك القدرة على الرضا ، كان أبي مثل آلاف الآباء الأردنيين ونحن صغارا وشبابا نضغط عليه بالاستهلاك فيقول : ولك أنا عايش أحسن من الملك .
عبثتم و تعبثون بنا :جعلتم منا جيل مخدرات ، قروض ، قيم استهلاك ، تدين قاس ...ولكن لن تعبثوا بصور آبائنا ، فنحن لم ننسها بعد .

نيسان ـ نشر في 2022-12-24 الساعة 05:52


رأي: عندليب الحسبان كاتبة أردنية

الكلمات الأكثر بحثاً