اتصل بنا
 

هل فشل بوتين في أوكرانيا ؟

نيسان ـ القدس العربي ـ نشر في 2022-12-27 الساعة 18:06

x
نيسان ـ قال الجنرال لورد ريتشارد دانات، رئيس هيئة أركان الجيش البريطاني السابق إن حملة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للسيطرة على أوكرانيا قد تكون فشلت إلا أن الغرب غير جاهز لما سيأتي لاحقا.
وفي مقال نشرته صحيفة “ديلي تلغراف” قال إن الذين ظنوا قبل عام أن بوتين سيغزو أوكرانيا أو اعتقدوا أنه سيكون مجنونا لو فعل هذا، فشلوا في النظر للوضع من منظوره. فقد كان قرار الغزو بالنسبة له منطقيا، مع أنه لم يكن يعرف أن الأساس الذي أقام عليه “عمليته العسكرية الخاصة” كان مليئا بالعيوب ومنذ البداية.
ففي عام 1989 راقب بوتين، الذي كان عقيدا في المخابرات السوفييتية كي جي بي، الاتحاد السوفييتي الذي أحبه وهو يتداعى أمام ناظريه وسط وحدة الغرب والناتو. وفي بداية التسعينات من القرن الماضي راقب النقاش فيما إن كان يجب ضم دونباس لأوكرانيا أو روسيا. وعلى مدى العقدين اللاحقين راقب كيف تأرجحت كييف بين دعمها لروسيا ودعمها للغرب. وفي عام 2015 راقب الغرب وهو يتخلى عن خطوطه الحمر عندما تدخل في سوريا وتوصل لنتيجة أنه ضعيف ويقاد بطريقة فقيرة.
وفي عام 2014 قام بضم شبه جزيرة القرم، وراقب مرة ثانية موقف الغرب الأعرج حول تحركه. وعليه قام بدعم ورعاية الحركة الانفصالية في إقليم دونباس، شرق أوكرانيا. وفي آب/أغسطس 2021 شاهد فشل الغرب البائس في أفغانستان بعد عشرين عاما من الحرب والمشاركة فيها، حيث تخلى عن كابول. وعند هذه النقطة بات متأكدا أن الغرب ضعيف وبدون دفة تقوده. ثم قرر في 24 شباط/فبراير 2022 التحرك مرة أخرى.
وعلى مدى العشرة أشهر الأخيرة قدمت تفاصيل حول الإهانة التي تعرض لها الجيش الروسي، ولجوئه للأساليب السوفييتية القديمة من خلال المدفعية وفتح الطريق أمامه إلى أوكرانيا والتي أحبطها الأوكرانيون المصممون الذين دعمهم الغرب. وبحلول الشتاء، استقرت ساحة المعركة حيث يحضر كل طرف نفسه للحملة المقبلة في أسابيع أو أشهر قادمة. وبناء على الأدلة فأي حملة روسية ستحبطها القوات الأوكرانية المدربة وستحبط معنويات الروس بالكامل.
ولكن السؤال هل ستغير روسيا موقفها من الغرب، حتى لو أجبرت على الخروج من أوكرانيا بما فيها شبه جزيرة القرم، وسواء ظل بوتين في الحكم أم أجبر على الخروج منه؟ فبوتين ليس الزعيم الروسي الأوحد الذي اعتقد أن أوكرانيا هي جزء لا يتجزأ من روسيا العظمى. والسؤال: متى سيثق الغرب بروسيا؟ ومتى سترفع العقوبات الاقتصادية؟ ومتى ستتأكد الدول الأوروبية من عدم تورطها مرة أخرى في الاعتماد المطلق على الطاقة الروسية؟ وهذه أسئلة غير مريحة للناتو والولايات المتحدة والقادة الأوروبيين وعليهم التعامل معها. والنتيجة الواقعية الواجب قبولها هي أن على الغرب، وإن بثمن كبير، مواصلة الوقوف وبقوة أمام أي عملية توسع روسي جديدة.
وكما في الحرب الباردة، لم يكن لدى الناتو أي طموح للهجوم على روسيا، إلا أن التجربة الحالية أظهرت ضرورة احتواء روسيا وإقناعها بقبول موقعها ضمن النظام الدولي الذي رسم بعناية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. ومع ذهاب الثقة، فلم يبق أمام الغرب أي خيار سوى زيادة النفقات الدفاعية ونشر الأسلحة الردعية على مدى الحدود الأوروبية الطويلة مع روسيا، وهي حدود ستتوسع قريبا بعد انضمام كل من السويد وفنلندا إلى الناتو.
وفي المملكة المتحدة يجب أن يكون في مركز المراجعة المتكاملة للسياسة الخارجية والدفاع لعام 2021 زيادة النفقات على القوات البرية بل وفي رأس قائمة الأولويات. فقد أظهرت الحرب الشرسة في أوكرانيا أن السلاح الحديث والمتقدم وإن كان مهما إلا أنه ليس بديلا عن القوات الشجاعة والمعارك بين الجنود، وهي التي تقرر مسار الحرب.
ولو أرادت بريطانيا لعب دور متقدم في سياسة الردع للناتو فيجب أن يكون تمويل القوات البرية على رأس أولوياتها، وأن تناقش في بداية العام المقبل إن أصبح هذا أولوية في داخل السياسة الدفاعية والخارجية وإن تم عبر زيادة الميزانية الدفاعية. وبالمقارنة، فبريطانيا في مرحلة ما بعد الحربين لم تكن قادرة على نشر فيلق في الميدان، أما اليوم فهي لا تستطيع نشر فرقة، والفقر في هذه القدرة ليس ردعا، ويتساءل الواحد إن كان التاريخ سيعيد نفسه.
وأكدت المراجعة المتكاملة للسياسة الخارجية والدفاعية على الصمود، وكدولة على جزيرة تحتاج بريطانيا لأكثر من حماية حدودها الوطنية بل وأبعد مثل قدرتها على تأمين سلاسل الإمدادات، ومواجهة وباء مثل كوفيد. وفي وقت زادت فيه كلفة المعيشة فالتصميم يعني قدرة المجتمع المدني على العمل بطريقة فعالة وسط الخلافات والإضرابات، وظل اللجوء إلى الجيش أمرا صعب المنال. ولأن القدرة الإضافية للجيش انخفضت فإنه لن يستطيع مساعدة الحكومة وسط حالة الإضرابات.
وبالعودة إلى حرب أوكرانيا وتداعياتها، فلو اقتضت الحاجة لاحتواء روسيا وضمان أمن أوروبا، فهناك ثمن يجب دفعه. هل نظر صناع السياسة في أوروبا وبشكل كاف من منظور هتلر؟ وهل نظرنا للوضع وبشكل كاف من خلال عيون بوتين؟ وبالتأكيد فالمنع أفضل من العلاج والردع أفضل دائما من الحرب. وعلينا تذكر أن البخل في الثلاثينات من القرن الماضي أسهم تقريبا بكارثة الأربعينات، وعلينا الآن منع تكرار التاريخ لنفسه.

نيسان ـ القدس العربي ـ نشر في 2022-12-27 الساعة 18:06

الكلمات الأكثر بحثاً