اتصل بنا
 

من أهم أسرار تقدم اليابان

أكاديمي وسياسي وكاتب أردني

نيسان ـ نشر في 2023-01-05 الساعة 15:12

نيسان ـ الأمر هنا يتعلق بالمعتقد الديني في اليابان، ويسمونه "الشنتو"، أي الطريق الأقدس الكلي، المتمحور حول مبدأ مركزي يُشار إليه بإسم "الكامي". تتناقل أجيال اليابانيين هذا المعتقد، من دون أن تعرف له مصدراً أو مؤسساً أو تاريخَ ابتداء. وبهذا فإنهم بمنجاة من الإستلاب للماضي واسترقاقه لعقولهم.
يعترف حكماء "الشنتو" بغموضه حتى كمصطلح. ولا غرابة إذن، أن يكون لهذا المعتقد أكثر من تعريف، نتخير أحدها. يقول الباحث الياباني موريناغا بخصوص "الكامي":"إنه كل ما يثير في النفس الرهبة والجلال لما يمتلكه من قوى غير عادية".
كما يتضح من هذا التعريف العام، ليس لدى اليابانيين أنفسهم فكرة دقيقة عن "الكامي"، إلا أنهم يختبرونه بشكل حدسي في أعماق وعيهم، ويتواصلون معه من دون مفاهيم لاهوتية أو ذهنية.
هذا يعني ضمن أمور عدة، اعتماد معتقد "الشنتو" على الحدس وخبرة الفرد الدينية المباشرة من دون مبادئ لاهوتية. من هنا نفهم السبب الكامن وراء عدم إشغال أتباع "الشنتو" أنفسهم بأسئلة أنطولوجية تتعلق بالوجود، لشعورهم بحقيقة "الكامي" عن طريق التماس المباشر مع القدسي، والإدراك المرهف لما هو سري وخفي.
ينتقل الإيمان ب"الشنتو" من جيل إلى جيل عن طريق الإحساس بالطقس الديني وممارسته، في الهياكل (دور عبادة)، لما لها من دور مركزي في هذا المعتقد. في الهياكل، يتلقى الأتباع قيماً روحية وجمالية تغنيهم عن صياغة إيمانهم في نظام أيديولوجي يمزقهم مذاهب وطوائف وجماعات متصارعة على صلاحيات السماء، يدعي كل منها أنه الناطق الحصري بإسمها ومن حقه توزيع الناس على الجنة والنار!!!
وفق معتقد "الشنتو"، البشر أطفال "الكامي" منه يتلقون الحياة وبه يستمرون. انعكس هذا الاعتقاد على نظرة الياباني لمكانته في العالم، وعلى صعيد النظام الكوني. فعلى هذا الأساس، تعززت في نفوس اليابانيين قدسية حياة الإنسان والإحترام الكبير لحقوقه. فكل انسان يحمل قبساً من القداسة مُستمد من "الكامي"، بغض النظر عن عرقه ولونه وانتمائه الوطني. وترتب على ذلك ما هو أهم أيضاً، على صعيد إخلاص الياباني في العمل وتفانيه في الإنتاج وتحفيزه للإبداع والإنجاز. فالإنسان وإن تمتع بخصائص تؤكد تميُّزه وقدسية حياته واحترام حقوقه، فإنه في الوقت عينه حلقة في سلسلة تمتد في الماضي نحو الأسلاف وفي المستقبل نحو الأجيال القادمة. هنا، نصل إلى نظرة "الشنتو" الأشمل للتاريخ الصاعد في إتجاه تقدمي تصنعه جهود الأفراد وحيواتهم. بموجب هذه النظرة، الإنسان مُلزم بأن يلعب دوراً إيجابياً في الإرتقاء بمستوى الحياة وتقدمها. وعلى أساسها أيضاً، أي النظرة الأشمل للتاريخ التصاعدي، ترسخت أزلية الكون في عقول اليابانيين الخالية من أية معتقدات حول نهاية العالم وفناء البشرية. وعليه، فما على الفرد إلا أن يحيا كل لحظة من حياته بكامل أبعادها، ويعطيها ما تستحق من قيم واعتبارات.

نيسان ـ نشر في 2023-01-05 الساعة 15:12


رأي: د. عبدالله الطوالبة أكاديمي وسياسي وكاتب أردني

الكلمات الأكثر بحثاً