اتصل بنا
 

موسم للنقاش بدلا من الصراخ

نيسان ـ نشر في 2023-01-08 الساعة 08:51

نيسان ـ كل معطيات الوضع الراهن تدلل على أن موازنة هذا العام ستشهد جدلاً كبيراً في أروقة مجلس النواب بوتيرة أعلى من سابقاتها بكثير، نتيجة الأوضاع السائدة، وحالة الاحتقان التي تدور رحاها في عقول الكثير من فئات المجتمع، ناهيك عن حالة الغليان على صفحات التواصل الاجتماعي التي فعلاً باتت تشكل الانطباع السائد للغالبية ممن يتعاملون معه، لدرجة أنه بات من الصعوبة بمكان أن تفرق بين العاقل والمجنون، والجاهل والمتعلم.
أزمة العلاقة بين الحكومة والنواب الإعلامية ستنقل إلى جلسات مناقشة الموازنة التي ستكون محط أنظار الإعلام بأشكاله المختلفة، ونقاش الموازنة سيتحول إلى حالة من الفوضى في المشهد العام للعلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وستكون لها تداعيات سلبية على الشارع العام وثقة المواطن بهما.
للأسف، النقاش المسؤول يفتقد في المرحلة الراهنة، فبدلاً من مناقشات اقتصادية عقلانية منطقية لخطة الحكومة المالية لسنة 2023، ينطلق موسم إقرار قانون الموازنة بموجة من الشتائم والانتقادات دون معرفة حقيقة الخلاف وعلى أي أسس تتركز فيها أطر الانتقادات للحكومة من قبل النواب.
قضايا الدعم ورفع الأسعار هي قضايا شعبوية بامتياز، ويستطيع السادة النواب رفع شعبيتهم من خلال هذا الباب، إذ دائماً ما كان هناك إخفاق حكومي في إدارة الملف الاقتصادي بطريقة شفافة.
اليوم تتطاير الاتهامات بين السلطتين وتحديداً من التشريعية تجاه الحكومة، ولكن ما هو معروف لا بل ما هو محسوم، أن هذا المشهد الذي يتكرر كل عام بالوتيرة نفسها، سرعان ما ينتهي بما ترغب به الحكومة بدون مشاكل وبكل مرونة، مما يعزز فقدان ثقة المواطن بالخطاب العام في الدولة عامة، وبعلاقته مع الحكومة والنواب على وجه الخصوص.
لن يجدي هذا الحوار بين الحكومة والنواب نفعاً على القضايا الاقتصادية، وسيبقى المشهد أقرب لما يصطلح عليه بحوار الطرشان، سيجد المواطن دائماً نفسه بلا سند يدافع عن مصالحه وحقوقه المعيشية.
عوضاً عن الصراخ والشتائم التي لا تسمن ولا تغني من جوع في خدمة الوطن والمواطن فليتجه السادة النواب إلى حوار منطقي وعقلاني لقانون الموازنة بحيث يخدم الصالح العام ويفضي إلى تفاهمات علمية تجيب عن أسئلة الشارع وترفع من درجة المسؤولية للسلطتين في إدارة الشأن الاقتصادي.
لا يعقل أن ينحصر نقاش الموازنة بقيمة دعم الخبز وتعرفة الكهرباء والمحروقات، وتذهب باقي البنود أدراج الرياح، فالأساس هو معرفة الهدف النهائي لكل بند في الموازنة، فيما إذا كانت الحكومة قادرة على الوصول إلى تحقيق فرضيات الموازنة أصلاً.
فالدعم النقدي ليس أساس الإصلاح المالي وليس ركيزة الاستقرار الاقتصادي، وهنا على النواب أن يتساءلوا فيما بينهم فيما إذا كان المشرع المالي للدولة من خلال مشروع قانون الموازنة العامة فعلاً يوفر الإطار الهيكلي المؤسسي القادر على تعزيز الأمن المعيشي للأردنيين، وحماية دخولهم من التراجع في ظل معدلات تضخم مرتفعة نسبياً من جانب، وكيفة التزام الحكومة بالإصلاحات المالية الهيكلية والارتقاء ببيئة الاستثمار من أجل النهوض بالعملية الإنتاجية والاقتصادية وخلق فرص عمل جديدة في الاقتصاد.
السادة النواب مطالبون بالتدخل في تفصيل منهجية عمل الموازنة ومراقبة الأداء الحكومي الخاص بتنفيذ الموازنة وبشكل مؤسسي ودوري، لا أن يكون النقاش والصراخ فقط في موسم الموازنة أثناء إقرارها.
الارتقاء في النقاش هو وسيلة فاعلة لتحصين المواطن من تغول أي سلطات على أمنه المعيشي وغير ذلك فكل ما يحدث من شتائم وفوضى في الحوار بين السلطتين التنفيذية والتشريعية سينعكس سلباً على المواطنين.
نقاشات الموازنة المقبلة ستكون عاملاً أساسياً في تحديد شكل العلاقة المقبلة بين السلطتين، ونظرة المجتمع إليهما، ففي حال تواصل مشهد الفوضى في النقاشات لدى الغالبية، فإن ذلك سيساهم أكثر في شرخ جدار الثقة من قبل المجتمع تجاه السلطات الرئيسية، وسيتراجع حتى مستويات الاحترام والهيبة لتلك المؤسسات من قبل الشارع، فلذلك يجب ان تكون النقاشات على مستوى المسؤولية الوطنية وحجم التحديات الإقليمية والدولية التي تحيط بالمملكة.
الغد

نيسان ـ نشر في 2023-01-08 الساعة 08:51


رأي: سلامة الدرعاوي

الكلمات الأكثر بحثاً