اتصل بنا
 

المدينة الجديدة.. مشروع يحتاج إلى المزيد من الدراسة

كاتب أردني

نيسان ـ نشر في 2023-01-22 الساعة 07:49

المدينة الجديدة.. مشروع يحتاج إلى المزيد
نيسان ـ محمد قبيلات
تقوم فكرة إنشاء المدينة الجديدة على بعض الفرضيات غير الدقيقة، الأولى إستدامة معدلات النمو السكاني، والثانية تخفيف الازدحام في المدن الرئيسية من خلال نقل بعض الدوائر والمجمعات الحكومية إليها، والفرَضَين باتا تحت تهديد التغيُّر نتيجة التطور المستمر لأنماط الانتاج، فلا النمو في عدد السكان مستمر، ولا الازدحام في المراكز، بسبب استمرار مراجعة الدوائر الحكومية، فنحن نشهد اليوم، حتى في دولة مثل الصين، أن معدلات النمو السكاني بدأت منذ فترة بالتباطؤ، حتى أصبحت سالبة، مثلها مثل الكثير من الدول الأوروبية التي باتت تعاني من مشاكل تراجع أعداد السكان وشيخوخة مجتمعاتها.
كذلك فيما يخص دور وشكل مراكز الخدمات الإدارية الحكومية؛ فمع انتشار خدمات الإنترنت وتطور تطبيقاتها باتت كل معاملات المواطنين تتم عن بعد، ولم يعد من داعٍ لمراجعة الدوائر لتسديد الضرائب والرسوم، أو الإيداع والسحب من البنوك، بل يمكن إجراء معظم هذه العمليات من خلال الهاتف النقال، بأي وقت ومن أي مكان، حتى لو كان المواطن خارج حدود الدولة، يضاف إلى تلك المستجدات التخطيط في معظم الدول تُجاه التوسع في اللامركزية في إدارة مرافق الدولة وخدماتها.
وإذا ألقينا نظرة عامة إلى التأريخ لبناء المدن، فإننا سنجد أن الدول المتقدمة لم تقم ببناء المدن الجديدة، بل بالتخطيط للتوسع في المدن بناء على الحاجة والمستجدات، ولم تكن سامراء في عهد المعتصم بالله إلا مدينة للجند ومثلها بناء المماليك لمدينتهم الجديدة، بدوافع أمنية وطبقية فقط، ثم إن هذه المدينة الفاضلة، إذا ما تحققت ونجحت، فإنها ستشتبك مع العاصمة والزرقاء وستعزز مركزيتهما وتركز الكثافة السكانية بهما.
الأهم اليوم، هو المواءمة بين الحاجات والإمكانات، والتخطيط السليم للمستقبل، وعدم التورط في مشروعات البنية التحتية وتمويلها بالقروض، لأن البنية التحتية أصلا تحتاج إلى ما يزيد عن 10% سنويا من قيمتها من أجل صيانتها وديمومتها، فكيف إذا ما اضيفت إلى كلفها كلفة الفوائد وخدمة الدين، إن خطورة توسع الدولة في مشروعات البنية التحتية في ظل محدودية الدخل سترهق الاقتصاد بالديون، ونحن نعلم أن عوائدها قليلة إن لم تكن معدومة، هذا إضافة إلى أنها تبقى مهددة بالتعثر اذا لم يكن التمويل جاهزًا، وخير دليل على ذلك المدينة الإدارية الجديدة في مصر، التي تعاني من شُح التمويل، حيث أنها ما زالت تحتاج إلى ما يقارب الأربعين مليار دولار أمريكي لاتمامها، في بلد لا تتجاوز فيه مجموع احتياطات العملات الصعبة 30 مليار دولار، ومديونية داخلية وخارجية تتجاوز 350 مليار دولار.
الحقيقة أن النماذج الماثلة أمامنا اليوم من دول الإقليم لا تبشر بخير هذه الفكرة، فلقد كان من أهم عوامل انهيار الاقتصاد والعملة في تركيا تضخم المديونية التركية للدول الأوربية، والتي تمت استدانتها للتوسع في البنية التحتية، وهو السبب نفسه للأزمة في مصر اليوم، فهل كنا من فئة المتعظين بغيرهم؟ أم أن الحكومة لم يبقَ أمامها غير الهروب إلى الأمام، وعدم مواجهة التحديات بحلول واقعية تحاول من خلالها العودة إلى الإدارة الرشيدة للدولة، ومراعاة الإمكانات وعدم مجارات الدول الريعية، التي تتوسع في انشاء البنى التحتية بدافع من وفرة السيولة والعوائد النفطية، من دون إجراء حسابات حقيقية للمستقبل والأولويات، فقط من باب مجاراة رغائب وحماسة بعض المسؤولين من دون تحقق شروط الرقابة والتدقيق المؤسسية.
أخيرا؛ من حق المتابع أن نستعيد السؤال الجوهري في الموضوع؛ هل من واجب الدولة بناء المدن مراعاة لبعض حسابات المنظومات والفئات المستفيدة، المتوهمة والطامعة، بتحقيق الانتعاش الاقتصادي المؤقت؟ وهل مسوغ تحريك الاقتصاد يستدعي زيادة المديونية بثمانية مليار دولار، وهذا ما يعني تلقائيا أن خدمة الدين سترتفع بين 20- 25% أي 400 مليون دولار سنويا، فهل فكّرَ جهابذة الإدارة الاقتصادية في أركان الدولة بالاكتفاء بإعادة توجيه هذا المبلغ (الفوائد) لتجويد وتوسيع المدن الحالية، وتأهيل الأطراف بحيث تتحقق اللامركزية وبالتالي العدالة في التنمية.

نيسان ـ نشر في 2023-01-22 الساعة 07:49

الكلمات الأكثر بحثاً