اتصل بنا
 

نافذة على عقل الآخر

كاتب وصحافي اردني

نيسان ـ نشر في 2023-01-23 الساعة 08:11

نيسان ـ يتذكر العديد من جيلي ومن هم أكبر منا عمرا، أنه وفي عصر ما قبل الفضائيات كان التلفزيون الأردني يقدم نشرة أخبار يومية باللغة العبرية على شاشته.
لم أفهم يوما القيمة المضافة الحقيقية من تلك الخدمة على شاشة محلية موجهة لجمهور يتحدث العربية وغالبيته أيضا يتقن الإنجليزية، وحينها كانت في بعض الصحف المطبوعة “أردنية وعربية” خدمة تقديم المقالات والتقارير الإسرائيلية مترجمة من العبرية إلى العربية، وهذه الخدمة كانت قيمة حقيقية مثل أي خدمة ترجمة من أي لغة.
كان هذا قبل توقيع اتفاقيات السلام التي انحسر بعد حضورها الاهتمام الإعلامي بمعرفة تفاصيل ما يحدث في دولة إسرائيل، والمفارقة أن عصر الإنترنت والذكاء الاصطناعي لم يغير من حالة فتور الاهتمام بالمصادر العبرية التي تتحدث عن إسرائيل وتفاصيلها.
أتابع الصحافة الإسرائيلية عبر الترجمات في الصحف والمواقع التي لا تزال تقدم الخدمة، غير لجوئي لصفحات فيسبوك “شخصية” لزملاء وأساتذة متخصصين في الصحافة العبرية لغة واستيعابا يقدمون جهدا مهما بمواد منتقاة يرون فيها أهمية ويقدمون عبرها تحليلا للحدث الإسرائيلي (وأحيي منهم زميلنا الأستاذ أيمن الحنيطي من وكالة الأنباء الأردنية).
تلك المتابعة (القائمة على الترجمات ما تيسر منها وما تعسر) تفتح نافذة على ما نجهله من تفاصيل مهمة، وعلى الصعيد الشخصي فإنني أكتشف مع كل معرفة جديدة ما يعينني على رؤية الصورة بشكل أكثر وضوحا، وفي الفترة الأخيرة ازدادت عندي وتيرة متابعة الترجمات عن الإعلام الإسرائيلي لأدرك حجم الأزمة الداخلية في إسرائيل بسبب حكومة نتنياهو التي انتخبها مزاج عام إسرائيلي منزاح لليمين، لكنه بدأ يكتشف حجم التضليل الذي وقع فيه بانتخابه حكومة لا تهتم حتى بالتشريعات الإسرائيلية وآخرها قضية الوزير أرييل أدرعي من حزب شاس، والذي أدين بقضايا فساد مالي وأولاه نتنياهو حقيبة المالية.
من التفاصيل الكثيرة مثلا، ما أضاء لي عتمة تفاصيل الحياة السياسية في إسرائيل، وكيف أن الليكود وشاس وصلا إلى اتفاقية بينية أثناء تشكيل الائتلاف الحكومي عدد صفحاتها 16 صفحة وتحتوي على أكثر من مائتي مادة بصيغة اتفاق قانوني أعده محامون عن الطرفين!
حان الوقت لنفكر بتفعيل قطاع الترجمة في مؤسساتنا الإعلامية والثقافية والفكرية والسياسية لا في اللغة العبرية وحسب، بل في اللغات التي تحتاج الدولة أن تتوسع في فهم المجتمعات الناطقة بها، ولدينا مخزون محترم من الأردنيين الذين درسوا اللغات وأتقنوها وربما كان الأجدى بذل الموارد في تأهيل المزيد “دون مبالغة واستفاضة” في هذا القطاع المهم، وترقية صناعة الترجمة من دكاكين “ترجمة أوراق رسمية للهجرة” إلى دوائر مهمة في مراكز الدراسات والمؤسسات الإعلامية ودوائر صنع القرار التي فاضت بموظفين لا قيمة معرفية لهم.
ربما نحتاج ترجمة الإعلام الإيراني، والأدب الفارسي نفسه، وهذا يذكرني أيضا بزميل وصديق مبدع في فهم العقل “الفارسي” ويتقن لغة ذلك العقل لا قواعد اللغة وحسب، وهو علي عبيدات الذي طالما لجأت إليه في عملي الصحفي مع مؤسسات دولية واستعنت به في مقالات عديدة وكان يتكرم علي بالتطوع المصحوب بشغف في العمل، ومنه تعلمت معنى أن تنشر وكالة فارس خبرا مختلفا عما تنشره كيهان، موضحا لي كل مرة تفاصيل المزاج السياسي الإيراني المتعدد!
كثير من السياسيين “على رأس مواقعهم في الأردن” يجهلون تفاصيل الحالة الإسرائيلية، وكذلك في الحالة الإيرانية، ومصادرهم المعرفية لا تتجاوز غرفا من بحر الجهل في وسائل التواصل الاجتماعي أو التنميط السائد والمتوارث لا أكثر.
فلنفتح النوافذ على الفهم والوعي لنكتشف على الأقل تلك المسافة أمامنا وكم من الجهد الذي نحتاجه ركضا للحاق بغيرنا في الإقليم.
(الغد)

نيسان ـ نشر في 2023-01-23 الساعة 08:11


رأي: مالك عثامنة كاتب وصحافي اردني

الكلمات الأكثر بحثاً