الشخصية الأردنية والوطنيون الجُدد
محمد قبيلات
كاتب أردني
نيسان ـ نشر في 2023-01-24 الساعة 11:55
نيسان ـ تظل الشخصية الوطنية عموماً هاضمة للآخر المنضوي تحت لوائها، طبعا ضمن المعقول، والمعقول هنا هو ما يتحقق في شرط النسبية، أي أن تظل التدخلات محدودة من الناحيتين الكَمية والمعنوية، وهنا يظهر اختلاف الشخصية الأردنية الكبير عن شخصية مصر الهاضمة كما وصفها جمال حمدان، التي استوعبت كل الداخلين إليها، من مختلف الأبواب، بل هضمتهم، وأكثر من ذلك منحتهم فرصة قيادتها.
لِمَ؟. السبب يعود لاتساعها، وانشغالها بالزراعة، ولأن المصري القديم خاض صراعه الأساسي مع الطبيعة، وفيضان النيل، حيث ظل همه تطويع هذا الفيضان الغامر لحقوله، ولم يكن يأبه للقادمين الجدد، بسبب وفرة الموارد، وانحسار دور السلطة،، وهذا يعود إلى أمد بعيد، بتنظيم الري عبر القنوات.
وربما كان الأمر مشابهاً في حاضرة العراق، فقد استوعبت كل الفارين إليها من الجزيرة وجدَبها، وعزز هذا الأمر لاحقًا احتياطات الموارد الأحفورية الضخمة، فظلت الصراعات العرقية صامتة، إلى أن اشتغلت العوامل (الجيوسياسية) في المنطقة، لكنها لم تستطع استثارة النزاعات العرقية، بل أثارت المذهبية.
الصورة في الأردن أقرب للعراق منها إلى مصر، وربما يعود ذلك للتوسع في الاعتِماد على مياه الأمطار، لكن التفارق مع النسخة العراقية حدث عندما شحت الموارد.
في العهد الحديث، أي ما بعد الحقبة العثمانية، تَشبَّه الأردن بمصر في البداية، حيث كانت القبائل الأردنية منشغلة بالتعايش مع نمط انتاجها وعيشها الخاص، الذي يحفظ لها التموضع في مرحلة الانتقال من البداوة إلى الفلاحة، وبين تربية الإبل وتربية الأغنام، فلم يأبه الأردني بمن يسعى إلى التمركز في المدن الكبيرة، بل إنه كان يعود من المدن مليئًا بالرضا عن النفس والاعتقاد بأنه قد ضحك على تجار المدينة وأخذ منهم بضائعهم مقابل بعض القطع المعدنية - المجيدية والرشادية، التي تركها العثماني حين انسحب من المشهد هاربًا - أو المبادلة بمنتجات أغنامه، وهنا بدأ غرامه بالحلاوة والسكّر والفواكه والخُضَر، وهو ما أصابه بالخدر المنعش الذي توفر له من حلاوتها.
بعد مئة عام من هذه الحوادث الجذرية تغيّر الكثير، وقد جرت مياه كثيرة من تحت الجسر، خصوصًا بعد أن سلب الصهاينة فلسطين، فمشكلة الأردني أنه ما زال يعيش عقدة الهزيمة، خصوصا أنه لم يخض معارك كبيرة خلال الألف سنة السابقة لهذا العهد، بل كان ممرًا لجحافل الغزاة والفاتحين إلى العراق والشام، أو جيوش محمد علي، قبلهما العباسيون والأمويون، والفتوحات الإسلامية، وظل هذا المنوال مستمرًا في عمق التأريخ، إلى ما بعد عهد المؤابيين والأنباط الذين انتشروا جنوبا وشمالاً.
لذلك؛ تعاني اليوم الشخصية الأردنية من اضطرابِها الكبير، وإذا عدنا للعشر سنوات الأخيرة، فإن هناك أربع شخصيات يراد لها انتباه كبير من لدن الدارسين والمهتمين، لأنها كانت بمثابة إرهاصات تنبئ بالقادم الغامض، غازي الهواملة، أسامة العجارمة، حمزة بن الحسين، وأخيرًا وليس آخرًا محمد الفايز.
كان كل ما سلف مقدمة للحديث عن الوطنيين الجدد، والأمر ربما يجيء متأخراً لفرط حساسيته، لأن السياسي الحديث يظل يتلظى بين نارين؛ نار (الكوجيتو) المجروح ونار المظلومية، فيصعب الاقتراب منه، كونه سيَسْتَثيرُ مظْلوميَّته فورًا ويَرميك بها وبكل أسلحته الدفاعية والهُجومية، ومنها الإثْنِيات والجَهويات، خصوصًا بعد دخوله اليوم في المعادلة كطرف وازن، لكنه مُرجِح لظلمها مقابل ما توفره له من نعم النسيان.
حبذا لو قدم الوطنيون الجدد أنفسهم بصفتهم الأساسية، وخلوا صفة الوطنية الأردنية ظهيرًا وسندًا لهم، لا أن يمارسوا من خلالها التخلي عن خصوصيَّتهم، من دون عناء حمل هموم الصفة الجديدة، بل لمجرد البقاء في مساحات الاستفادة من اللطميات والمظلوميات، من دون الاستعداد لتقديم التضحيات.
لِمَ؟. السبب يعود لاتساعها، وانشغالها بالزراعة، ولأن المصري القديم خاض صراعه الأساسي مع الطبيعة، وفيضان النيل، حيث ظل همه تطويع هذا الفيضان الغامر لحقوله، ولم يكن يأبه للقادمين الجدد، بسبب وفرة الموارد، وانحسار دور السلطة،، وهذا يعود إلى أمد بعيد، بتنظيم الري عبر القنوات.
وربما كان الأمر مشابهاً في حاضرة العراق، فقد استوعبت كل الفارين إليها من الجزيرة وجدَبها، وعزز هذا الأمر لاحقًا احتياطات الموارد الأحفورية الضخمة، فظلت الصراعات العرقية صامتة، إلى أن اشتغلت العوامل (الجيوسياسية) في المنطقة، لكنها لم تستطع استثارة النزاعات العرقية، بل أثارت المذهبية.
الصورة في الأردن أقرب للعراق منها إلى مصر، وربما يعود ذلك للتوسع في الاعتِماد على مياه الأمطار، لكن التفارق مع النسخة العراقية حدث عندما شحت الموارد.
في العهد الحديث، أي ما بعد الحقبة العثمانية، تَشبَّه الأردن بمصر في البداية، حيث كانت القبائل الأردنية منشغلة بالتعايش مع نمط انتاجها وعيشها الخاص، الذي يحفظ لها التموضع في مرحلة الانتقال من البداوة إلى الفلاحة، وبين تربية الإبل وتربية الأغنام، فلم يأبه الأردني بمن يسعى إلى التمركز في المدن الكبيرة، بل إنه كان يعود من المدن مليئًا بالرضا عن النفس والاعتقاد بأنه قد ضحك على تجار المدينة وأخذ منهم بضائعهم مقابل بعض القطع المعدنية - المجيدية والرشادية، التي تركها العثماني حين انسحب من المشهد هاربًا - أو المبادلة بمنتجات أغنامه، وهنا بدأ غرامه بالحلاوة والسكّر والفواكه والخُضَر، وهو ما أصابه بالخدر المنعش الذي توفر له من حلاوتها.
بعد مئة عام من هذه الحوادث الجذرية تغيّر الكثير، وقد جرت مياه كثيرة من تحت الجسر، خصوصًا بعد أن سلب الصهاينة فلسطين، فمشكلة الأردني أنه ما زال يعيش عقدة الهزيمة، خصوصا أنه لم يخض معارك كبيرة خلال الألف سنة السابقة لهذا العهد، بل كان ممرًا لجحافل الغزاة والفاتحين إلى العراق والشام، أو جيوش محمد علي، قبلهما العباسيون والأمويون، والفتوحات الإسلامية، وظل هذا المنوال مستمرًا في عمق التأريخ، إلى ما بعد عهد المؤابيين والأنباط الذين انتشروا جنوبا وشمالاً.
لذلك؛ تعاني اليوم الشخصية الأردنية من اضطرابِها الكبير، وإذا عدنا للعشر سنوات الأخيرة، فإن هناك أربع شخصيات يراد لها انتباه كبير من لدن الدارسين والمهتمين، لأنها كانت بمثابة إرهاصات تنبئ بالقادم الغامض، غازي الهواملة، أسامة العجارمة، حمزة بن الحسين، وأخيرًا وليس آخرًا محمد الفايز.
كان كل ما سلف مقدمة للحديث عن الوطنيين الجدد، والأمر ربما يجيء متأخراً لفرط حساسيته، لأن السياسي الحديث يظل يتلظى بين نارين؛ نار (الكوجيتو) المجروح ونار المظلومية، فيصعب الاقتراب منه، كونه سيَسْتَثيرُ مظْلوميَّته فورًا ويَرميك بها وبكل أسلحته الدفاعية والهُجومية، ومنها الإثْنِيات والجَهويات، خصوصًا بعد دخوله اليوم في المعادلة كطرف وازن، لكنه مُرجِح لظلمها مقابل ما توفره له من نعم النسيان.
حبذا لو قدم الوطنيون الجدد أنفسهم بصفتهم الأساسية، وخلوا صفة الوطنية الأردنية ظهيرًا وسندًا لهم، لا أن يمارسوا من خلالها التخلي عن خصوصيَّتهم، من دون عناء حمل هموم الصفة الجديدة، بل لمجرد البقاء في مساحات الاستفادة من اللطميات والمظلوميات، من دون الاستعداد لتقديم التضحيات.