اتصل بنا
 

عاصفة كاملة تتجمع

من مواليد عمان – الأردن عام 1963 يعمل مديراً لتحرير دائرة الترجمة في صحيفة الغد اليومية الأردنية. حصل على درجة البكالوريوس في اللغة والأدب الإنجليزيين من الجامعة الأردنية، ودرجة الدبلوم العالي في الأدب الإنجليزي والمقارن. عمل في مجالات التصميم الغرافيكي والخط العربي، ومحاضراً في الجامعة الأردنية، ومستشاراً لتحرير المجلة الثقافية في الجامعة الأردنية، ومحكماً ومستشاراً لشؤون الترجمة للعديد من دور النشر ومراكز الدراسات والمؤسسات. ويشارك في هيئة تحرير مجلة "روزنا" التي يصدرها اتحاد المرأة الأردنية.

نيسان ـ نشر في 2023-02-09 الساعة 06:55

نيسان ـ يشهد العالم منذ بعض الوقت أحداثًا طبيعية متطرفة، من العواصف والفيضانات والعنيفة في الشتاءات، إلى الارتفاعات غير المألوفة في درجات الحرارة المؤدية إلى نشوب الحرائق وموت الناس في بعض الأماكن. وليست الفكرة أن هذه المظاهر جديدة على البشر، وإنما أنها أصبحت تحدث في أماكن غير معتادة وبآثار مضاعفة. ويَنسب العلماء هذه التغيرات إلى الأفعال البشرية، ويحذرون من أن يؤدي عبث الإنسان مع البيئة إلى إلحاق أضرار لا يمكن نقضها بالكوكب وسكانه جملة وتفصيلًا.
بطبيعة الحال، يتذكر الناس علاقتهم بالطبيعة عندما تقرر الطبيعة أن تختبرهم. ودائمًا، كما أظهرت الزلازل العنيفة في إقليمنا هذه الأيام، يكتشف الإنسان عجزه المطبق أمام جبروتها ومزاجاتها. لا تستطيع أقوى قوى العالم أن توقف زلزالًا، أو تسيطر على ثوران بركان، أو تهدئ غضب عاصفة أو اضطراب محيط. وسوف يُترك الناس أمام التعامل مع العواقب الكارثية فحسب.
لكنّ للإنسان خيار تخفيف المخاطر وعدم التواطؤ مع القوى غير المحكومة على نفسه – إذا كانت قيمة الوجود البشرية شيئًا بين الغايات الإنسانية العليا. وفي الحقيقة، تشير أحوال البشرية إلى عكس ذلك بالضبط. ويبدو الإنسان عاكفًا بكل ما تتفتق عنه عبقريته على تدمير نفسه، بيده وبيد عمرو.
في سورية وتركيا وأجزاء من بلدان المنطقة، تكشف الزلازل الفتاكة الأخيرة عن هذه العلاقة بين الطبيعي واللاطبيعي في اتجاه مفاقمة الأضرار وتعظيم فرصة الموت. في سورية الشقيقة، تتضاعف الأضرار والخسائر البشرية أضعافًا بسبب الهشاشة الإضافية التي صنعتها الحرب. فقد تسببت هذه الحرب، التي هي في النهاية خيار بشري مدفوع بالأطماع ورغبة السيطرة وسوء النوايا المفزع، في إضعاف إمكانيات الدولة، وتضارب السلطات، ووقوع الكثير من الناس في براثن الفقر وفقدان الخدمات. ومن المفارقات أن وجود الكثير من السوريين في مركز الزلزال في تركيا (ليس مكانهم الطبيعي)، نجم عن الحرب التي أرسلتهم إلى هناك كلاجئين مُعدمين. ومن المفارقات أيضًا أن تكون تركيا عاملًا في تأجيج الحرب وليس في إطفائها، وبذلك المساهمة في تعميق نكبة السوريين.
في تركيا، مثل بقية العالم، تذهب الكثير من الموارد والجهود والأموال إلى التسلح والأمن وتعظيم أدوات القوة والهيمنة. وكان يمكن أن تذهب الموارد الهائلة التي يخصصها البشر المتحكمون للحرب والعدوان إلى تحسين شروط حياة الناس وصمودهم أمام الكوارث الطبيعية. سوف تكون المساكن الفقيرة والإمكانيات القليلة والبنى التحتية الرديئة وضعف الخدمات واللوجستيات سببًا أكيداً في وقوع المزيد من الناس ضحايا للأحوال الطبيعية المتطرفة وتقليل فرصتهم في النجاة. وليس خافيًا أن الاختيارات البشرية قسمت الناس إلى أثرياء قليلين وفقراء كثيرين، وستجرف الفيضانات أكواخ الصفيح في باكستان، وليس الأبراج في نيويورك أو لندن.
لا يمكن حصر الآثار التي تخلفها الحروب والصراعات على البيئة، لتضيف إلى القتل المباشر بالرصاص والقذائف بتأليب الطبيعة على البشر. أحد المظاهر هو التهجير الكثيف الذي يضع اللاجئين في ظروف قاسية تحت الحر القائظ أو البرد القاتل في المخيمات وعلى الحدود. ونسمع في الحرب الأوكرانية عن تدمير البنية التحتية للكهرباء في أوكرانيا حتى يموت الناس من البرد أو تنهار معنوياتهم في غياب التدفئة. ولا شك في أن الحرب في سورية وضعت آلاف السوريين تحت رحمة الزلازل الأخيرة بلا استعداد. ولأن الشيء بالشيء يُذكر، تقول الأمم المتحدة أن 2000 تجربة نووية أجريت في العالم منذ العام 1945 وحتى العام 1996. وحسب المصادر، «‏يمكن أن يتسبب الانفجار النووي في حدوث زلزال وحتى تسلسل الهزات الارتدادية‏‏. و‏يمكن أن تحدث الانفجارات النووية زلازل صغيرة على طول الصدوع الموجودة بالقرب من موقع الاختبار‏‏. وأدت بعض التجارب النووية تحت الأرض إلى كسر سطح الأرض فوق الانفجارات، مما تسبب في حركة على الصدوع المجاورة لمواقع الانفجار».‏
إذا نظرنا أقرب إلى إقليمنا، فإن الزلازل والتغيرات المناخية والظواهر الغريبة تضيف فقط إلى الاضطرابات الجيوسياسية التي يعيش معها الإقليم. وليس من الصعب إقامة الروابط بين الاختيارات البشرية في الداخل والخارج وبين إضعاف موقف المواطنين والدول أمام مختلف أنواع الاختبارات، اقتصادية كانت أم صحية أم متعلقة بكل عوامل الأمان الشخصي والاجتماعي. وإذا راقبنا حاصل مجموع الاختيارات البشرية نحو الصراع وليس التعاون، والحرب وليس السلم، واستعداء البيئة وليس التعايش معها، فإن عاصفة كاملة تتجمع، منذرة بقدوم فصل قاتم أخير ينهي التجربة البشرية في الوجود.الغد

نيسان ـ نشر في 2023-02-09 الساعة 06:55


رأي: علاء أبو زينة من مواليد عمان – الأردن عام 1963 يعمل مديراً لتحرير دائرة الترجمة في صحيفة الغد اليومية الأردنية. حصل على درجة البكالوريوس في اللغة والأدب الإنجليزيين من الجامعة الأردنية، ودرجة الدبلوم العالي في الأدب الإنجليزي والمقارن. عمل في مجالات التصميم الغرافيكي والخط العربي، ومحاضراً في الجامعة الأردنية، ومستشاراً لتحرير المجلة الثقافية في الجامعة الأردنية، ومحكماً ومستشاراً لشؤون الترجمة للعديد من دور النشر ومراكز الدراسات والمؤسسات. ويشارك في هيئة تحرير مجلة "روزنا" التي يصدرها اتحاد المرأة الأردنية.

الكلمات الأكثر بحثاً