الاقتصاد وقوانين الطبيعة
جواد العناني
سياسي واقتصادي الأردن. مواليد 1943 في حلحول. شغل عدة مناصب هامة في الدولة كرئيس الديوان الملكي ووزيراً، ومديراً عاماً لمؤسسة الضمان الاجتماعي. شغل منصب نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية ووزير الصناعة والتجارة والتموين في حكومة هاني الملقي الأولى وحكومة هاني الملقي الثانية.
نيسان ـ نشر في 2023-02-10 الساعة 07:27
نيسان ـ الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سورية ليلة السادس من فيراير/ شباط هذا العام، أي قبل حوالي أربعة أيام، كان له نتائج وخيمة وكلف باهظة من البشر والحجر. وذكر الناس بزلزال عام 1999، الذي أدى إلى وفاة أكثر من أربعة عشر ألف مواطن تركي وخلف وراءه دماراً واسعاً.
وبالمقارنة بين الزلزالين، نرى أن قوة زلزال عام 1999 قد بلغت 7.6 درجات على مقياس ريختر، وحصل على عمق اكبر من زلزال فبراير/شباط 2023، الذي كان قريباً من سطح الأرض وبقوة بلغت 7.8 درجات. وبمعنى آخر، فإن هذا الزلزال الأخير كان أكثر قسوة وضرراً، وامتدت آثاره إلى مسافات في كل من سورية والأردن وفلسطين، وحصل بعده زلزال ارتدادي بلغ 7.5 درجات، ثم تلته عشرات ردود الفعل الزلزاليه التي أدت إلى تدمير بيوت إضافية وإتلاف ممتلكات شخصية وخلق صعوبات متزايدة أمام المنقذين.
ولو عدنا لإحصائيات الزلازل خلال عام 2022 لرأينا أن عددها بلغ 15338 زلزالاً، منها اثنان فقط في أميركا اللاتينية بلغت قوة كل منهما ( 7.6 درجات) وتسعة أخريات فوق الـ 7 درجات، و117 زلزالاً بين (6-6.9) درجات، و1603
تراجعت درجتها بين 5 و5.9. أما الأكثرية العظمى (13707 زلازل) فقد تراوحت قوتها بين (4-4.9) درجات. ولعل أكثرها ضرراً زلزال أفغانستان.
والسؤال الذي يثور هنا، ويداعب الخيال، هو أن الكوارث الطبيعية صارت إلى حد كبير خبراً متكرراً في نشرات الأخبار العالمية والمحلية. فمن العواصف الثلجية وانهيارات الثلوج ( avalanches)، إلى الأعاصير (typhoons)، إلى عواصف الرياح ( wind storms)، إلى البراكين، والتسونامي. وكثير منها ما يؤدي إلى مقتل البشر وتدمير البنى التحتية.
ومن منا ينسى "التسونامي" الذي أدى إلى خلخلة المفاعل النووي الياباني في فوكوشيما وأوقف العالم كله على رؤوس أصابعه عام 2011، أو ينسى التسونامي الذي حصل عام 2004 في المحيط الهندي نتيجة زلزال بحري وأودى بحياة حوالي 4500 شخص خاصة في المنطقة السياحية المعروفة بجزيرة فوكيت.
زلزال تركيا/ فرانس برس
اقتصاد الناس
إجراءات لتضميد خسائر الزلزال في تركيا... والسوريون في نكبة
ولسنا هنا بصدد إحصاء تلك الكوارث الطبيعية، ولكن كثيراً من الناس من يسارع إلى التحليل بأن هذه الكوارث هي من صنع البشر الذين ينالون عقابهم بسبب المعاصي التي يرتكبونها، ويختارون أدلة على ذلك من الزلازل والبراكين تحصل في أماكن يكثر فيها الفسق والقمار والفجور. وبعضهم يعطي أمثلة دقيقة مثل زلزال جزيرة بالي السياحية عام 2021. ولكنه كان منخفضاً في درجته ولم يقتل سوى أربعة اشخاص. وقد حصل أكبر زلزال هناك عام 1917 وكان بدرجة 6.6 درجات فقط.
ويقولون إن جزيرة فوكيت السياحية قد ضربت لأن فيها فساداً خلقياً كبيراً. وهناك أمثلة كثيرة أخرى تضرب. والقائلون بهذا يفترضون أن الله سبحانه وتعالى يعاقب هؤلاء كما فعل بأقوام كثيرين عندما عصوا أمر ربهم فقلب ذلك وبالاً عليهم.
ولست هنا في معرض النقاش الديني. ولكنني لما عدت مثلاً إلى تعريف كلمة "الفساد" التي وردت في الآية (42) من سورة الروم والتي تقرأ "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ".
وجدت أن تفسير كلمة الفساد هو "كل ما يخرج الأشياء عن الطبيعة التي خلقها بها الله". ويأتي الفساد على درجات منها فساد قوم لوط الذي أدى إلى إبادتهم وهلاك أرضهم، وفساد أهل مأرب بتدمير السد وإهلاك الزرع من أصوله، وفساد صاحب الجنتين في سورة الكهف كان هلاك ثمره الذي أنفق عليه. والمهم هنا هو أن الجانب الديني يقول إن الفساد هو الخروج عن قوانين الطبيعة وسنن الكون التي خلقها الله.
ونقول لهم ولكن ما قولكم في البراكين التي تجري في أماكن لا يوجد دليل على فسادها وفساد أهلها مثل تركيا، أو جزيرة جاوه "Java" في إندونيسيا، أو شمال باكستان التي ضربها زلزال عنيف عام 2005 ونتج عنه قتل كثير من الناس وهدم كثير من البيوت والمرافق؟
وهذه النظرة الطبيعية في علم الاقتصاد انشأت لها مدرسة في فرنسا وبريطانيا لاحقاً في منتصف القرن الثامن عشر. وقد كان طبيب فرنسي مشهور اسمه "فرانسوا كينيه" قد درس فلسفة أفلاطون وتوماس أكوايناس واقتبس عنهما أفكارهما في الحرية والانطلاق. وتأثر بمعلوماته الطبيعية حول الدورة الدموية في جسم الإنسان.
قال إن قوانين الطبيعة في الحرية وعدم فرض القيود، وترك الدورة الطبيعية تأخذ مكانها هو الشيء الأفضل لحياة البشر. ونبذ أفكار المدرسة التجارية (mercantilism) التي امنت بالقيود وبالذهب والفضة مصادر للثراء، وقال إن الثراء يكمن في الموارد الطبيعية واستثمارها. ولذلك جعل الزراعة هي الأهم لأنها هي وحدها التي تعطي قيمة اضافيه فالسنبلة تصبح عشرا، أما الصناعة فهي وإن عظم إنتاجها لا تضيف شيئاً لأنها تأخذ من الثروات الطبيعية بقدر ما تعطيه من إنتاج.
مبنى منهار بسبب الزلزال في بلدة جنديرس شمال غرب سورية/ فرانس برس
اقتصاد الناس
خسائر الزلزال: آلاف المباني المنهارة في تركيا وبؤس السوريين يتفاقم
لكن هذه المدرسة لم تعش طويلاً، خاصة بعد الاطلاع على دراسة قام بها " كينيه" لمقارنة إنتاج مزرعة بإنتاج مشغل، فوجد أن المزرعة تعطي إنتاجاً أكثر. واكتشفوا أن الأرقام والإحصاءات التي استخدمها كانت مُنتقاة بعناية بحيث تعطي النتائج التي كان يريدها.
إذن هنالك المؤمنون الذين يرون أن قوانين الطبيعة ضرورية للحياة، والاقتصاد الرأسمالي وحتى الشيوعي يقبلان بذلك إلى حد كبير. وإن كانا يسخران من النظرية الطبيعية. فالتنافس وحرية دخول السوق والخروج منه هي شروط أساسية لنجاح الرأسمالية في تحقيق الحد الأعلى من الرفاه للمجتمعات واقتصاداتها. وفي الشيوعية رفضٌ للاحتكار السوقي وقبول لاحتكار الحكومات التي يقيمها العمال لأنها تلغي استغلال الطبقة العاملة الممثله للأكثرية. وهي تفسير آخر ومن زواية مختلفة لقوانين الطبيعة.
وعندما نستخدم في حياتنا ألفاظًا مثل التطرف، الإرهاب، الانحراف، الفساد، الرشوة، وألفاظا مقابلة لها مثل الاعتدال، التعايش، المنافسة، الحوكمة، العدالة... فإننا في الحقيقة نبحث عن العودة إلى التوازن. وحتى إن المفكرين الرأسماليين يؤمنون بأن هنالك سعر التوازن بين الطلب والعرض ويسميه كثير منهم بالسعر الطبيعي.
والمثير أن كثيراً من الذين فازوا بجائزة نوبل في الاقتصاد كانوا من جملة الذين نقضوا الفرضيات الأساسية التي تقوم عليها النظرية التنافسية الرأسمالية. فقد أثبتوا أن فرضية رشاد المستهلك ليست حقيقية. وأثبتوا أن هناك فرقاً واضحاً في حجم المعلومات عن السلع والخدمات في السوق بين البائع والمشتري، وأثبتوا أن فرضية حرية دخول السوق والخروج منه
ليست متاحة في معظم الأحيان. إذن فهم ينتقدون النظرية ليس لعدم صوابيتها، ولكن لعدم إمكانية افتراض وجودها في الواقع وضمن معطيات السلوك الإنساني.
ونظريات العودة إلى احترام الطبيعة، وعدم الإسراف في استخدام الموارد، وضبط سلوكنا في الاستهلاك وعدم إسرافنا في استهلاك الثروات صارت السمة التي تصف عصرنا الحالي، وخلقت واقعاً جديداً يقول لنا "عودوا إلى احترام الطبيعة، وحافظوا عليها، وإلا أذاقتكم من غضبها الويل والثبور وعظائم الأمور.
صحيح أن مدرسة "كينيه" الفرنسي قد ماتت، لكن المتحمسين للبيئة والدفاع عنها يقدمون الأدلة المتتالية على صحة المحتوى الذي دافع عنه الفيريوقراطيون في القرن الثامن عشر، ولكننا الآن طورناه ليصبح عندنا اقتصاداً أخضر، واقتصاداً أزرق، وكلها تدعو إلى احترام الطبيعة وقوانينها.العربي الجديد
وبالمقارنة بين الزلزالين، نرى أن قوة زلزال عام 1999 قد بلغت 7.6 درجات على مقياس ريختر، وحصل على عمق اكبر من زلزال فبراير/شباط 2023، الذي كان قريباً من سطح الأرض وبقوة بلغت 7.8 درجات. وبمعنى آخر، فإن هذا الزلزال الأخير كان أكثر قسوة وضرراً، وامتدت آثاره إلى مسافات في كل من سورية والأردن وفلسطين، وحصل بعده زلزال ارتدادي بلغ 7.5 درجات، ثم تلته عشرات ردود الفعل الزلزاليه التي أدت إلى تدمير بيوت إضافية وإتلاف ممتلكات شخصية وخلق صعوبات متزايدة أمام المنقذين.
ولو عدنا لإحصائيات الزلازل خلال عام 2022 لرأينا أن عددها بلغ 15338 زلزالاً، منها اثنان فقط في أميركا اللاتينية بلغت قوة كل منهما ( 7.6 درجات) وتسعة أخريات فوق الـ 7 درجات، و117 زلزالاً بين (6-6.9) درجات، و1603
تراجعت درجتها بين 5 و5.9. أما الأكثرية العظمى (13707 زلازل) فقد تراوحت قوتها بين (4-4.9) درجات. ولعل أكثرها ضرراً زلزال أفغانستان.
والسؤال الذي يثور هنا، ويداعب الخيال، هو أن الكوارث الطبيعية صارت إلى حد كبير خبراً متكرراً في نشرات الأخبار العالمية والمحلية. فمن العواصف الثلجية وانهيارات الثلوج ( avalanches)، إلى الأعاصير (typhoons)، إلى عواصف الرياح ( wind storms)، إلى البراكين، والتسونامي. وكثير منها ما يؤدي إلى مقتل البشر وتدمير البنى التحتية.
ومن منا ينسى "التسونامي" الذي أدى إلى خلخلة المفاعل النووي الياباني في فوكوشيما وأوقف العالم كله على رؤوس أصابعه عام 2011، أو ينسى التسونامي الذي حصل عام 2004 في المحيط الهندي نتيجة زلزال بحري وأودى بحياة حوالي 4500 شخص خاصة في المنطقة السياحية المعروفة بجزيرة فوكيت.
زلزال تركيا/ فرانس برس
اقتصاد الناس
إجراءات لتضميد خسائر الزلزال في تركيا... والسوريون في نكبة
ولسنا هنا بصدد إحصاء تلك الكوارث الطبيعية، ولكن كثيراً من الناس من يسارع إلى التحليل بأن هذه الكوارث هي من صنع البشر الذين ينالون عقابهم بسبب المعاصي التي يرتكبونها، ويختارون أدلة على ذلك من الزلازل والبراكين تحصل في أماكن يكثر فيها الفسق والقمار والفجور. وبعضهم يعطي أمثلة دقيقة مثل زلزال جزيرة بالي السياحية عام 2021. ولكنه كان منخفضاً في درجته ولم يقتل سوى أربعة اشخاص. وقد حصل أكبر زلزال هناك عام 1917 وكان بدرجة 6.6 درجات فقط.
ويقولون إن جزيرة فوكيت السياحية قد ضربت لأن فيها فساداً خلقياً كبيراً. وهناك أمثلة كثيرة أخرى تضرب. والقائلون بهذا يفترضون أن الله سبحانه وتعالى يعاقب هؤلاء كما فعل بأقوام كثيرين عندما عصوا أمر ربهم فقلب ذلك وبالاً عليهم.
ولست هنا في معرض النقاش الديني. ولكنني لما عدت مثلاً إلى تعريف كلمة "الفساد" التي وردت في الآية (42) من سورة الروم والتي تقرأ "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ".
وجدت أن تفسير كلمة الفساد هو "كل ما يخرج الأشياء عن الطبيعة التي خلقها بها الله". ويأتي الفساد على درجات منها فساد قوم لوط الذي أدى إلى إبادتهم وهلاك أرضهم، وفساد أهل مأرب بتدمير السد وإهلاك الزرع من أصوله، وفساد صاحب الجنتين في سورة الكهف كان هلاك ثمره الذي أنفق عليه. والمهم هنا هو أن الجانب الديني يقول إن الفساد هو الخروج عن قوانين الطبيعة وسنن الكون التي خلقها الله.
ونقول لهم ولكن ما قولكم في البراكين التي تجري في أماكن لا يوجد دليل على فسادها وفساد أهلها مثل تركيا، أو جزيرة جاوه "Java" في إندونيسيا، أو شمال باكستان التي ضربها زلزال عنيف عام 2005 ونتج عنه قتل كثير من الناس وهدم كثير من البيوت والمرافق؟
وهذه النظرة الطبيعية في علم الاقتصاد انشأت لها مدرسة في فرنسا وبريطانيا لاحقاً في منتصف القرن الثامن عشر. وقد كان طبيب فرنسي مشهور اسمه "فرانسوا كينيه" قد درس فلسفة أفلاطون وتوماس أكوايناس واقتبس عنهما أفكارهما في الحرية والانطلاق. وتأثر بمعلوماته الطبيعية حول الدورة الدموية في جسم الإنسان.
قال إن قوانين الطبيعة في الحرية وعدم فرض القيود، وترك الدورة الطبيعية تأخذ مكانها هو الشيء الأفضل لحياة البشر. ونبذ أفكار المدرسة التجارية (mercantilism) التي امنت بالقيود وبالذهب والفضة مصادر للثراء، وقال إن الثراء يكمن في الموارد الطبيعية واستثمارها. ولذلك جعل الزراعة هي الأهم لأنها هي وحدها التي تعطي قيمة اضافيه فالسنبلة تصبح عشرا، أما الصناعة فهي وإن عظم إنتاجها لا تضيف شيئاً لأنها تأخذ من الثروات الطبيعية بقدر ما تعطيه من إنتاج.
مبنى منهار بسبب الزلزال في بلدة جنديرس شمال غرب سورية/ فرانس برس
اقتصاد الناس
خسائر الزلزال: آلاف المباني المنهارة في تركيا وبؤس السوريين يتفاقم
لكن هذه المدرسة لم تعش طويلاً، خاصة بعد الاطلاع على دراسة قام بها " كينيه" لمقارنة إنتاج مزرعة بإنتاج مشغل، فوجد أن المزرعة تعطي إنتاجاً أكثر. واكتشفوا أن الأرقام والإحصاءات التي استخدمها كانت مُنتقاة بعناية بحيث تعطي النتائج التي كان يريدها.
إذن هنالك المؤمنون الذين يرون أن قوانين الطبيعة ضرورية للحياة، والاقتصاد الرأسمالي وحتى الشيوعي يقبلان بذلك إلى حد كبير. وإن كانا يسخران من النظرية الطبيعية. فالتنافس وحرية دخول السوق والخروج منه هي شروط أساسية لنجاح الرأسمالية في تحقيق الحد الأعلى من الرفاه للمجتمعات واقتصاداتها. وفي الشيوعية رفضٌ للاحتكار السوقي وقبول لاحتكار الحكومات التي يقيمها العمال لأنها تلغي استغلال الطبقة العاملة الممثله للأكثرية. وهي تفسير آخر ومن زواية مختلفة لقوانين الطبيعة.
وعندما نستخدم في حياتنا ألفاظًا مثل التطرف، الإرهاب، الانحراف، الفساد، الرشوة، وألفاظا مقابلة لها مثل الاعتدال، التعايش، المنافسة، الحوكمة، العدالة... فإننا في الحقيقة نبحث عن العودة إلى التوازن. وحتى إن المفكرين الرأسماليين يؤمنون بأن هنالك سعر التوازن بين الطلب والعرض ويسميه كثير منهم بالسعر الطبيعي.
والمثير أن كثيراً من الذين فازوا بجائزة نوبل في الاقتصاد كانوا من جملة الذين نقضوا الفرضيات الأساسية التي تقوم عليها النظرية التنافسية الرأسمالية. فقد أثبتوا أن فرضية رشاد المستهلك ليست حقيقية. وأثبتوا أن هناك فرقاً واضحاً في حجم المعلومات عن السلع والخدمات في السوق بين البائع والمشتري، وأثبتوا أن فرضية حرية دخول السوق والخروج منه
ليست متاحة في معظم الأحيان. إذن فهم ينتقدون النظرية ليس لعدم صوابيتها، ولكن لعدم إمكانية افتراض وجودها في الواقع وضمن معطيات السلوك الإنساني.
ونظريات العودة إلى احترام الطبيعة، وعدم الإسراف في استخدام الموارد، وضبط سلوكنا في الاستهلاك وعدم إسرافنا في استهلاك الثروات صارت السمة التي تصف عصرنا الحالي، وخلقت واقعاً جديداً يقول لنا "عودوا إلى احترام الطبيعة، وحافظوا عليها، وإلا أذاقتكم من غضبها الويل والثبور وعظائم الأمور.
صحيح أن مدرسة "كينيه" الفرنسي قد ماتت، لكن المتحمسين للبيئة والدفاع عنها يقدمون الأدلة المتتالية على صحة المحتوى الذي دافع عنه الفيريوقراطيون في القرن الثامن عشر، ولكننا الآن طورناه ليصبح عندنا اقتصاداً أخضر، واقتصاداً أزرق، وكلها تدعو إلى احترام الطبيعة وقوانينها.العربي الجديد
نيسان ـ نشر في 2023-02-10 الساعة 07:27
رأي: جواد العناني سياسي واقتصادي الأردن. مواليد 1943 في حلحول. شغل عدة مناصب هامة في الدولة كرئيس الديوان الملكي ووزيراً، ومديراً عاماً لمؤسسة الضمان الاجتماعي. شغل منصب نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية ووزير الصناعة والتجارة والتموين في حكومة هاني الملقي الأولى وحكومة هاني الملقي الثانية.