اتصل بنا
 

نفخ الروح في القوانين

كاتب وصحافي اردني

نيسان ـ نشر في 2023-02-13 الساعة 07:43

نيسان ـ لا يحصن الدولة إلا حضورها المؤسسي، ولا يقوض قوتها إلا انسحاب مؤسساتها “كل حسب وظيفته” من المشهد وتركه للفراغ الذي سيمتلئ بالمزاجية والقرارات المرتجلة بل ويزدحم بكل من يتصور نفسه “دولة”.
في المشهد المرتبك يوميا بزحمة أخبار متلاحقة تتداولها بالتناوب والتتابع السوشال ميديا والمواقع الإخبارية ( لدينا أكثر من 400 موقع إخباري في الأردن)، هناك ظاهرة استفحلت وترسخت اسمها “اغتيال الشخصية”، والشخصية هنا ليست محصورة بأشخاص وذوات بل أيضا بمؤسسات رسمية.
هذه الظاهرة تجاوزت “الحالة المقلقة” إلى ما هو أبعد من ذلك، وأكثر خطورة.
قبل أيام، تابعت حديث وزير الزراعة المهندس خالد حنيفات، وكان لافتا تعليقه على الإشاعات التي تغذيها نظريات المؤامرة وتتداولها مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا كما قال لا يليق بدولة أنجزت مائتها الأولى بامتياز.
لكن، ومع تقديري للوزير المحترم والذي التقيته ولم تكن الجرأة في الرأي تنقصه دوما في كل مرة ألتقيه، إلا أن التشخيص لا يستقيم بدون الحديث عن ظاهرة “الفراغ” في المعلومات الذي تنتهجه إدارة الدولة نفسها، مما يترك المساحات واسعة للإشاعات التي تتغذى بطبيعتها على الغضب والقهر الكامنين.
هناك استباحة في عملية “طرح المعلومة” منتشرة، ويكفي أن يكتب أحدهم أي خبر “كاذب” أو فيه نصف حقيقة والباقي كذب لتبدأ عملية إنتاج التضليل، والتي قد تؤدي أحيانا إلى نتائج سيئة جدا، تنتهي بما يشبه المثل القائل “مجنون رمى حجر ببير، وألف عاقل ما طلعو”، وفي الدولة التي هي نحن جميعا، الحجر أحيانا يكسر.
وزير خدماتي سابق، وهو ممن لا تنقصهم الجرأة لا في الرأي ولا في اتخاذ القرارات أيضا، حدثني عن كيف يمكن لاغتيال الشخصية أن يكون حالة “إرهاب” مرعبة لمن يتخذ القرار.
وروى لي حكايات من أطراف الأردن وقراه، عن مسؤولين خدماتيين كانوا يجتهدون في قرارات بسيطة جدا، مثل استخدام جرار زراعي عام يتم استعماله فقط لرش المبيدات في الصيف، فيقرر المسؤول الخدماتي بعد أزمة كورونا أن يتم توظيف الجرار العام لحراثة الأراضي الزراعية للمواطنين بدون تمييز فلا يتحملون كلف الحراثة، فينتهي الحال بهذا المجتهد المسؤول بقضية “كيدية” من موظف يرفع به تقريرا مسنودا بأخبار مضللة ” النصف الآخر من حقيقتها لا يتم بيانه”، فيرتعب هو ومن مثله “وطبعا من هم أعلى منه” من اتخاذ قرارات على أساس الاجتهاد، ويبقى الجميع في المحصلة رهائن النصوص الجامدة وقد باتت بلا روح.
ليس الفراغ المعلوماتي وحده ما يشكل ظاهرة اغتيال الشخصية، ولا الغياب المؤسساتي للدولة، بل تلك القوانين والتعليمات التي لا تجد صاحب قرار إداري يقوم بإدارتها بمرونة، لا تنفيذها فقط بشكل أصم وأعمى.
نعم، هناك فساد موجود ولا ينكر وجوده أحد، بل دائرة فساد تربيعية تتغول في كل مناحي حياتنا أقلها المحسوبية التي باتت من تراثنا اليومي، لكن الفساد نفسه يتحرك “بارتياح” خلف الإدارات المرعوبة من اتخاذ القرارات.
وما دام هناك حديث “متخم بالإنشائيات والبلاغة” عن إصلاح إداري، فلا ضير لو كان هناك تفكير جدي “شامل بالمطلق” لكل مناحي إدارة الدولة في موضوع تحصين الموظف العام أيا كان مستواه الوظيفي من رعب اتخاذ القرار، وتحصين المؤسسات من أي فساد لهذا الموظف أيا كان مستواه.
على الدولة ان تنفخ الروح في تشريعاتها وقوانينها من جديد. الغد

نيسان ـ نشر في 2023-02-13 الساعة 07:43


رأي: مالك عثامنة كاتب وصحافي اردني

الكلمات الأكثر بحثاً