اتصل بنا
 

من سخرية الريف.. جنِّب عنها يا عويد!

كاتب وصحافي اردني

نيسان ـ نشر في 2023-02-15 الساعة 18:05

نيسان ـ لم تكن شمس أيار كاوية في العام الذي كان عتبةَ السبعينيات. تراكمت في الريف جله او كله، ظروف لتجثو على ركبتيها او حتى تتهاوى ، مفاهيم التمسك ببيت الشعر، بصفته المأوى الأثير.
قرر أبي عويد الرجل، أن يضيف غرفة طين جديدة الى تلك الكبيرة التي كانت تؤوي الاسرة ونعاجها القليلات ومونتها وتبنها، ومطبخها وفسحتها لتعليلة الرجال.
حط الاختيار على الراحل "سعيد المسلم" احد الخؤولة القريبة.
كان هذا الخال أرمل وهو مثل نابض بندقية مهيأة للاطلاق. كان رقيقا ومهووسا بالنظافة وحريصا على طلته الوسيمة.
امضى ابي ومعلم البناء سهرة اتفقا خلالها على التفاصيل.
وقبل ان يغادر ، وجّه المعلم تحذيرا خلخل نقاب الود الذي يربطهما : أبني الغرفة على الا اسمع اي نقد من اي كان!
وافق ابي على مضض ومضت الامور في منوالها. حفرا في صبيحة الغد، اساسا للغرفة استغرقهما ساعتين او اكثر . ومن ثم انهمكا في جمع التراب وغربلته ومزجه بالتبن . احضر المعلم قالباً وبدأت عجلة العمل تأخذ شكلها الاحتفائي ؛ خلطة الطين تصبح طوباً طينياً . سحابة يومين ، وصلت اعداد الطوب الطيني حد الكفاية. انهمك المعلم في بسط الطين في الاساس وتعليته قدر طوبة. مع منتصف اليوم التالي ، اتضحت معالم الغرفة التي اخذت جدرانها ترتفع . مع آخر النهار، كان في مقدور عين الرائي من مسافة تقل قليلا عن مائة متر، ان تلحظ اي خلل او اعوجاج في استقامة الواجهات.
في الأثناء، كانت الحاجة شيحة الحمد تجلس امام غرفة الدكة على السفح المقابل. كانت دقيقة الملاحظة وشديدة الانتباه ، وهي من عمّات خالنا المعلم.
: يا سعيد، ندهته بصوت المتأكد مما يرى: بنايتك بيها عوج والختيار رايح جاي يجيبلك طين وطوب. وازنها قبل ما ترفعها اكثر. اخاف عوج يقع الطوب على الختيار.
انطوى خالنا المعلم على نفسه صامتا، واخذ الدم يغلي في عروقه.
كان تحذيرها ملغّزاً ويحتمل الغمزَ من قناة اتقان الرجل عمارة الطين.
لم يأبه للتحذير ولم يبتعد قليلا ليعاين الاعوجاج. واصل بناء المداميك في الواجهة الاكثر اعوجاجا ، حتى بلغ مترين او أزيد.
ناوله ابي تنكة الطين بشق الانفس، وما إن استدار حتى انهار جزء من الواجهة . كان ابي قد كبا على وجهه بالانهيار، وغمر الطين جزءه السفلي.
تداعى المعلم واهل البيت، فانقذو ابي الذي بقي طريح الفراش اياما.
اما الخال المعلم، فقد غادر المكان مغضباً وهو يردد: قلت لك يا عويد جنب عنها، وما رديت.
ذهب قول الخال المعلم، مثلا على ألسنة الناس حتى اليوم.
نسيت ان اقول ان المعلم، نسي في غمرة المفاجأة جاكيته، وكانت تحته صورة امراة ثلاثينية جميلة هي زوجته الراحلة، وخصلة من شعرها فاحم السواد.
ظلّ الرجل وفيّا لها حتى الممات!

نيسان ـ نشر في 2023-02-15 الساعة 18:05


رأي: سليمان قبيلات كاتب وصحافي اردني

الكلمات الأكثر بحثاً