أسرار الشرق
إبراهيم غرايبة
كاتب اردني
نيسان ـ نشر في 2023-02-24 الساعة 22:02
نيسان ـ الشرق عالم السحر والغموض. يبدو أن الجاذبية التاريخية للشرق كعالم مليء بالأسرار والمجالات غير المحدودة للمغامرات والاستطلاع والبحث والمشاهدات مازالت تجتذب كثيرا من الغربيين من الدبلوماسيين والباحثين والصحفيين والسياح؛ كما الحال منذ قرون متطاولة، .. لكن فئة واسعة من هؤلاء القادمين إلى الشرق يظنون أن الأسرار تتناثر في كل مكان ويمكن التقاطها من كل شخص. لا يميز كثير من الغربيين القادمين إلى بلادنا بين الناس، لا يلاحظ فرقا بين أبو بكر البغدادي وبين أي عربي يلقاه في عمان أو بغداد، يتصور أن جميع الناس يعرفون بعضهم، ويسأل ببساطة وبداهة أسئلة يصعب إن لم يكن مستحيلا معرفة إجاباتها وأن من يعرفها أو يتتبع طرفا منها محترفون متفرغون لا يتوقع أن يطلعوا أحدا على ما يعرفونه..
صحفيون وباحثون يعملون في الجامعات والصحف ومحطات التلفزة الغربية الكبرى ودبلوماسيون وسياسيون يسألونك (وهذا حدث معي مرات كثيرة) ما هي استثمارات حماس أو القاعدة أو الاخوان المسلمون في الأردن؟ لا تمنع نفسك من الابتسامة الساخرة ويتململ الضيف شاعرا بالإهانة. وكأن استثمارات الجماعات وأموالها مسجلة مثلا في وزارة الصناعة والتجارة أو يمكن لأي أردني أن يعرفها ويدلك عليها مثل ما يعرف مطعم القدس أو عطا علي أو بنك القاهرة عمان. يتخيلون أن هذه الجماعات لها مكاتب وقواعد وأمكنة في البلاد يعرفها الناس، ويمكن أن يسأل الدليل أو المترجم والذي يكون دائما لا يعرف من العربي أو الانجليزي الا ما يفيد في سوبر ماركت أو يساعد في ركوب وسائل المواصلات في مجمع الشمال أو التاكسي، حتى المترجمون المتفرغون في السفارات تبذل جهدا كبيرا حتى تفهّمه الموضوع بالعربي ولم يحدث يوما أني قدرت أفهّم واحد منهم بالعربي الموضوع اللي الضيف يسأل عنه، ومش عارف بعدين شو ممكن وكيف يترجم موضوع لا يفهم منه شي. مرة قلت لباحثة أستاذة جامعية يمكنك أن تدبري أمورك أفضل من هاي المترجمة. ومرت الأيام وصارت المترجمة زميلة وبعد عشرين سنة لاقت ابني في مناسبة وقالت له ابوك حكى للباحثة اللي كنت اترجم لها أحسن لك بدون مترجمة! لا شيء يُنسى ولا أحد ينسى في الأردن. كتبت مقالة في صحيفة الرأي عام 2003 انتقد بعض الممارسات في مستشفى الجامعة، وفي عام 2018 صار الطبيب المعني بالمقالة (رغم اني لم اذكره بالاسم وكان الحديث عن المستشفى بشكل عام) رئيس الجامعة اللي كنت أعمل فيها، وأول شي عمله الانتقام مني! يسأل الرحالة المغامر وين ممكن أقابل أبو مصعب (قبل ما يقتل) أو أزور مقرات "المجاهدين" ويتوقع إجابة مثلا ثالث شارع على اليمين في شارع السعادة! أيام أسامة بن لادن تدفق مئات الصحفيين والباحثين والدبلوماسيين يسألون عن أسامة بن لادن. طيب ليش جايين الأردن تسألوا عنه؟ ويبدو أنها الحالة ألهمت جماعة من "الرياديين والمبدعين" تنظيم جولات ومقابلات في عمان والزرقاء والسلط واربد ومعان ويكون فيه برنامج مرتب ومحدد مثل "المنيو" وأشخاص بعضهم يقدمون للضيف كقادة للجماعات أو خبراء أو باحثين متخصصين في الجماعات أو أقارب للجماعات.. وفيه فترة طلعت موضة زيارة بيت أبو مصعب الزرقاوي، صار معلم بحثي وصحفي مثل زيارة مدرج عمان (على فكرة مش روماني إلا بمعنى الروم اللي هم ا لسوريين مش روما اللي اكتسبت التسمية من شخص اسمه روميو) ويسألوا أسئلة لا يستطيع أن يجيب عليها غير أسامة بن لادن شخصيا. أصلا لو كت بعرف هاي المعلومات لحصلت في مقابلها على 5 - 25 مليون دولار على الراس. ونشرت الصحف والمحطات التلفزيونية العربية والعالمية عشرات المواد عن الجماعات اللي تنشط في أفغانستان أو العراق أو نيجيريا أو بوركينا فاسو من مقابلات وزيارات جرت في عمان أو الزرقاء أو حتى فقط في فنادق الخمس نجوم في عمان. وعلى سبيل المثال وهو مثال قابل للتعميم نشرت صحيفة الحياة اللندنية تحقيقات صحفية متسلسلة كل حلقة في صفحة عن جماعات المجاهدين وكأن الصحفي اللي جمع قصصه كلها من الأردن كان يتجول ويعيش في أدغال وجبال ومجاهل وصحارى أفغانستان وأفريقيا وفيتنام. ويمكن لأي أحد الآن استعادة هاي التحقيقات من الانترنت (إلا اذا اختفى موقع صحيفة الحياة من الانترنت) ويقرأ المغامرات والتحقيقات عن المجاهدين.
طلعت موضة أخرى هي التحليل النفسي للجماعات واعضائها. والفكرة جيدة طبعا لكن الباحثين والصحفيين كانوا يقابلوا صحفيين وباحثين مثلهم .. ومع ذلك نشرت تحقيقات وأبحاث وعقدت محاضرات عن علم نفس التطرف والإرهاب وقدم فيها أشخاص لا يميزون بين الارهاب والشاورما عن علم نفس الارهاب والتطرف! قال لي صحفي ساخر حصلت على أموال بسبب النشر عن الجماعات أكثر مما تملك الجماعات نفسها. ما علينا! مرة قابلتني برلمانية هولندية تشير ملامحها وأفكارها إلى أنها يهودية بحضور السفيرة الهولندية وسألتني لماذا تقتل حماس الأطفال؟ أجبت في مقدورك أن تسألي حماس وبعض قادتهم وموظفيهم يعيشون في عمان ومعروفون بذلك أو صحفيون وباحثون يصفون أنفسه مقربون من حماس في عمان ويمكن الرجوع إليهم ولكن حسب ما أتابع الإعلام فإن إسرائيل قتلت كثيرا من الأطفال الفلسطينيين. تكهرب الجوّ وساد صمت غير مريح. ثم نقلت السفيرة الحديث بذكاء نبيل إلى الاردن والإخوان المسلمين في الأردن (هذا الحكي في عام 2004) قلت الاخوان جماعة تعمل وفق القوانين المنظمة للعمل السياسي والعام ويشاركون في البرلمان ويسعون لتحقيق أهداف ومصالح من خلال العمل السياسي مثلهم مثل أي حزب سياسي او جماعة علنية. قالت البرلمانية وهي تضحك بسخرية هل سأعود إلى هولندا وأقول لهم الاخوان جماعة تعمل وفق القانون؟ من سيصدقني؟
توقفت منذ انطلق "الربيع العربي" عن مقابلة الصحفيين والباحثين والزوار ووسائل الإعلام وانسحبت إلى فيسبوك
صحفيون وباحثون يعملون في الجامعات والصحف ومحطات التلفزة الغربية الكبرى ودبلوماسيون وسياسيون يسألونك (وهذا حدث معي مرات كثيرة) ما هي استثمارات حماس أو القاعدة أو الاخوان المسلمون في الأردن؟ لا تمنع نفسك من الابتسامة الساخرة ويتململ الضيف شاعرا بالإهانة. وكأن استثمارات الجماعات وأموالها مسجلة مثلا في وزارة الصناعة والتجارة أو يمكن لأي أردني أن يعرفها ويدلك عليها مثل ما يعرف مطعم القدس أو عطا علي أو بنك القاهرة عمان. يتخيلون أن هذه الجماعات لها مكاتب وقواعد وأمكنة في البلاد يعرفها الناس، ويمكن أن يسأل الدليل أو المترجم والذي يكون دائما لا يعرف من العربي أو الانجليزي الا ما يفيد في سوبر ماركت أو يساعد في ركوب وسائل المواصلات في مجمع الشمال أو التاكسي، حتى المترجمون المتفرغون في السفارات تبذل جهدا كبيرا حتى تفهّمه الموضوع بالعربي ولم يحدث يوما أني قدرت أفهّم واحد منهم بالعربي الموضوع اللي الضيف يسأل عنه، ومش عارف بعدين شو ممكن وكيف يترجم موضوع لا يفهم منه شي. مرة قلت لباحثة أستاذة جامعية يمكنك أن تدبري أمورك أفضل من هاي المترجمة. ومرت الأيام وصارت المترجمة زميلة وبعد عشرين سنة لاقت ابني في مناسبة وقالت له ابوك حكى للباحثة اللي كنت اترجم لها أحسن لك بدون مترجمة! لا شيء يُنسى ولا أحد ينسى في الأردن. كتبت مقالة في صحيفة الرأي عام 2003 انتقد بعض الممارسات في مستشفى الجامعة، وفي عام 2018 صار الطبيب المعني بالمقالة (رغم اني لم اذكره بالاسم وكان الحديث عن المستشفى بشكل عام) رئيس الجامعة اللي كنت أعمل فيها، وأول شي عمله الانتقام مني! يسأل الرحالة المغامر وين ممكن أقابل أبو مصعب (قبل ما يقتل) أو أزور مقرات "المجاهدين" ويتوقع إجابة مثلا ثالث شارع على اليمين في شارع السعادة! أيام أسامة بن لادن تدفق مئات الصحفيين والباحثين والدبلوماسيين يسألون عن أسامة بن لادن. طيب ليش جايين الأردن تسألوا عنه؟ ويبدو أنها الحالة ألهمت جماعة من "الرياديين والمبدعين" تنظيم جولات ومقابلات في عمان والزرقاء والسلط واربد ومعان ويكون فيه برنامج مرتب ومحدد مثل "المنيو" وأشخاص بعضهم يقدمون للضيف كقادة للجماعات أو خبراء أو باحثين متخصصين في الجماعات أو أقارب للجماعات.. وفيه فترة طلعت موضة زيارة بيت أبو مصعب الزرقاوي، صار معلم بحثي وصحفي مثل زيارة مدرج عمان (على فكرة مش روماني إلا بمعنى الروم اللي هم ا لسوريين مش روما اللي اكتسبت التسمية من شخص اسمه روميو) ويسألوا أسئلة لا يستطيع أن يجيب عليها غير أسامة بن لادن شخصيا. أصلا لو كت بعرف هاي المعلومات لحصلت في مقابلها على 5 - 25 مليون دولار على الراس. ونشرت الصحف والمحطات التلفزيونية العربية والعالمية عشرات المواد عن الجماعات اللي تنشط في أفغانستان أو العراق أو نيجيريا أو بوركينا فاسو من مقابلات وزيارات جرت في عمان أو الزرقاء أو حتى فقط في فنادق الخمس نجوم في عمان. وعلى سبيل المثال وهو مثال قابل للتعميم نشرت صحيفة الحياة اللندنية تحقيقات صحفية متسلسلة كل حلقة في صفحة عن جماعات المجاهدين وكأن الصحفي اللي جمع قصصه كلها من الأردن كان يتجول ويعيش في أدغال وجبال ومجاهل وصحارى أفغانستان وأفريقيا وفيتنام. ويمكن لأي أحد الآن استعادة هاي التحقيقات من الانترنت (إلا اذا اختفى موقع صحيفة الحياة من الانترنت) ويقرأ المغامرات والتحقيقات عن المجاهدين.
طلعت موضة أخرى هي التحليل النفسي للجماعات واعضائها. والفكرة جيدة طبعا لكن الباحثين والصحفيين كانوا يقابلوا صحفيين وباحثين مثلهم .. ومع ذلك نشرت تحقيقات وأبحاث وعقدت محاضرات عن علم نفس التطرف والإرهاب وقدم فيها أشخاص لا يميزون بين الارهاب والشاورما عن علم نفس الارهاب والتطرف! قال لي صحفي ساخر حصلت على أموال بسبب النشر عن الجماعات أكثر مما تملك الجماعات نفسها. ما علينا! مرة قابلتني برلمانية هولندية تشير ملامحها وأفكارها إلى أنها يهودية بحضور السفيرة الهولندية وسألتني لماذا تقتل حماس الأطفال؟ أجبت في مقدورك أن تسألي حماس وبعض قادتهم وموظفيهم يعيشون في عمان ومعروفون بذلك أو صحفيون وباحثون يصفون أنفسه مقربون من حماس في عمان ويمكن الرجوع إليهم ولكن حسب ما أتابع الإعلام فإن إسرائيل قتلت كثيرا من الأطفال الفلسطينيين. تكهرب الجوّ وساد صمت غير مريح. ثم نقلت السفيرة الحديث بذكاء نبيل إلى الاردن والإخوان المسلمين في الأردن (هذا الحكي في عام 2004) قلت الاخوان جماعة تعمل وفق القوانين المنظمة للعمل السياسي والعام ويشاركون في البرلمان ويسعون لتحقيق أهداف ومصالح من خلال العمل السياسي مثلهم مثل أي حزب سياسي او جماعة علنية. قالت البرلمانية وهي تضحك بسخرية هل سأعود إلى هولندا وأقول لهم الاخوان جماعة تعمل وفق القانون؟ من سيصدقني؟
توقفت منذ انطلق "الربيع العربي" عن مقابلة الصحفيين والباحثين والزوار ووسائل الإعلام وانسحبت إلى فيسبوك
نيسان ـ نشر في 2023-02-24 الساعة 22:02
رأي: إبراهيم غرايبة كاتب اردني