اتصل بنا
 

هل حصل تكوين لطبقة رأسمالية – بورجوازية في سوريا المعاصر؟

نيسان ـ نشر في 2023-03-11 الساعة 23:30

نيسان ـ (مراجعة بمناسبة ذكرى الثامن من آذار 1963)
يفرّق كارل ماركس بين مصطلحي “الطبقة في ذاتها”، و”الطبقة من أجل ذاتها”.
“الطبقة في ذاتها”، حسب ماركس، هي مجموعة اجتماعية تملك علاقات إنتاج مع وسائل الأنتاج. “الطبقة من أجل ذاتها” هي منظومة طبقية تعي مصالحها وتفرز أفكاراً ومؤسسات سياسية وثقافية ودستورية وتشريعية من أجل حماية وتعزيز هذه المصالح . ماركس يرى أن الطبقة لاتتكون إلا عندما يكون هناك وصولاً من قبل مجموعة اجتماعية إلى وضع “الطبقة من أجل ذاتها” بكل مايعنيه هذا من وعي طبقي يفرز تمظهرات مطابقة في الوعي السياسي- الثقافي- الاجتماعي .
في فترة “الطبقة في ذاتها” لايكون هناك نظاماً اقتصادياً رأسمالياً مرفوقاً برديف سياسي فيه تكون الصناعة والتجارة والمصارف تحت خيمة الملكية الخاصة، بل يكون هناك رأسماليين في نظام اقتصادي- اجتماعي-سياسي – ثقافي غير رأسمالي أوماقبل – رأسمالي أويكون نظاماً اقتصادياً –اجتماعياً- سياسياً- ثقافياً لـ(رأسمالية الدولة)، تملك فيه الدولة السيطرة على علاقات الإنتاج ووسائل الإنتاج، وحيث يوجد فيه رأسماليون يسمح لهم نظام “رأسمالية الدولة” بالعمل وفق مبدأ الملكية الخاصة ولكن من خلال علاقة “ما” وتداخلات معينة مع “رأسمالية الدولة”، ومن دون أن يكون هؤلاء الرأسماليين في وضعية الطبقة الرأسمالية التي تملك وعياً بورجوازياً في السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة ونمط الحياة.
مصطلحا “الطبقة في ذاتها” و”الطبقة من أجل ذاتها” يمكن تطبيقهما على مرحلتي نشوء وتكون كل الطبقات بما فيها الطبقة العاملة.
في مصر 23 يوليو/تموز 1952، وسوريا 8 مارس/آذار1963حصل إنقلابان عسكريان وصلت من خلاله مجموعة سياسية، ذات خلفيات اجتماعية ريفية أو من الفئات البينية في المدن والبلدات الصغرى، إلى السيطرة على السلطة السياسية، ومن خلال قوة الأخيرة تم إحداث انقلاب جذري هو بمثابة ثورة ضد وعلى البنية الاقتصادية- الاجتماعية السابقة التي كانت تسيطر من خلالها رأسمالية صناعية – مصرفية- تجارية على علاقات الانتاج ،بالتحالف مع الملاكين الكبار في الريف، وعبر تلك السيطرة كانت تسيطر على السلطة السياسية في مصر (1922-1952) وفي سوريا (1946-1963) مع فاصل معاكس هو مرحلة الوحدة السورية – المصرية (1958-1961)، وقد كان هذا مترافقاً مع وعي طبقي سياسي – ثقافي بمصالحها. تم عبر 23يوليو 1952 المصري و8 آذار 1963 السوري إنشاء نظام من “رأسمالية الدولة”، ولكنه، كمسار حتمي حكم كل التجارب العالمية لنظام رأسمالية الدولة، فقد كان الأخير رحماً لتوليد نظام “اقتصاد السوق”، وفي البعض منها كانت الولادة يحل فيها الوليد بدل الأم (مثل أنظمة أوروبة الشرقية التي كانت في حلف وارسو) أو يتجاور الوليد مع الأم في علاقة تجاور تعايشي،مثل الصين المعاصرة وروسيا بوتين أومصر مابعد جمال عبد الناصر أوسوريا مابعد 16 تشرين ثاني 1970.
“اقتصاد السوق” ليس ردة أو انحراف عن “رأسمالية الدولة” بل استمرارية سياقية له كنظام اقتصادي- اجتماعي، وإن كان لا يتطابق معه سياسياً وثقافياً بالمعنى الأيديولوجي، مع ملاحظة أن بعض التجارب المذكورة تختار المحافظة على القشرة الإيديولوجية القديمة لنظام “رأسمالية الدولة”،كما في سوريا المعاصرة، أو تتجه إلى تسويغ الخيارات الجديدة مثل التسويغ الصيني منذ 1987 لقيادة الحزب الشيوعي للعملية الرأسمالية بأن هذا ماوصفه كارل ماركس لألمانية المتخلفة في “البيان الشيوعي” عام 1848، أي أن يتحالف الشيوعيون مع الليبراليين من أجل إنهاء العلاقات الماقبل رأسمالية عبر ثورة بورجوازية ألمانية، فيما قال ماركس في “البيان” بأن إنكلترا وفرنسا قد أنجزتا الثورة البورجوازية وبالتالي يجب أن يسعى الشيوعيون فيهما إلى ثورة إشتراكية. كان رأي ماركس المذكور مخالفاً لطريق لينين في ثورة أوكتوبر1917عندما سعى لينين إلى ثورة إشتراكية في بلد تسود فيه العلاقات الاقتصادية- الاجتماعية الماقبل – رأسمالية، الشيء الذي فشل فيه الشيوعيون السوفيات طوال ثلاثة أرباع القرن، وهو ما أثبته انهيار الماركسية السوفياتية في عام1991.
في مصر ما بعد جمال عبدالناصر تم إنشاء نظام من “اقتصاد السوق” وتم تضييق مساحات “رأسمالية الدولة” إلى حد كبير، وإن ظلت السلطة السياسية، التي تتكون من دولة عميقة هيكلها العظمي هو المؤسسة العسكرية زائد الإدارة ،هي ضابط الايقاع للعملية الاقتصادية، ولكن انوجد في مصر السادات- مبارك- السيسي جنيناً يمكن بقفزة واحدة أن يتحول إلى “طبقة من أجل ذاتها”،وإن كان يلاحظ أن الرأسماليون المصريون كانوا مؤيدين لانقلاب السيسي على الإسلاميين في 3 يوليو 2013، ولكن ما يمكن تلمّسه أن هناك توازناً للقوى بين سلطة السيسي وبين الرأسماليين المصريين، يملك الأخيرون في هذا التوازن قوة مرموقة وإن كان الميزان لم يمل لكفتهم بعد.
في سوريا 1963-2023 هناك وضع مختلف عن الوضع المصري . الرأسمالية السورية الجديدة أتت من تحت خيمة السلطة السياسية المنبثقة عن نظام “رأسمالية الدولة”، وقد تمت ولادتها في تواريخ 1974″نظام التعهدات”، و1991 “المرسوم10″، و2004 “إنشاء المصارف الخاصة”، وما بعد، 18 آذار 2011 “اقتصاد الأزمة”.
معادلة أن (السلطة ) تصنع (الثروة)،أوأحياناً تنزعها وتلغيها،هي واضحة كثيراً في سوريا 1974-2023. هناك معادلة أخرى، وهي أن السياسة خط أحمر، وفي هذا المجال كان درس رياض سيف بليغاً في عام 2001، وقد تم استيعابه بعمق من قبل الرأسماليين السوريين، عندما حاول رأسمالي صناعي سوري أن يدخل في السياسة ومن موقع معارض، لتضعه السلطة في السجن بعد أن قامت بالتضييق الاقتصادي عليه.
في سوريا المعاصرة يوجد رأسماليون، ولكن لم توجد، بعد، طبقة رأسمالية – بورجوازية تكون “طبقة من أجل ذاتها” بالترافق مع وعي طبقي خاص يتمظهر في مجالات السياسة والثقافة والاجتماع والرؤية للدستور والنظام التشريعي، بل مازال الرأسماليون السوريون المعاصرون يفضلون فصل الاقتصاد عن السياسة والمجالات الأخرى والركوب في إحدى عربات القطار الذي تقوده مقطورة السلطة السياسية لنظام “رأسمالية الدولة”.
كتكثيف: في الثورات الأوروبية، في انكلترا(1642-1649) و(1688-1689)، وفي فرنسا (1789و1848) وفي روسيا 1905 وفبراير/شباط 1917 وأوكتوبر1917،قامت العاصمة بقيادة الثورات، وكانت كل تلك الثورات ضمن النطاق الرأسمالي- البورجوازي، حتى تلك التي وضعت هدفاً اشتراكياً مثل ثورة أوكتوبر الروسية. في مصر 1919-1952 وسوريا 1946-1958 لم تستطع الطبقة الرأسمالية القيام بالاصلاح الزراعي، والذي كان في صلب جدول أعمال تلك الثورات الأوروبية المذكورة أعلاه، وهذا هو السبب في فشلها بإنجاز عملية الثورة الرأسمالية التي أحد شروطها إدخال العلاقات الرأسمالية للريف عبر الاصلاح الزراعي،الذي لو حصل في مصر لما كانت 23 يوليو1952 قد حصلت والتي هي ثورة ريفية، وكذلك 8 آذار 1963 السوري الذي ماكان ليحصل لو لم يتراجع حكم الانفصال عن إجراءات الإصلاح الزراعي الذي قام به عبدالناصر في سوريا زمن الوحدة، هذه الوحدة التي ماكان يمكن أن تحصل لو أن الطبقة الرأسمالية السورية، التي كانت في فترة حكمها بين عامي 1946و1958 قد وصلت لمرحلة “الطبقة من أجل ذاتها” أي طبقة رأسمالية – بورجوازية ،قامت بالاصلاح الزراعي . لهذا، أتى 23 يوليو 1952و8 آذار 1963 لإكمال مهام الثورة الرأسمالية وبقيادة كان مستندها الاجتماعي الرئيسي في الريف وعبر نموذج “رأسمالية الدولة”، ولذلك كان الطريق الرأسمالي السوري بعد 8آذار 1963مختلفاً عن الطريق الرأسمالي السوري قبل هذا اليوم، وهو طريق ليس إشتراكياً هو والطريق المصري الناصري، وأيضاً هو ليس “طريقاً لا رأسمالياً نحو الانتقال إلى الإشتراكية” كما قال السوفيات في عام 1964 لتسويغ وتنظير تعاون الشيوعيين المصريين والسوريين مع نظامي 23يوليو المصري و8 آذار السوري.

نيسان ـ نشر في 2023-03-11 الساعة 23:30


رأي: محمد سيد رصاص

الكلمات الأكثر بحثاً