اتصل بنا
 

كتاب العوسج الملتهب

كاتب اردني

نيسان ـ نشر في 2023-03-19 الساعة 11:41

نيسان ـ صدر عن دار الكتاب الجديد الترجمة العربية لكتاب "العوسج الملتهب وأنوار العقل: ابتكار فلسفة الدين" وهو كتاب عظيم بالغ الأهمية في مجاله، ويقع في أربعة مجلدات (حوالي 3000 صفحة). الكتاب من تأليف جان غريش، وهو فيلسوف فرنسي يعمل أستاذا للفلسفة في المعهد الوطني للبحث العلمي في باريس، كما عمل من قبل أستاذا للفلسفة بكلية الفلسفة في المعهد الكاثوليكي في باريس. وترجمة محمد علي مقلد الأستاذ بالجامعة اللبانية، وعز العرب الحكيم بناني؛ أستاذ جامعي مغربي مشتغل في البحث العلمي في مجال فلسفة الدين.
الكتاب أكبر من أن تحيط به مقالة، بل يحتاج إلى دراسة ضافية، لكني سأقدم فكرة عنه مستمدة من مقدمته الضافية والشاملة التي قدمها المؤلف وتقع في 50 صفحة.
نشأ علم فلسفة الدين قبل مائتي سنة ويعني النظر إلى الدين بصفته مسألة فلسفية على أساس تناول أمر غير فلسفي بطريقة فلسفية.
الجذر اللغوي للدين في اللاتينية هو فعل relegere أعاد القراءة، قرأ مجددا. ومن معاني releger الوصول والصلاة، والثقة والإيمان. يقول عالم الاجتماع نيكولاس لومان (Niklas luhmann) الدين هو ثقافة الإقرار بوجود عوارض الحياة التي لا يمكن التحكم فيها وبشروطها.
فكر فلسفة الدين في الدين بكل تجلياته، ..
1- توضيح معنى الأديان الوضعية بدلا من بناء مفهوم فلسفي للدين
2- تحليل التعبيرات الفردية والجماعية والطقوس والمعتقدات والمواقف الروحية وكذلك المقولات العقلية والنقاشات التي تثيرها.
3- مراعاة معطيات تاريخ الأديان التي ينبغي إدراجها في سياقات لمعنى التاريخ العالمي.
يقتضي تعريف فلسفة الدين تجزئة المسألة إلى عدة ورشات كبيرة:
1- جوهر الدين – مفهوم الدين
2- التعددية والتتابع التاريخي للأديان القائمة
3- تحديد مضمون الحقيقة في مختلف الديانات
4- البحث عن دين مطلق مفترض، يختصر شرارات الحقيقة الموجودة وجودا حثيثا في الديانات الأخرى، وهو ما يتيح للإنسانية كلها أن تعبد الله عقلا وحقيقة.
يتساءل هيدغر؛ كيف صار الله موضوعا فلسفيا؟ إن المؤمنين الذين تربطهم روابط مؤسسية بتراثهم ولا يتنكرون لها يكتشفون أن بعض الأسئلة التي تمس جوهر الديني بالذات يقتضي جهدا للفهم يختلف عن جهد "اللاهوتيين" الذين يقع على عاتقهم بحسب التعريف الذي وصفه ماكس فيبر عبء صياغة التماسك الداخلي للنظرة الدينية الخاصة إلى العالم.
إن قيام فلسفة للدين أمر ممكن بشرط الرضا بطرح عدد من الأسئلة التي لا تنتمي مباشرة إلى تخصص اللاهوت ولو كانت تتعلق بموضوعات وقضايا هي من صلب اهتمامه.
فلسفة الدين والتجربة الروحية
1- العقل الفلسفي في جوهره فعل اهتداء وتطهر روحي (ميتافيزيقيا الاهتداء) بمعنى الاهتداء إلى حياة ونظام معرفي لا يمتلك طبيعة فكرية فقط بل أخلاقية وروحية أيضا. يقول أرسطو: السماء والطبيعة معلقتان بمبدأ هو حياة يمكن مقارنتها بأكثر أجناس الحياة كمالا التي يمكن أن توهب لنا لنحيا لحظة قصيرة. إن المبدأ دائما هو في الحقيقة. والتأمل هو النعيم الأكمل والأسمى. هو الغبطة التي نحظى بها لحظات لكن الله يملكها دائما. والحياة ملك الله، والتفكير فعل الله. إذن فلنسمي الله حيا وكاملا. إن الحياة والديمومة الزمنية المتواصلة والأبدية هما إذن بعض من الله، لأن هذا بالذات هو الله.
2- على فلسفة الدين أن تجري بحثا عن تنوع التجربة الروحية الدينية وعن تجليات التقوى العادية وصولا بها إلى أرقى الحالات الصوفية وأكثرها استثنائية، إن عليها أن تصف بأمانة قدر الإمكان وان تحللها وأن تضع لها على سبيل الاحتمال نمذجة عقلانية.
إن ممارسة العلم لم تعد تخضع لسلطة الدين، وبمقدار ما يتقدم العلم يسود في المستوى الثقافي الإيمان بحياد الدين تجاه العلم. وفي المقابل يقول المؤلف: نشهد تراجعا في التبجيل الثقافي للعلم، فالإنسان المعاصر تعلم كيفية الحذر من البحث العلمي ومن المصلحتين الطاغيتين: الفضول النظري من جهة، والجدوى التكنولوجية من جهة أخرى. يمثل المظهر الأول نتائج ثقافة الخبراء المتعالية. ويمثل الثاني تحديا لبقاء الإنسانية على قيد الحياة للبشرية.
المؤمن لم يعد ينظر إلى العلم بصفته تحديا قاتلا مضادا للرؤية الدينية للعالم. لقد أصبح الصراع بين العلم والأيديولوجيا أكثر حدة من الصراع بين المعرفة والإيمان. والمفارقة أنه في مثل هذا النوع من الصراع يمكن أن يتصرف العلم والدين بصفتهما حليفين موضوعيين.
الوقفة المعاصرة: ولادة العلوم الدينية
كان ديلتاي "مقدمة إلى علوم الروح" من أوائل الفلاسفة الذين راعوا تأثيرات ظهور العلوم الإنسانية في العمل الفلسفي بالذات، يقول: تجد فلسفة الدين نفسها محكومة بـ "محادثات ثلاثية" صعبة بين الجهد النظري والمفهومي الذي يعدّ الشأن الخاص بالفلسفة والخطاب الذي طوره الفهم العالمي في ما يتعلق بالوجود الوضعي للحقيقة الدينية والخطاب الذي يستخدمه المتدين نفسه للتعبير عن تجربته والجهود اللاهوتية المتفاوتة في نجاحها التي تنصرف إلى تحديد المقولات الناجمة عن الموقف الديني.
اقترح دومينيك دوبار Dominique Dubarle تصنيف المواقف الفلسفية تجاه التأويل الديني للوجود في ثلاثة أنماط أساسية:
1- الفلسفة الناشئة في اليونان "لا يرى الفيلسوف أي شيء ديني غريبا عنه"
2- المفهوم المسيحي يرى وظيفة الفلسفة تزويد اللاهوت بالمفاهيم التي يحتاج إليها كي يعد إيمانه المعقلن.
3- يتساءل اريك فايل "كتاب منطق الفلسفة" هل تنتمي الكلمة الأخيرة إلى العقل أم الدين في الصراع الذي يدخله الدين مع العقل؟ الدين يمثل للعقل غيرية لا يمكن تجاوزها. هنا تظهر معالم فرضية الموقف الثالث المحتمل للفلسفة بإزاء الإيمان الديني، وفيها اعتراف متبادل بين الغيريتين. يتعلق الأمر بتحديد بنية العقل الذي عاش تجربة تعدد أبعاده الداخلية، وأصبح قادرا بذلك على استقبال الغيرية الدينية التي تمثل له أحد أنماط صوت الآخر في داخله، إن هذا الصوت يطابق عل نحو ما النموذج "الهيرمينوطيفي" للعقل
نماذج العقل الكبرى وتأثيراتها في فلسفة الدين؛ العقلاني، النقدي، الظاهراتي، التحليلي، الهيرمينوطيقي
النموذج العقلاني هو القدرة على الحكم المفترضة في كل مسار معرفي موجه إلى التجربة، إذ أن العقل هو ملكة إنتاج الأفكار المتعالية؛ العالم، النفس، الله.
العقل النقدي: يتمثل هذا النموذج في الأسئلة الأربعة التي صاغها كانت؛ ماذا يمكن أن أعرف؟ ماذا يجب أن أعرف، ماذا يجوز أن آمله؟ ما الإنسان؟ يندرج في المنهج النقدي التأويل المنهجي الانثروبولوجي، مثل لودفيغ فيورباخ في كتابه جوهر المسيحية، والنقد الجينالوجي لفردريك نيتشه (جينالوجيا الاخلاق) والطوباوية الجذرية التي عرضها ارنست بلوخ في كتابه مبدأ الأمل والإلحاد.
النموذج الظاهراتي للعقل: يدرج المؤلف في هذا العنوان مجموع فلسفات الدين في سياق الفلسفة الظاهراتية الهرسرلية. يميز غريش (المؤلف) بين معنيين لكلمة "ظاهراتية"
1- المعنى المنهجي والوصفي: مقاربة التجربة الدينية الحريصة على إعطاء الأولوية للوصف لا التفسير. وفي هذا السياق يأتي شانتيبي دولا سوساي (1848 – 1920) ومرسيا إلياد. وشهد القرن العشرون مؤلفات كثيرة ترجع إلى "ظاهراتية الدين" مثل رودلف أوتّو، عن المقدس، وجيراردوس فان دير لوف "فينومينولوجيا الدين" ودراسات فريتزر هايلر عن الصلاة، وكتاب مظاهر الدين وجوهره.
2- يعد كتاب هوسرل "أبحاث منطقية" إنجازا مهما في اتجاه صياغة تصور جديد للفلسفة، يقوم على ثلاثة اكتشافات تأسيسية: القصدية؛ بصفتها واقعة أساسية في الوعي، والحدس المقولي، والقبلي (السابق للتجربة)، ويتلخص تصور مفهوم هوسرل للظاهراتية في أنها تخصص وصفي محض يستكشف حقل الوعي المتعالي المحض في ضوء الحدس المحض. كل حدس واهب أصلي هو مصدر حق للمعرفة، وكل ما يقدم في الحدس بطريقة أصلية ينبغي استقباله لما ينذر نفسه له، لكن من غير تجاوز الحدود التي يعطى فيها.
النموذج التحليلي: ما يميز العقل التحليلي هو أنه يرسم حدا واضحا بين ما "يمكن وصفه" وما "يعجز عنه الوصف"
النموذج الهيرمينوطيقي: تشكل المنهج الهيرمينوطيقي في بداية القرن العشرين، ومن رواده: ديلتاي، هايدغر، غادامير، ريكور، وباريسون. يعرف ريكور النموذج الهيرمينوطيقي: تحديد العقل الهيرمينوطيقي بأنه نتيجة استنبات مفهوم التأويل داخل الفكرة الظاهراتية عن الحدس. ويقول غريش (المؤلف) إن هذا النموذج لم يثبت بعد كل مؤهلاته في مجال تفسير الدين.

نيسان ـ نشر في 2023-03-19 الساعة 11:41


رأي: إبراهيم غرايبة كاتب اردني

الكلمات الأكثر بحثاً