عزاءات الفشل
إبراهيم غرايبة
كاتب اردني
نيسان ـ نشر في 2023-04-13 الساعة 10:09
نيسان ـ يقال على سبيل العزاء (ربما) إن عدد مرات الفشل يؤشر إلى محاولات النجاح، ووجدت في ذلك عزاء عشية الليلة الأخيرة من العام الستين من عمري، وكنت أتذكر وأراجع سيرتي وتجاربي وذكرياتي، وشعرت بمرارة عظيمة تجاه مسيرتي العلمية والمهنية.
لقد نشأت في قرية صغيرة تمتد في أسلوب حياتها إلى آلاف السنين، وهي البقاء حيا. كنا نزرع مساحة من الأرض ونربي بقرة أو أكثر وأغناما ومواشي وطيور لأجل أن نعيش، لم يكن لنا أفق في الحياة أو طموح سوى أن نعيش، أو نحاكي الآلهة.
بدأنا ندخل في العالم الجديد (بالنسبة إلينا، لكنه بدأ بالتشكل قبل ذلك بمئات السنين) في ستينات القرن العشرين من خلال الراديو والزراعة النقدية. صرنا نفكر لأنفسنا ومستقبلنا من خلال العلم والوظائف والأعمال، وكان المتيسر عمليا الانخراط في الجيش والأمن أو وظائف الدولة وخاصة التعليم، واختار المتفوقون وهم قليل دراسة الطب أو الهندسة.
أكملت دراسة الثانوية، وذهبت إلى الجامعة لدراسة العلوم، ثم حولت إلى كلية الآداب ودرست المكتبات في سياق أقرب إلى المصادفة والانسياق.
منذ ظننت أنني تخليت عن قيمة البقاء حيا لم أجد معنى آخر للحياة أو غاية أسعى إليها. هكذا فإنني منذ العام 1980 عندما بدأت أعتمد على نفسي من المنحة الدراسية ثم العمل بعد التخرج من الجامعة لم أكن سوى عامل مياومة يقول ما يعجب الناس ليبقى على قيد الحياة.
كنت أظن أن الجماعة التي انتميت إليها خمسة وعشرين عاما مسؤولة عن فقداني الإدراك الحقيقي لمعنى الوجود والحياة، وغياب الأهداف النبيلة والحقيقية التي يمكن أن أسعى إليها. لكن أظن وإن كانت الجماعة فاقمت الأزمة وألحقت ضررا كبيرا بكل شيء جميل في حياتي وفي تشكيل الذات وتصور الحياة والوجود، ثم خلفت في نفسي قدرا كبيرا من المرارة والغضب عندما تسلطت عليها جماعات من المتسولين والزعران، وعصفت بكل ما يمكن اعتباره خيرا وفائدة فيها أن التيه وغياب البوصلة في الحياة مرده إلى فقداننا أسلوب حياتنا المتراكم ومعنى حياتنا. لقد تعرضنا للتهميش والانتقام على نحو متراكم منذ مئات السنين، ثم واجهنا مصيرنا بلا رصيد من التماسك الاجتماعي والمعرفة والمهارات التي تؤهلنا للخوض في الحياة الجديدة. كنا نحسب أننا بالتعليم نخرج من التهميش والعزلة، ونتخلص من الهشاشة، لكنا تحولنا إلى أرواح تائهة وخائفة، لا تعرف طريقها، ولا تملك ثراء روحيا واجتماعيا ومعرفيا يمكنها من مواجهة المجهول.
كان يفترض أن تمنحنا المدارس معرفة كافية بالعلوم واللغات ومهارات حياتية وإبداعية واجتماعية تؤهلنا لمشاركة اقتصادية واجتماعية حقيقية وفاعلة، لكنها لم تعطنا من ذلك سوى قدر ضئيل مشوه، وسلبتنا الكرامة والبداهة التي تقودنا لتحسين حياتنا ووجودنا، وتمنحنا المعنى والجدوى. لم تكن المدارس والجامعات سوى أداة اوليغارشية لتنظيم الناس وإعدادهم وضبطهم وتهيئتهم لمصلحتها، وليس لمصلحة المجتمعات، وفي أقل الأحوال سوءا؛ تجاهلت التنشئة الاجتماعية والتعليمية الفرد، ولم تنظر إليه سوى عضو في المجتمعات والمؤسسات القائمة؛ يجب أن يكون فاعلا في غاياتها، وليس له قيمة أو أهمية سوى انتمائه ومشاركته في السياقات الاجتماعية والمهنية المعدة. لم يكن له حق في تعلم وعمل ما يريد أن يكون عليه إلا إذا كان ذلك متفقا مع أهداف وسياسات الدولة والمجتمع.
تجاهلت المؤسسات المهيمنة في بلادنا ومجتمعاتنا مصادر التكوين والتفكير الحقيقية والأساسية التي تشكل الأفراد والأمم، وتنشئ أفكارها ومعتقداتها وأعمالها وغاياتها، ورؤيتها لذاتها والكون والحياة؛ وهي ببداهة وبساطة: الذات متفردة ومستقلة في استدلالها على الحق والخير والجمال، والفنون والآداب والفلسفة بما هي امتداد السماء في الإنسان تلهمه ما يريد وما يجب فعله ومعرفته أو تجنبه، والعالم (الطبيعة والكون) بما هو كتاب الله ووحيه المستدل به على الكمال والمثال.
اليوم في مرحلة الفشل واللايقين التي نعيشها؛ نحتاج أن نعيد النظر من جديد لنمكن الناس جميعها بلا استثناء من امتلاك أسباب الإدراك السليم، وهي ببساطة التعليم الكفؤ المستمد من أساسيات العلم والحياة، والصحة والغذاء الجيدان، ثم ندع الناس جميعهم بلا استثناء أفرادا وجماعات وفئات وطبقات يفكرون ويبحثون بحرية واستقلال ليجدوا لأنفسهم وأمتهم ومجتمعاته ودولهم سبل النجاة والتقدم.
لقد نشأت في قرية صغيرة تمتد في أسلوب حياتها إلى آلاف السنين، وهي البقاء حيا. كنا نزرع مساحة من الأرض ونربي بقرة أو أكثر وأغناما ومواشي وطيور لأجل أن نعيش، لم يكن لنا أفق في الحياة أو طموح سوى أن نعيش، أو نحاكي الآلهة.
بدأنا ندخل في العالم الجديد (بالنسبة إلينا، لكنه بدأ بالتشكل قبل ذلك بمئات السنين) في ستينات القرن العشرين من خلال الراديو والزراعة النقدية. صرنا نفكر لأنفسنا ومستقبلنا من خلال العلم والوظائف والأعمال، وكان المتيسر عمليا الانخراط في الجيش والأمن أو وظائف الدولة وخاصة التعليم، واختار المتفوقون وهم قليل دراسة الطب أو الهندسة.
أكملت دراسة الثانوية، وذهبت إلى الجامعة لدراسة العلوم، ثم حولت إلى كلية الآداب ودرست المكتبات في سياق أقرب إلى المصادفة والانسياق.
منذ ظننت أنني تخليت عن قيمة البقاء حيا لم أجد معنى آخر للحياة أو غاية أسعى إليها. هكذا فإنني منذ العام 1980 عندما بدأت أعتمد على نفسي من المنحة الدراسية ثم العمل بعد التخرج من الجامعة لم أكن سوى عامل مياومة يقول ما يعجب الناس ليبقى على قيد الحياة.
كنت أظن أن الجماعة التي انتميت إليها خمسة وعشرين عاما مسؤولة عن فقداني الإدراك الحقيقي لمعنى الوجود والحياة، وغياب الأهداف النبيلة والحقيقية التي يمكن أن أسعى إليها. لكن أظن وإن كانت الجماعة فاقمت الأزمة وألحقت ضررا كبيرا بكل شيء جميل في حياتي وفي تشكيل الذات وتصور الحياة والوجود، ثم خلفت في نفسي قدرا كبيرا من المرارة والغضب عندما تسلطت عليها جماعات من المتسولين والزعران، وعصفت بكل ما يمكن اعتباره خيرا وفائدة فيها أن التيه وغياب البوصلة في الحياة مرده إلى فقداننا أسلوب حياتنا المتراكم ومعنى حياتنا. لقد تعرضنا للتهميش والانتقام على نحو متراكم منذ مئات السنين، ثم واجهنا مصيرنا بلا رصيد من التماسك الاجتماعي والمعرفة والمهارات التي تؤهلنا للخوض في الحياة الجديدة. كنا نحسب أننا بالتعليم نخرج من التهميش والعزلة، ونتخلص من الهشاشة، لكنا تحولنا إلى أرواح تائهة وخائفة، لا تعرف طريقها، ولا تملك ثراء روحيا واجتماعيا ومعرفيا يمكنها من مواجهة المجهول.
كان يفترض أن تمنحنا المدارس معرفة كافية بالعلوم واللغات ومهارات حياتية وإبداعية واجتماعية تؤهلنا لمشاركة اقتصادية واجتماعية حقيقية وفاعلة، لكنها لم تعطنا من ذلك سوى قدر ضئيل مشوه، وسلبتنا الكرامة والبداهة التي تقودنا لتحسين حياتنا ووجودنا، وتمنحنا المعنى والجدوى. لم تكن المدارس والجامعات سوى أداة اوليغارشية لتنظيم الناس وإعدادهم وضبطهم وتهيئتهم لمصلحتها، وليس لمصلحة المجتمعات، وفي أقل الأحوال سوءا؛ تجاهلت التنشئة الاجتماعية والتعليمية الفرد، ولم تنظر إليه سوى عضو في المجتمعات والمؤسسات القائمة؛ يجب أن يكون فاعلا في غاياتها، وليس له قيمة أو أهمية سوى انتمائه ومشاركته في السياقات الاجتماعية والمهنية المعدة. لم يكن له حق في تعلم وعمل ما يريد أن يكون عليه إلا إذا كان ذلك متفقا مع أهداف وسياسات الدولة والمجتمع.
تجاهلت المؤسسات المهيمنة في بلادنا ومجتمعاتنا مصادر التكوين والتفكير الحقيقية والأساسية التي تشكل الأفراد والأمم، وتنشئ أفكارها ومعتقداتها وأعمالها وغاياتها، ورؤيتها لذاتها والكون والحياة؛ وهي ببداهة وبساطة: الذات متفردة ومستقلة في استدلالها على الحق والخير والجمال، والفنون والآداب والفلسفة بما هي امتداد السماء في الإنسان تلهمه ما يريد وما يجب فعله ومعرفته أو تجنبه، والعالم (الطبيعة والكون) بما هو كتاب الله ووحيه المستدل به على الكمال والمثال.
اليوم في مرحلة الفشل واللايقين التي نعيشها؛ نحتاج أن نعيد النظر من جديد لنمكن الناس جميعها بلا استثناء من امتلاك أسباب الإدراك السليم، وهي ببساطة التعليم الكفؤ المستمد من أساسيات العلم والحياة، والصحة والغذاء الجيدان، ثم ندع الناس جميعهم بلا استثناء أفرادا وجماعات وفئات وطبقات يفكرون ويبحثون بحرية واستقلال ليجدوا لأنفسهم وأمتهم ومجتمعاته ودولهم سبل النجاة والتقدم.
نيسان ـ نشر في 2023-04-13 الساعة 10:09
رأي: إبراهيم غرايبة كاتب اردني