اتصل بنا
 

ما بعد عودة سوريا إلى الجامعة العربية في قمة الرياض العربية القادمة

كاتب وخبير أمني

نيسان ـ نشر في 2023-05-02 الساعة 13:34

نيسان ـ ربما لم تكن القمة العربية المقرر عقدها في المملكة العربية السعودية في 19 أيار (مايو) بحاجة لملف أزمة جديدة، كالأزمة السودانية، في ظل ازدحام جدول أعمالها بملفات أزمات عديدة شائكة ومعقدة، فالقمة تنعقد في ظل بقاء الأزمات العربية، بدءاً من القضية الفلسطينية، لا سيّما مع التصعيد الإسرائيلي الجديد مع حكومة يمينية متطرفة، بالتزامن مع أزمات في: سوريا ولبنان، مروراً بالعراق واليمن وليبيا، بالإضافة إلى الأزمة في تونس، وقد أضيف السودان إلى قائمة هذه الأزمات، وربما يبقى لأعوام قادمة على جدول الأزمات والقضايا العربية المطروحة على القمم العربية.
ما بين قمة الرياض القادمة والقمة العربية الأخيرة التي انعقدت قبل حوالي (7) اشهر في الجزائر، برزت مستجدات، لعل أبرز عناوينها اتفاق المصالحة بين السعودية وإيران، وتداعياته السياسية والأمنية على المنطقة والإقليم، والتوجه العربي لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية، وهو ما يتوقع معه أن تكون تداعيات هذا الاتفاق العنوان السياسي الأبرز في قرارات القمة، لا سيّما في القرارات المتعلقة باليمن وسوريا، ويتوقع أن تفرد القمة مساحات لقرارات حول التنمية الاقتصادية والبشرية في الدول العربية ، بدعم ورعاية سعودية، "عبر الإعلان عن دعم صناديق استثمارية ضخمة"، في ظل استفحال الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها الكثير من الدول العربية.
مؤكد أنّه رغم أنّ "القضية السودانية" ستفرض حضورها في القمة وبقرارات عربية "تدعو الفرقاء السودانيين لتغليب العقل والحكمة ووقف إطلاق النار والبدء بعملية سياسية شاملة تضمن الحفاظ على وحدة الأراضي والشعب السوداني"، إلى جانب القضية الفلسطينية، وبقرارات تتضمن "إدانة الإجراءات الإسرائيلية الأحادية، وحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، والتأكيد على الوصاية الأردنية على الأماكن المقدّسة في القدس"، إلا أنّ الملف السوري وعنوانه إعادة سوريا إلى الجامعة العربية سيكون القضية المركزية للقمة، لا سيّما أنّه كان عنواناً للقمة العربية التي انعقدت في الجزائر، فيما تركزت جهود الرياض بعد قمة الجزائر على إنجاز "مصالحة" مع طهران، ويبدو أنّ سوريا كانت أحد عناوين تلك المصالحة.
عودة سوريا إلى الجامعة العربية، بعد القمّة العربية التي انعقدت في جدة السعودية الشهر الماضي بمشاركة دول الخليج بالإضافة إلى العراق ومصر والأردن، والزيارات المتبادلة بين وزيري خارجية سوريا والسعودية، وإعادة فتح السفارات العربية في دمشق، تؤكد أنّ دمشق عملياً أعادت علاقاتها مع غالبية الدول العربية، رغم التحفظات التي تبديها (3) دول عربية على ذلك: "المغرب وقطر والكويت"، وهي تحفظات يبدو، وفقاً للرياض، أنّه يمكن التغلب عليها، ورغم ذلك، فإنّه يمكن الإشارة الى العناوين التالية حول هذا الانفتاح العربي على دمشق:
أوّلاً: هذا الانفتاح غير معزول عن تطورات دولية وأخرى إقليمية، فمنذ العام 2016 لم يعد "إسقاط النظام السوري" هدفاً للقوى الإقليمية والدولية، وهو ما التقطته الإمارات والأردن عبر مبادرات فردية وثنائية بالانفتاح على دمشق، عبر سياسة جديدة عنوانها "التدرج بالانفتاح على دمشق"، وتزامن ذلك مع وقف الدعم العربي للمعارضة السورية، فيما أثبتت المعارضة السورية تشتتها بين عواصم القرار العربية والإسلامية، بما فيها المعارضة التي تُعرف بجماعات تركيا، والتي يبدو أنّها لم تدرك بعد التحولات في المواقف التركية، وأنّ المصالحة التركية مع دمشق قطعت أشواطاً برعاية موسكو، وأنّ صفقة كبرى أنجزتها موسكو مع أنقرة، يرتبط الإعلان عن تفاصيلها بانتهاء الانتخابات التركية في منتصف هذا الشهر، وعلى أيّ حال فإنّ كل تلك التطورات ستعمق أزمات المعارضة السورية وتفاقمها.
ثانياً: رغم ارتباط هذا الانفتاح على دمشق وتسارعه، قبل الاتفاق السعودي- الإيراني، إلا أنّه لا يمكن إغفال حقيقة أنّ هذا الاتفاق عمل على تسريع الانفتاح العربي على دمشق، فترجمة التقارب مع دمشق، وتحديداً من قبل الرياض، تم بعد تلك المصالحة بين الرياض وطهران، غير أنّه أرسل رسالة بالدور الإقليمي للسعودية وثقلها في القرار العربي، إذ شكل انفتاح الرياض "تجميعاً" لمبادرات عربية فردية وثنائية تتضمن مقاربة الانفتاح في أبعادها الاستراتيجية، سبق وطرحت من قبل الأردن والإمارات والجزائر، ولا شكّ أنّ تداعيات الزلزال الذي شهدته تركيا وسوريا ساهم في "تسريع" الانفتاح على دمشق، تحت عناوين "المساعدات الإغاثية والإنسانية".
ثالثاً: لم يعد خافياً أنّ المقاربات العربية بالانفتاح على دمشق مرجعيتها أنّ هذا الانفتاح سيبعد سوريا إلى حدٍّ كبير عن الحليف الإيراني، وهي مقاربة من غير الواضح نتائجها المحتملة ومآلاتها، في ظل التغلغل الإيراني في مفاصل الدولة السورية، ورغم أنّ هذه المقاربة تحظى برعاية ودعم روسي، وهو ما عبّرت عنه زيارة الرئيس الأسد "مباشرة" إلى الامارات، وليس إلى إيران، بعد عودته من موسكو الشهر الماضي، فإنّ المشروع العربي المدعوم من روسيا والصين بعودة سوريا إلى الفضاء العربي، تصطدم برفض أمريكي وأوروبي، في انعكاس مباشر لتداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، بوصف النظام السوري أحد أبرز الداعمين لروسيا في المنطقة، بالإضافة إلى ارتباط الموقف الغربي من دمشق بالموقف نفسه تجاه إيران والمفاوضات معها، وتمددها في المنطقة.
رابعاً: رغم أنّ التقارير والتسريبات حول هذا الانفتاح تركّز على ما يمكن وصفه بمطالبات عربية من دمشق، بما فيها تحقيق تسوية سياسية سورية-سورية، تستجيب لمطالب الشعب السوري، وإعادة اللاجئين السوريين، وتحقن الدماء، إلا أنّ استجابات دمشق لذلك غير واضحة، إذ يغيب عن تلك التقارير والتسريبات ما قدّمته دمشق من ضمانات بهذا الخصوص، إلّا أنّه لا يمكن إغفال حقيقة أنّ الاتفاق بين إيران والسعودية بدأت تترجم تمثلاته في تهدئة بالإقليم شهدها الملف اليمني وبخطوات متسارعة، وقد توقفت إلى حدٍّ كبير عمليات تهريب المخدرات من سوريا، خاصة من الحدود السورية باتجاه الأردن.
وفي الخلاصة؛ فإنّ هذا الانفتاح العربي على دمشق سيبقى رهناً بمواقف الفاعلين في الملف السوري، بما في ذلك الموقف الأمريكي والأوروبي، الذي أصبح مرتبطاً بشكل مباشر بتداعيات الحرب في أوكرانيا، غير أنّ سلوك إيران ومدى التزامها باتفاق المصالحة مع السعودية، وترجماته في سوريا، سيبقى على قدر أكبر من الأهمية، وربما يخلط الكثير من الأوراق، بما فيها الدور والمواقف الإسرائيلية تجاه الملف السوري، التي أصبح شعارها تجاه سوريا ترجمة للمثل العربي: "خرج من المولد بلا حُمّص".
(حفريات)

نيسان ـ نشر في 2023-05-02 الساعة 13:34


رأي: عمر الرداد كاتب وخبير أمني

الكلمات الأكثر بحثاً