ما بعد السودان
مريم عرجون
كاتبة جزائرية
نيسان ـ نشر في 2023-05-03 الساعة 17:33
نيسان ـ سلاما على ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ رحيقا مختوما بمسك الحقيقة للسودان المهدية التي سال من جيدها الذهب و سلة الغذاء العربي تجلس على عرش من عدم و تحت وطأة الحصار الاقتصادي و لعنة الأزمات الحقيرة التي تطارد رعاة الإبل منذ أكثر من 27 عاما، مما خلق خُمُودا عميقا بضباب مرهق في زوايا الوطن الحزين المتنفس للحرية تحت سياطِ المروِّض، وطن زرعت بذور هلاكه منذ عقود على مقل الغافل، و اليوم على عجلٍ عادت الجُثَثٌ الجافة توزع مجانا في حناجر تانهسو الكئيبة التي حشرجت فيها الحياة وذروا الموت بها كلعنة بَيْنَ هّذَا وَذَاكَ تحت الدُّجى السليط، وكأن الوطن عاد سوقا كئيب تتجمع فيه الغربان و بات ينتحب من بعيد ، و من بعيد يمضي الوطن مثل الشريد على التل الوحيد يخفيه ضباب وأحلام عبؤها محطوطُ لمُسْتَعْبَد أسير لعنته أمه وهي تبكي، لن تسير بين نواظر الذئاب، ولن تسلك الدرب السَحِيق في ليالي الدُجًى البهيم ووسط دَنْدَنَة الحديد القاسية التي تستنزف دماء السودان، وعرقها يتصببُ من تعبٍ في حلائِب المراهنة الملفوفة وهي تسقط كالشرر، تزحف زحفا تئن من ظلم ومن ألم، و عيون الطغاة تسلب النشيد وتعشق أطرافها الباكية، أما قلوبها الساجية تحلم بنواظر راعية، فيتناثر أبناء الديار هناك كالغبار على الرواب الخالية، تفرقت أطرافهم في كل ناحية تلملم الدمعة الجارية بمناديل تشرب النحيب النزيل، والدم الجاري يقطر ثم يقطر حتى يوقظ نار الدخيل التي تسلخ الهوية وهى لن تكتفى حتى يختفي أبناء الديار، و عام بعد عام وطن يحوله الموت أرجوحة للقبور، و يتهامس السعف الثقيل في السودان ويصمت من جديد في سكون فيخبو وينطفئ السلام يهمس في الظلام وهو يحبو في القلب والعيون ويبقى الوطن المهجور تنبح في أطرافه خصوم تتصدى السبيل، تتلاشى سحائبه كل مرة وتتهيأ أخرى للانطلاق، يدفع الوطن كل ما عداه من أحلام، يتبختر بعلياء المطلق في روحه، هذا الوطن المفتخر بحتمية انتصاره لا يتوقف عن ساديته يدوس الجسد والعقل والقلب والروح و النوم والحلم والكلمات والحزن والضحكات المتقطعة ويطل برأس تخضبت بالغرور والنرجسية والثمالة ، هذا الوطن الذي مل من الأغاني والأشعار و لما اقتسموه لم يحتمل جسده وجع الاقتسام فتمرد على كل شيء هرب من الجغرافيا وتحرر من سلاسل التاريخ الكاذب دق رأسه بجدران الحصارات وبتر ساقه احتجاجا، أدمن الخمر الرخيصة وراح يتطوح في شوارع الأحلام عاريا متعثرا لا يقبل صدقة كاذبة ولا شفقة مزعومة في المخدع المجهول وبقي جسد الحكاية ممزق و أشلاء أوطاننا باغتها الغزاة قبيل الفجرة بغفوة غدر، رافقت جحافلهم الذئاب والضباع وقاطرات من الأفاعي والعقارب السوداء، طعنوا الراشدين ركعا وسجدا فلا مكان للقداسة والجلال في أعرافهم، فالمسجد والكنيسة والمعبد والمتحف والضريح جميعها تلطخت ببقاع الدم القاني وهي في وعيهم الجاهل أجمل ساحات الثأر، لإقامة دويلات ضعيفة تقتسم بسبب أقلياتها العرقية والطائفية وتتجهز للخضوع، ما هذا إلا مفتاح لعملية تاريخية في إقامة لا شيء أكبر وإن أهميتها لا تتعلق بقيمتها التاريخية بل بالكابوس الذي تعرضه، فهل أوطاننا بعث أو موت أم رمادا هامدا؟
فقفي على قدم يا ملتقى الطرق الأفريقية حتى ولو قدماك منكسرا فأنت من انعكستِ تقدمكِ على زمانكِ يوما أما اليوم العُلى عندك معلول تجلسين على حربٍ المنتصر فيها خاسر و اللَهَب في وجر الذئاب دخـــانُ، وتضمين بين جنباتك كل ثاكِل مَثكول ضجرت من بٌكائِهِ السودان، انظري ونحن جيران الديار لنا بصمة صبغت بالمقام وقودها من جحيم سعت في خراب الديار، عزفت بمزمار الموت أمام رقصة الأفعى وتتستر خلف حائِل منيع اسمه سلام الأوطان والحرية و بين الإشارتين تعلق أقدار الناس بمشانق الانتظار و الترقب و الخوف و اليأس و الأسئلة المرٌّة، نعم نحن أبناء تلك العشيرة على يسار الديار نحن أساوِرُ المدينة حررنا المَرافِق إلى الأرساغ من أساوِرُ قاومت المضايَقَ، اجتزنا بشموخ ثلاثة مذابح و دمار، اننا ابناء من أساوِر، أساوِر الأمل الذي يحيط بمعصم ديار، أساوِرُ الياسمين التي تطوق روح الجوار والأرض التي كللوها يوما بالزهور فهرب الموت فيها من القبور، فديارنا كانت الصغار فيها يوما في احتظار بكل درب و دار، ولم يشتكي الرخ المنهار من البارود و النار و ذئاب الليل و يد جزار، ونحن أبناؤها تغرّبْنا عشرينَ عامًا وعامًا وكل المسافاتِ، الخرائطُ والأزمان والجيران كانت ضدنا و قد نمنا في القفار على الحصى والحجار وتنام الدمعة فينا و في عَيْن غائِرَة، نلتحف الانكسارات وننام بعيون عارية من الأجفان، نلتحف أحلام الخرساء الرمادية الكالحه لا صوتها يصل ولا الليل يسمعه، ويصمت الموت حين تحكي حناجر الأحرار وتطفّأ المباخر الجمر بالجمر و ألف نار، فتخترق غيومها توخز هدأة المُقَل لكننا كبرنا نصلح المفاسد ونستغيث بأرضنا المستغيث و لا نسأل عما وراء الصمت والجدار يكفي أن هذا العالم المندثر وحتى وسط النار الصاخبة هو المسكن و الديار.
وفي كل درب و دار تنسج العنكبوت بيتها وتطل بألف فم يمتص الدم والماء حتى يجف العظم والسودان ونحن أبناء المضارب ألا زلنا نردد: بلاد العرب أوطاني أو نردد من بعد السودان؟
فقفي على قدم يا ملتقى الطرق الأفريقية حتى ولو قدماك منكسرا فأنت من انعكستِ تقدمكِ على زمانكِ يوما أما اليوم العُلى عندك معلول تجلسين على حربٍ المنتصر فيها خاسر و اللَهَب في وجر الذئاب دخـــانُ، وتضمين بين جنباتك كل ثاكِل مَثكول ضجرت من بٌكائِهِ السودان، انظري ونحن جيران الديار لنا بصمة صبغت بالمقام وقودها من جحيم سعت في خراب الديار، عزفت بمزمار الموت أمام رقصة الأفعى وتتستر خلف حائِل منيع اسمه سلام الأوطان والحرية و بين الإشارتين تعلق أقدار الناس بمشانق الانتظار و الترقب و الخوف و اليأس و الأسئلة المرٌّة، نعم نحن أبناء تلك العشيرة على يسار الديار نحن أساوِرُ المدينة حررنا المَرافِق إلى الأرساغ من أساوِرُ قاومت المضايَقَ، اجتزنا بشموخ ثلاثة مذابح و دمار، اننا ابناء من أساوِر، أساوِر الأمل الذي يحيط بمعصم ديار، أساوِرُ الياسمين التي تطوق روح الجوار والأرض التي كللوها يوما بالزهور فهرب الموت فيها من القبور، فديارنا كانت الصغار فيها يوما في احتظار بكل درب و دار، ولم يشتكي الرخ المنهار من البارود و النار و ذئاب الليل و يد جزار، ونحن أبناؤها تغرّبْنا عشرينَ عامًا وعامًا وكل المسافاتِ، الخرائطُ والأزمان والجيران كانت ضدنا و قد نمنا في القفار على الحصى والحجار وتنام الدمعة فينا و في عَيْن غائِرَة، نلتحف الانكسارات وننام بعيون عارية من الأجفان، نلتحف أحلام الخرساء الرمادية الكالحه لا صوتها يصل ولا الليل يسمعه، ويصمت الموت حين تحكي حناجر الأحرار وتطفّأ المباخر الجمر بالجمر و ألف نار، فتخترق غيومها توخز هدأة المُقَل لكننا كبرنا نصلح المفاسد ونستغيث بأرضنا المستغيث و لا نسأل عما وراء الصمت والجدار يكفي أن هذا العالم المندثر وحتى وسط النار الصاخبة هو المسكن و الديار.
وفي كل درب و دار تنسج العنكبوت بيتها وتطل بألف فم يمتص الدم والماء حتى يجف العظم والسودان ونحن أبناء المضارب ألا زلنا نردد: بلاد العرب أوطاني أو نردد من بعد السودان؟
نيسان ـ نشر في 2023-05-03 الساعة 17:33
رأي: مريم عرجون كاتبة جزائرية