اتصل بنا
 

يوم النصر .. عسكرة الوعي

نيسان ـ نشر في 2023-05-08 الساعة 16:57

نيسان ـ لروسيا طعم آخر في الربيع .. تزهر الأشجار بعد شتاء قارص، تشعر بألفة مع المكان بعد ذوبان الثلج .. تتنفس الأرض وتلبس حلة جديدة .
قرب محطة ساكولنكي في موسكو كان الراحل فلاديمير جيرينوفسكي السياسي القومي وأحد مؤسسي اليمين الشعبوي في روسيا يجمع أنصاره منتصف تسعينات القرن الماضي، يسطع صوته عبر مايكرفون رديء قائلا : النصر لروسيا ، فلتسقط الإمبريالية وأمريكا .. ربما تستمع منه لخطاب ثوري يمزج بين خطاب فلول الحزب الشيوعي البائد ولغة القوميين الجدد، الذين يؤمنون بأن عظمة روسيا كوريثة للاتحاد السوفيتي السابق لم تنته بعد وأن أوراسيا قادمة لو بعد حين .
اقتربت قليلا من جيرينوفسكي بين الحشود، وسألته ما رأيك بما يحدث في الشرق الأوسط ؟ هناك حقبة جديدة بعد تحرير الكويت وهناك أوسلو ومخرجاتها وهناك هيمنة أمريكية على المشهد العربي برمته ؟ قال لي أن الشرق الأوسط سيبقى نقطة ساخنة على خريطة العالم السياسية لعقود ، كان مؤمنا بصدام حسين ويرى الأنظمة الشمولية في المنطقة بأنها أقرب إلى روسيا من الغرب.
ربما انتهت حالة جنون العظمة التي كانت تنتاب جيرينوفسكي ودخلنا في عصر القوميين الجدد، وفلسفة ألكسندر دوغين ، لكننا بلا شك أمام نزعة متنامية يقودها فلاديمير بوتين نحو استعادة عظمة الاتحاد السوفيتي السابق ولو بالحديد والدم .
يحتفل الروس بيوم النصر "دن بابيدا " على ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية كل عام في 9 مايو ، تتزين مدن روسيا بالأعلام والمشاهد الاحتفالية ويقام عرض عسكري في الساحة الحمراء تخليدا للذكرى.
السؤال الغائب في كتب التاريخ ما تكلفة الانتصار رغم بشاعة الموت؟ هل انتصر الوعي وتحسن حال الروس بعد انتصار 1945؟ هل الحرب في أوكرانيا هدفها إبعاد النازيين الجدد الذين يشكلون تهديدا للأمن القومي الروسي أم الخوف من اقتراب الناتو إلى الخاصرة دفعها لدخول مستنقع حرب لا نهاية قريبة لها؟
للاحتفال بالانتصار على ألمانيا النازية نكهة أخرى عند الروس هذا العام ، يريدون ايصال رسالة إلى الغرب بأننا انتصرنا على نازيتكم وكتبنا تاريخ العالم الحديث ومثلما رسمنا ملامح الانتصار في الحرب العالمية الثانية نستطيع الانتصار في الثالثة إن حصلت .
"عسكرة الوعي" أو عسكرة الجماهير كما يحلو للغرب تسميتها عنوان احتفالات يوم النصر الروسي .. نعم نحن الروس قادرون على الانتصار والسيطرة على نصف أوروبا كما حدث في عام 1945.. هذه الأيدلوجيا وربما الوهم يعشعش في فكر القادة الروس عبر تكريس فكرة العسكرة الشعبية كطريق لصناعة التاريخ من جديد .
قبل الخاتمة علينا توصيف معنى الانتصار .. هل هو انتصار القيم أو انتصار على الظلم والاستغلال والاحتلال والهيمنة والعبودية وسرقة أراضي ومقدرات الشعوب دون وجه حق ، هل القوة وحدها تحقق الانتصار أم أننا نعيش في شريعة انتصار قيم العدالة والإنسانية والعيش المشترك ؟ الشيء المؤكد حتى الآن لا انتصارات بلا ثمن والجميع خاسرون .. عالم أقرب إلى الفوضى لا معايير ولا قيم ثابتة ولا قطبية منفردة تهيمن على الساحة .

نيسان ـ نشر في 2023-05-08 الساعة 16:57


رأي: د. محمود مشارقة

الكلمات الأكثر بحثاً