امرأة بقلبٍ من صوّان

نيسان ـ سمعَت غياضة التي جفّت مآقيها، بعد مواراة الابن "اللي مو طير عيشة"، "مَعيدُ" النسوة على "سفح ارفيفة" المُطل على دور قرية مليح وخششها ومغاورها.
نهضت المرأة الرمح وقالت وهي تتوسط النساء النائحات في الحوش : "مير ويش اقول، الزين اللي راح"، وعدني أن يقص عليّ مكنونات دفاتره وكتبه( اللي يقولو انها تعد الصحيح عن دولتنا. بس الخسيسين ما اتركوا، جابوا غراب البين وأخذوه للحبوس الشينة).
ورفعت منسوب الشحن العاطفي :
أنا أعرف أنه اختار طريق المَرجلة. انتظم في جماعة "مهي مع الدولة". هو لم يفعل شيئاً سوى السير على منوال جَدّهِ" يوم زمّتو تركيا ع اليِمنْ" .
وأردفت في مقاربة ذات دلالة : دولة اليوم تركية بس بلسان عربي.
ونظرت الي السماء واستغاثتها، ألّا يكون رحيل فالح فاتحة الكربات. ودعت : يا مفرج الكربات إذا يُسرِن عسَر، سد باب المقبرة اللي انفتح علينا. الله يستر باب حوشنا يصطبي ع عتبة المقبرة.
خاطبت السماء بعينيها، وابتهلت للخالق العظيم: يا ريت الموت غشاني بطريقو وظل فلاح!
وبرنّة صوت التحدي، هتفت: عيلة العطية تورّث نسغ الرجولة ولو بعد حين! درب المرجل كلها شوك وبلّان!
وصمتت، قبل ان تتهاوى وهي تحتضن "هدوم فالح"، ونشجت حتى تقطعت أنفاس السامعين.
في اواسط عقد الخمسينيات الذي استهلّ سلسلة فواجع غياضة، اقتيد الابن فلاح العطية بوشاية أودت به.
قالوا انهم نقلوه من سجنه الى مليح على راحلة.
وبوصوله مُحتضراً، أناخ البينُ بكلكله على أُسرة العطية التي أبت القطع مع توريث نسغ الرجولة لنسلها.
وبعد سنوات قصيرة، حملت غياضة جسد ثاني قربان، ابنها مفلح العطية وأودعته جوار فالح. قالت تخاطب قبري الحبيبين، بعد مضي المشيعين : انتو اخوان الليلة متوانسين تباتوا مع بعض. خليني اروح يمة، اودعتكو الله يا حبايبي.
وما هي إلا إغماضة عين حتى شيّعت غياضة ومليح، الحفيد الصارخ عوض الفالح. شيّعاه في الخيال ووارياه قبره النائي عن مليح ، فقد قضى الفتى الذي التحق بصفوف المقاومة الفلسطينية، بلعنة، يأنف الناس تذكرها.
وعبر العقود، لم يغرْ ماء الأسرة بَيْنَ السَّوَاقِي، أبداً، و
َ ظلّت بوصلة غياضة تمسك بناصية الفعل حتى رحلت، مرهفةً بقلب من صوّان"!